غزة: معركة عض الأصابع بين إسرائيل والفصائل على أشدها

18 يوليو 2018
باتت إسرائيل كمن يستهدف استنزاف المقاومة(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

يكثُر السؤال في أوساط الفلسطينيين في قطاع غزة عن الحرب، حتى باتت هاجساً يقلق مليوني شخص يعيشون ظروفاً غاية في الصعوبة والتعقيد، نتيجة الحصار الإسرائيلي المُطبق، والذي يزداد يوماً بعد يوم، والإغلاق المستمر للمعابر، والعقوبات المتواصلة عليهم من قبل السلطة الفلسطينية.

وتجمعت عشرات العوامل لهذا القلق، حتى بات حديث الفلسطينيين عن الحرب أكثر من أي شيء آخر. ويتزامن ذلك مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية، والإغلاق الجزئي لمنفذ غزة التجاري الوحيد، والإغلاق المفاجئ لمعبر رفح البري مع مصر، وهو ما نفته السلطات المصرية أمس الثلاثاء. وباتت غزة على شفير الهاوية، والدخول في حرب جديدة، بعد التصعيد الإسرائيلي الميداني الذي وصل إلى حد ملاحقة فتية يطيرون بالونات على الحدود. وإن لم يصل الوسطاء الدوليون والإقليميون إلى حلول سريعة للأزمة، التي تفجرت حالياً، فإنّ احتمالات الحرب ستكون مرتفعة جداً.

ويعتقد كثر في القطاع الساحلي المحاصر، أنّ تمرير أفكار التسوية والتصفية للقضية الفلسطينية، أو ما يعرف بـ"صفقة القرن"، يستلزم حرباً ضد غزة، التي تبدو أكثر الممانعين لهذه الصفقة، وأكثر الذين يحاربون من أجل ألا تُمرر، رغم الكمّ الكبير من المعاناة الواقعة على سكانها الذين عايشوا ثلاث حروب قاسية، وعشرات الاعتداءات الإسرائيلية، وكل الضغوط المتوقعة وغير المتوقعة. ومع أنها لا تريد الحرب ولا تسعى إليها، وتعمل من أجل استمرار الهدوء أطول وقت ممكن، إلا أنّ فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة قد تجد نفسها أمام حائط مسدود، ما يدفعها للتحرك للدفاع عن الفلسطينيين، ووقف محاولات الاستنزاف الإسرائيلية المستمرة بحقهم. ووسعت إسرائيل، في الأيام الأخيرة، من دائرة استهدافها قدرات وإمكانيات المقاومة الفلسطينية، وغيرت من أسلوب القصف المتبع عادة مع المواقع التدريبية للمقاومة، وباتت كمن يستهدف استنزاف المقاومة وتدمير قدراتها، من دون الرغبة في توسيع دائرة الردود على ما تقوم به، وهي المعادلة التي أعلنت فصائل المقاومة أكثر من مرة أنها لن تقبل بها ولن تسمح بتمريرها. وحتى معادلة القصف بالقصف، التي اعتمدتها المقاومة وأرستها خلال التطورات الميدانية الأخيرة، لم تكن راضية عنها، في ظل حذرها من توسيع دائرة الرد على العدوان، واستهداف الاحتلال العمق الفلسطيني وتوسيعه دائرة المواجهة.



وتشهد حدود غزة مع الأراضي المحتلة بعض التطورات والحشود العسكرية الإسرائيلية، والتي أعلنت عنها وسائل إعلام الاحتلال، بما في ذلك نشر مزيد من بطاريات القبة الحديدية في المدن الإسرائيلية. لكن ذلك ربما يكون جزءاً من الحرب النفسية على القطاع، وعلى صاحب القرار من أجل تسريع وقف إطلاق البالونات الحارقة والعمل على إنهاء مسيرات العودة على الحدود. وتجمعت معطيات مختلفة لدى "العربي الجديد"، تؤكد أنّ الفصائل الفلسطينية باتت أقرب من أي وقت مضى لتخفيف ظاهرة إطلاق البالونات الحارقة، وحتى وقفها بشكل كامل، لسحب الذرائع من بين يدي الإسرائيليين ولمنع الخروج إلى حرب، في ظل غياب أي ظهير عربي للفلسطينيين. لكن الوصول إلى مثل هذا الأمر يحتاج إلى ضمانات بعودة الأوضاع في قطاع غزة إلى ما كانت عليه سابقاً، والعودة إلى تسهيل حياة الفلسطينيين وتخفيف الضغوط المعيشية والاقتصادية على مليوني فلسطيني يعيشون أوضاعاً قاسية، ويتطلعون إلى الهدوء ورفع الحصار. وفي السياق، كشفت مصادر فلسطينية واسعة الاطلاع، لـ"العربي الجديد"، عن تكثيف الوسطاء الدوليين الاتصالات خلال الساعات الأخيرة، لمنع انزلاق الأوضاع في قطاع غزة إلى حرب رابعة، في ظلّ التهديدات الإسرائيلية وإغلاق المعابر ووقف إدخال المواد الأساسية للسكان. وأشارت المصادر إلى أنّ الأوضاع في غزة "مشحونة" للغاية، وأنّ الاحتلال يحشد قواته على الحدود منذ مساء أول من أمس، وينصب مزيداً من بطاريات القبة الحديدية، استعداداً في ما يبدو لشن عدوان جديد على القطاع، لوقف إطلاق البالونات الحارقة.

وأبلغ وسطاء فصائل المقاومة في غزة أنّ لإسرائيل مخططا للعدوان، وتشترط لوقف ذلك وقف إطلاق البالونات الحارقة التي تطلق من القطاع على الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي باتت تشكل كابوساً للإسرائيليين في مستوطنات "غلاف غزة". وكان المبعوث الأممي لعملية السلام، نيكولاي ميلادينوف أبلغ، الصحافيين قبل أيام، أنّ غزة "كانت على وشك حرب" خلال الجولة الأخيرة من التصعيد الإسرائيلي، والذي ردت عليه المقاومة بإطلاق عشرات الصواريخ على مستوطنات الغلاف. وميلادينوف هو أحد الوسطاء الرئيسيين بين الفصائل في غزة وإسرائيل، وتحذيره هذا ليس عبثياً، إذ إن الأوضاع المتوترة والضغط الكبير التي تحياه غزة قد تدفع الفصائل للذهاب إلى الحرب، مع المؤشرات الإسرائيلية المتكررة عن نية الاحتلال الذهاب إلى حرب جديدة، من خلال التضييق وزيادة خنق القطاع. غير أنّ أسباب الحرب المقبلة، وإن كانت مرتبطة بالبالونات الحارقة، كما يروج الإعلام الإسرائيلي، فهي غير مقنعة لبعض المراقبين الفلسطينيين، الذين يعتقدون أنّ الحديث الإسرائيلي عن أضرار البالونات تضخيم متعمد للتضييق أكثر على غزة وجر حركة "حماس" إلى مربع التنازلات، ووقف مسيرات العودة، التي ترفع شعار كسر الحصار، إلى جانب مطالب أخرى. ويتعزز هذا الاعتقاد ببعض الأخبار التي تتحدث عن قيام إسرائيليين بحرق مزارعهم على الحدود للحصول على تعويضات من الحكومة، وأن الحرائق التي يعلن عنها ليست دائماً بسبب البالونات الحارقة، وأنها بفعل فاعل.