إيمانويل ماكرون في بوركينا فاسو: وُعودٌ بانتظار انخراط أوروبي أكبر

باريس

محمد المزديوي

avata
محمد المزديوي
29 نوفمبر 2017
4D7CA974-561E-46AF-9014-32DBFECDB166
+ الخط -
كما فعل في زيارته للجزائر، حين كان لا يزال يحلم بحكم فرنسا، فانتقد الاستعمارَ الفرنسي لهذا البلد المغاربي معتبرا إياه جريمة ضد الإنسانية، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون  خلال زيارته أمس الثلاثاء، إلى بوركينا فاسو، أنه كانت في التاريخ "أخطاء وجرائم، وأشياء كبيرة وقصص سعيدة"، ولكنه أضاف أن "جرائم الاستعمار الأوروبي (في القارة) لا يمكن الشك في وجودها"، معربا عن قناعته بأن "الماضي يجب أن يَمضي".  

وليس سرا على أحد أن ماكرون اشتغل جيدا، وخلال عدة أسابيع، على ما يمكن أن تكون عليه خطبه في أفريقيا، خصوصا أمام مئات من الطلبة البوركينابيين، الذين لن يتحرّجوا في طرح أي سؤال يدور بخلدهم، وحتى لا تتسبب العفوية والتلقائية في إحراج كبير للسياسة الفرنسية كلها.

ولكن الرئيس الفرنسي ماكرون كان واثقا من أنه لن يسقط في ما يشبه الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي في جامعة داكار، فكسب به عداء النخبة الأفريقية كلها، ودفع الشاعر الكبير إيمي سيزير لرفض اللقاء به ومصافحته أثناء زيارته للمارتينيك.

ولكن لا يمكن لأحد أن ينكر أن قسما من الشعب البوركينابي يحمل فرنسا مسؤولية كبرى في ما حصل وما يحصل، في البلد، سواء في اغتيال القائد الأكثر شعبية في تاريخ البلد، توماس سانكارا، "أب الثورة"، ولا في إنقاذ خلفه بليز كومباوري، بعد ثورة شعبية، وإخراجه إلى ساحل العاج قبل أن يحصل على اللجوء في المغرب، ومن هنا يمكن تفسير قيام بعض المواطنين، وبينهم طلبة غاضبون، برشق سيارات الرئيس الفرنسي وموكبه، وباستقباله بشعارات من نوع: "تسقط الإمبريالية الفرنسية". 

وعلى الرغم من حرص الرئيس الفرنسي على تبنّي خطاب شبابيّ جديد، فإن الطلبة الذين يتمتعون في البلد، بجرأة وحرية أكثر من كثير من البلدان الأفريقية الأخرى، أخرجوه عن أطواره، وهم يُعرّون واقع بلدهم الذي لا يزال مرتبطا بالقوة الاستعمارية السابقة. هذه الجرأة في الأسئلة الطلابية، دفعت وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، المرافق للرئيس، لمقارنتها بـ"تجمع عام للحزب الجديد المناهض للرأسمالية"، مضيفا القول "كما لو أن أوليفيي بوزنسنو (مرشح سابق للحزب في انتخابات رئاسية) هو الذي قام بكتابتها".

وما سؤال أحد الطلبة البوركينابيين عن احتمال توقف المكيّفات في الجامعة بعد انتهاء لقائه، إلا دليلا على حالة البلد، والذي تصر فرنسا، بشكل دائم، على تقديمه مثالا للاستقرار في القارة وللمبادرات الاقتصادية الطموحة.

وكان جواب الرئيس دفاع الضعيف، الذي لا يقول الحقيقة التي يعرفها الجميع: "تتحدثين إليّ، كما لو كنتُ رئيسا لبوركينا فاسو، كما لو كنت دائما قوة استعمارية. لا أريد أن أهتمّ بالكهرباء في الجامعات، إنه عمل الرئيس كابوري". وهو جواب اعتبره الكثير من البوركينابيين نوعا من الإهانة للبلد ورئيسه. 

وفي محاولة أخرى للظهور بمظهر يخالف رؤساء فرنسا السابقين، قال ماكرون للطلاب الذين لم يخشوا مواجهته بالحقائق الصادمة: "ليس لديّ أي تابو، ولا أخشى أي شيء" (مازجاً بين مناظرات نيكولا ساركوزي القوية وبعض نكات فرانسوا هولاند)، كما علّقت الصحافيّة الفرنسية سولين روايير. 

وهذه الجرأة الرئاسية كانت تدفعه للالتفاف حول بعض الأسئلة، بكثير من "العنجهية"، أو اعتبارها شأنا محليا أو أفريقيا، ومن بينها قضية الخروج من العملة الأفريقية الموحدة، التي لا تزال تتحكم فيها فرنسا: "بالنسبة لفرنسا، ليس الأمر مهما، ولكنه موضوع حقيقي بالنسبة لمسؤوليكم، ويجب التطرق إليه بجدية".

وهذا ما أثار غضب الكثير في بوركينا فاسو وفي دول أفريقية أخرى، فالرئيس الفرنسي، كما يقول الاقتصادي كاكو نوبوكبو، في حديث مع صحيفة "لوموند": "يبدو أنه يتجاهل أن هذه العملة فرضت على الأفارقة من قبل الاستعمار الفرنسي. وفي الحقيقة فإن فرنك المجموعة المالية في أفريقيا (الذي يعني في بداياته فرنك المستعمرات الفرنسية في أفريقيا) هو نتيجة لإنشاء مصرف السنغال سنة 1855، المصرف الذي أنشئ بفضل الموارد التي ضختها فرنسا لمالكي العبيد كتعويض لهم على إلغاء الرق في 27 أبريل/نيسان 1848".

وإذا كان الرئيس الفرنسي رَاهَن كثيرا على هذا اللقاء مع طلبة في مركز جامعي، شيده القذافي (في انتظار معهد فرنسي وعد بتشييده وافتتاحه قريبا)، وخرج بما يشبه رضاً ذاتيا عن أدائه، ورضا مرافقيه، وعلى رأسهم جان-إيف لودريان، وزير الخارجية، فإن الطلبة حسب ردود الفعل لم يتلقفوا بإيجابية سوى الوعد الذي قدمه ماكرون، والذي أثار بعض الأمل، وهو ما التزم به أمام الرئيس البوركينابي كريستيان كابوري، بفتح كل الأرشيفات الفرنسية المتعلقة باغتيال الرئيس البوركينابي الأسبق توماس سانكارا، سنة 1987، والذي يتهم كثيرٌ من البوركينابيين الرئيس السابق المطاح به، بليز كومباوري بالضلوع باغتياله بدعم من فرنسا، التي ضاقت ذرعا بسياساته المعادية للاستعمار، وإن كانوا استقبلوا بمرارة، رفضَه تسليم فرنسا، للعدالة البوركينابية، أخ الرئيس المعزول كومباوري الموجود في فرنسا والمتهم باغتيال صحافي في بوركينا فاسو.

أما حديث الرئيس الفرنسي المتعالي عن العملة الأفريقية التي تُطبَع وتحدد قيمتها في فرنسا وتعتبر من بقايا الوجود الكولونيالي في القارة السمراء، باعتبارها شأنا أفريقيا، فقد أغاظت الكثيرين من الذين لم يروا بعد، "قطيعة" مع سياسات "فرنسا-أفريقيا"، وهو ما دفع بمتظاهرين غاضبين للقول: "إن الوجود العسكري في بلدنا هو الذي يجذب الإرهاب".  

وليس غريبا أن تركز لوفيغارو افتتاحيتها للزيارة، من باب أن فرنسا لم يعد لديها ما تقدمه لأفريقيا، وأن التعامل يجب أن يكون مع أوروبا.


ولهذا السبب استبدل كاتب الافتتاحية، أرنو دي لا غارنج، "فرنسا-أفريقيا" بـ"أوروبا-أفريقيا"، لأنّ "السياسة الأفريقية لفرنسا، في نظر ماكرون، قد انتهت"، ولأن أفريقيا، بالنسبة للرئيس: "لم تَضِعْ ولم يَتِمَّ إنقاذُها. ولكنها قارة مركزية، تتصادم فيها كل التحديات المعاصرة، من إرهاب وهجرات كثيفة، وبالتالي فالكلّ معنيّ بالأمر". و"هو ما يجعلنا نلاحظ لدى فرنسا"، كما تقول لوفيغارو: "تعباً من وقوفها وحيدةً على الجبهة". ولدى ماكرون: "زيادة في دور المنسّق والوسيط ما بين قارتين".

لكن الصحيفة لا ترى قربا في تغّير الوضع، لأن "العلاقات بين فرنسا وأفريقيا يهيمن عليها حقلان، الاقتصادي والعسكري"، الأول ستعاني بعض شبكاته من حياة صعبة، في حين أن الثاني، وحدها الحقائقُ على الأرض، من يحدّد قراراته.

 

ذات صلة

الصورة
تظاهرة في الجزائر دعما لغزة / أكتوبر 2023 (العربي الجديد)

سياسة

جددت أحزاب سياسية في الجزائر مطالباتها السلطة بفتح الفضاءات العامة والسماح للجزائريين بالتظاهر في الشارع دعماً للشعبين الفلسطيني واللبناني وإسناداً للمقاومة.
الصورة
معرض يورونيفال في فرنسا، 27 أكتوبر 2008 (Getty)

سياسة

بعد منع فرنسا مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض الأسلحة يوروساتوري، ها هي تمنع الآن أيضاً مشاركة إسرائيل في معرض يورونافال.
الصورة
فارسي سيكون إضافة قوية للمنتخب الجزائري (العربي الجديد/Getty)

رياضة

يشهد معسكر المنتخب الجزائري الجاري حالياً في مركز سيدي موسى بالعاصمة الحضور الأول للظهير الأيمن لنادي كولومبوس كرو الأميركي محمد فارسي (24 عاماً).

الصورة
إيمان خليف تعرضت لحملة عنصرية أولمبياد باريس 2024 (العربي الجديد/Getty)

رياضة

وصل الوفد الجزائري، أمس الاثنين، إلى البلاد بعد مشاركته في أولمبياد باريس 2024، وكانت الأنظار موجهة بشكل أكبر صوب الثلاثي المتوج بالميداليات.