بدأ رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، خطوات فعلية لدفع دعوته إلى إجراء حوار وطني شامل لحل الأزمة في الدولة الوليدة، بإعلان تشكيل لجنة من ثلاثين عضواً للترتيب لانطلاقة الحوار، لكن هذه اللجنة واجهت انتقادات لاذعة، ووصفها البعض بالقبلية، مع انتماء أغلب أعضائها لقبيلة الدينكا التي ينحدر منها ميارديت. وتشهد دولة جنوب السودان حرباً أهلية منذ ما يزيد عن ثلاثة أعوام، قُتل خلالها أكثر من عشرة آلاف شخص وشُرد نحو مليونين ونصف، وفشلت معها اتفاقية السلام الشامل التي وقّعتها الحكومة في جوبا مع المتمردين بقيادة رياك مشار بشكل منفصل.
وأعلن ميارديت، نهاية الشهر الماضي، أمام برلمان بلاده، نيّته إجراء حوار وطني يسهم في إعادة تعريف الأساس لوحدة الجنوبيين، مؤكداً أنه لن يستثني أحداً بما فيهم المعارضة المسلحة التي وعد بمنحها مساحات كبيرة خلاله. وأوكل ميارديت للجنة الثلاثينية، التي غاب عنها تمثيل الأحزاب وفئات النساء والشباب والمجتمع المدني، مهام إعداد أعمال الحوار وتوجيهه، وتحديد جداوله الزمنية، فيما اختار أعضاء من مراكز بحثية في جوبا للعمل كخبراء لتلك اللجنة.
وأكدت المصادر أن فكرة الحوار تمت بإيعاز أميركي وآخر صدر عن سياسيين جنوبيين مقيمين في واشنطن التقى بهم أخيراً وفد جنوب السودان بقيادة تعبان دينغ على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وأوضحت أن الوفد الجنوبي أقنع ميارديت بالفكرة التي جرى الاتفاق بأن تتم وفقاً لتجربة جنوب أفريقيا، وأن تشترك فيها جميع القوى والفئات الجنوبية، بما فيها المعارضة المسلحة.
وسارعت المعارضة المسلحة، بقيادة رياك مشار، إلى إعلان تحفظها على دعوة الحوار ووصفها بالمزيفة، مشترطة أن تسبق أية عملية حوار، مفاوضات سلام. وتواجه جوبا حالياً ضغوطاً إقليمية ودولية، لتحويل الحوار عن المسار الذي حدده ميارديت وإدارته لتحقيق أهدافه في إنهاء الحرب في جنوب السودان.
وأكد وزير الإعلام الجنوبي، مايكل مكوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، جدية الرئيس الجنوبي في دعوة الحوار للخروج بالبلاد إلى بر الأمان، مدافعاً عن اللجنة الخاصة بالحوار، موضحاً أن "تشكيل اللجنة تم من شخصيات قومية لا علاقة لها بالأحزاب السياسية، وغابت عنها كل الأحزاب ومنها الحزب الحاكم، لإضفاء الحيادية والشفافية عليها".
وشدد على "أننا لا نريد للجنة أن يكون لها لون أو ميول سياسية، ومن أراد أن يشارك في الحوار بهذا الشكل فأهلاً به"، رافضاً تماماً إيكال رئاسة الحوار إلى شخصية أجنبية، أو الانتقال بالحوار في أي من مراحله إلى الخارج، جازماً باستعداد الحكومة لمنح المعارضة المسلحة الضمانات الكافية التي تمكّنها من المشاركة في الحوار داخل جوبا. ورأى أن من يدعو إلى رئاسة أجنبية للحوار أو أن يُعقد في الخارج "هي شخصيات فاقدة للثقة في نفسها"، معلناً أن الحوار سيبدأ من القاعدة إلى أعلى وسيناقش كافة القضايا.
ورأى مراقبون أن الحوار الجنوبي يتجه إلى تطبيق نموذج الحوار السوداني، الذي واجه جملة من العثرات عطّلت انطلاقته لسنوات، فضلاً عن إنهاء أعماله مع إبقاء الأزمات قائمة، بالنظر إلى استمرار الحرب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، لا سيما أنه جرى بغياب القوى الرئيسية الفاعلة في المشهد السياسي السوداني، بينها الحركات المسلحة. وأكد هؤلاء المراقبون أن طريقة إدارة الحوار الجنوبي أوضحت أن النظام في جوبا يسعى من الخطوة إلى استهلاك الوقت وتخفيف الضغوط الإقليمية والدولية، فضلاً عن إثبات شرعية الحكومة عبر الدبلوماسية الداخلية.
واعتبر المحاضر والباحث لوكا بيونغ، أن اتفاقية السلام الشامل في جوبا بحاجة إلى آلية جديدة بعد الضربة التي أصابتها، خصوصاً أنها أصبحت اتفاقية جزئية، وهو ما يجعل من الحوار أمراً مهماً لإيجاد الحلول لها وجعلها شاملة. ولفت إلى "أهمية الأخذ في الاعتبار تجارب دول مرت بظروف جنوب السودان أو بأوضاع قريبة منها، والابتعاد عن التجربة السودانية في الحوار باعتبارها غير صالحة، لا سيما أنها لم تلبِ المبادئ الأساسية للحوار في ما يتعلق بتهيئة المناخ والمصداقية والاتفاق على الشخصية لإدارة الحوار".
وقال بيونغ، إن هناك جملة من الأمور الأساسية التي يمكن أن تضمن نجاح الحوار الجنوبي، بينها الشفافية والحيادية، وإسناد رئاسة الحوار إلى شخصية حيادية لها قدرة على جمع الأطراف، مقترحاً لها الوسيط الأفريقي لحل مشكلة السودان وجنوب السودان، ثامبو أمبيكي، والقيادي الأفريقي ألفا عمر كوناري، بسبب معرفتهما بأوضاع الجنوب، وأهمية الخطوة في إعطاء الحوار مصداقية وسنداً أفريقياً ودولياً.
وفي السياق نفسه، قال المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ إن على الجنوبيين الاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها الحوار السوداني، حتى لا يتحوّل حوارهم إلى كرنفال سياسي بقصد تسويقه باعتباره انفراجاً سياسياً مع استبعاد الأطراف المهمة عن حل الأزمة. ولفت إلى أن أول خطأ وقع فيه الحوار السوداني استبعاد أطراف فاعلة ومؤثرة والمضي قدماً بمن حضر، معتبراً أنه "من الصعوبة إجراء حوار في ظل الحرب والقبضة الأمنية والاعتقالات والضغوط". وأكد ضرورة الاستفادة من نموذج الخرطوم بدراسة أسباب الفشل، لا أخذ التجربة السودانية للالتفاف وكسب الزمن والوصول إلى توصيات معمّمة تُبقي الأوضاع على سلبيتها من دون حلول.