إلى ذلك، أعلن حزب نواز شريف الاستعداد لاحتجاجات شعبية في الأيام المقبلة، في ظلّ توقعات بأن ينضم إليه حزب "الشعب"، لأن قياداته أيضاً تواجه أحكاماً قضائية قد تدخلها إلى السجن على غرار شريف. ويزيد هذا الاحتمال مشاركة حزب "الشعب" في الاحتجاجات، لأن زعيمه، الرئيس الأسبق آصف زرداري، ونجله بلاول بوتو زرداري، بالإضافة إلى عدد من القياديين الآخرين، يواجهون تهما قضائية بالفساد أيضاً. وقد فرضت السلطات يوم الخميس الماضي، حظراً على سفر آصف زرداري و171 فرداً آخرين في هذا الإطار. وأعلن وزير الإعلام، فواد شودري، عن هذا القرار بعد أن قالت الشرطة والمحققون الاتحاديون إن زرداري ومشتبها بهم آخرين ضلعوا في إدارة حسابات مصرفية مزيفة، مشيراً إلى أن السلطات بصدد رفع قضية بشكل رسمي.
إلى جانب ذلك، فإنّ الأحزاب الدينية وعلى رأسها "جمعية علماء باكستان" بقيادة المولوي فضل الرحمن، و"الجماعة الإسلامية" بقيادة سراج الحق أيضاً، تتحدّثان عن احتمال حصول انتخابات مبكرة للإطاحة بالحكومة الحالية.
ولكن رغم المخاوف من تفجّر الوضع وتفاقمه، تبدو الحكومة مصممة على المضي قدماً في محاكمة من تصفهم بالمفسدين ومن تلاعبوا بأموال الشعب. ولعلّ وقوف المؤسسة العسكرية والقضائية في صفها جعلها تتغاضى عن كل تلك التهديدات والمخاوف.
وفي هذا الإطار، قال رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، قبل يومين، إنّ حكومته "مستعدة للتفاهم مع جميع الأحزاب السياسية سواء كان لها ممثلون في البرلمان أم لم يكن، ولكن لا مساومة على استراتيجية الحكومة ضد الفساد". كما قال شودري، في مؤتمر صحافي له الأربعاء الماضي، إنّ "الحزبين الرئيسين، حزب الرابطة الإسلامية-جناح نواز شريف وحزب الشعب، تواطآ فيما مضى بقضايا الفساد ونهب أموال الشعب بشتى الطرق، رغم الصراعات الموجودة بينهما في العلن"، مضيفاً أنه "لا يمكن للحكومة الحالية أن تقبل أي نوع من المساومة معهما في ما يتعلّق بالفساد". وصعّد شودري لهجته ضد هذين الحزبين، معتبراً أنّ "حتى وجوه قادتهم وتصريحاتهم المرتبكة تدلّ على أنهم ضالعون في الفساد".
وإذا استطاعت كل تلك الأحزاب أن توحّد كلمتها، فقد تخلق مشاكل للحكومة، وقد ترغم القضاء والمؤسسة العسكرية على التراجع وإعادة النظر في موقفهما الداعم للحكومة، خصوصاً أن هذه التحديات الداخلية تواكبها تطورات خارجية ضاغطة على الحكومة الباكستانية، لا سيما في ما يتعلّق بموقف أميركا إزاء "طالبان" وباكستان والعلاقة بينهما.
وفي جولة المحادثات الأخيرة لخليل زاد بين السعودية والإمارات وباكستان، رفضت حركة "طالبان" الجلوس مع مفاوضي الحكومة الأفغانية، ما جعل كلا من كابول وواشنطن تصبان جام غضبهما على إسلام آباد، على اعتبار أنّ الأخيرة بإمكانها إقناع "طالبان" بالجلوس مع الحكومة. وفي هذا الإطار، صدرت تصريحات لمسؤولين أميركيين تحمل لغة تصعيدية ضدّ باكستان على خلفية هذا الملف. إذ إن خليل زاد، قال بعد عودته من الإمارات: "نترقب الآن تعامل باكستان في قضية المصالحة الأفغانية". وسيقوم المبعوث الأميركي بزيارة إلى الهند خلال الأيام المقبلة، وفق مصادر مقربة منه، لمناقشة أبعاد المصالحة الأفغانية مع القيادة الهندية، وهو ما سيكون بمثابة تنبيه لإسلام آباد، لأن أحد تحفظاتها ينصب على الدور الهندي في أفغانستان.
كل تلك التطورات جعلت باكستان في عجلة من أمرها، فأرسلت الحكومة وزير خارجيتها، شاه محمود قريشي، إلى أفغانستان وإيران والصين وروسيا يوم الثلاثاء الماضي، حيث شدد على أن بلاده حاضرة لأن تُجلس "طالبان" على الطاولة مع الحكومة الأفغانية.