وخلافا لبعض البلدان الأوروبية، لا يملك البرلمان الفرنسي صلاحيات لمنح الإذن بعمل عسكري، والذي يعد من صلاحيات رئيس الجمهورية، ومع ذلك يجري نقاش في البرلمان حول قرار رئاسي بإرسال قوات عسكرية إلى الخارج من حين لآخر من دون تصويت.
ومن أجل معرفة حقيقة طبيعة عمل فرنسا في ليبيا خلال هجوم حفتر المستمر منذ 4 إبريل/نيسان، تقدّم النائب باستيان لاشود، ومعه مجموع النواب البرلمانيين، في فريق "فرنسا غير الخاضعة" السبعة عشر، بمشروع قرار إلى لجنة الشؤون الخارجية، لتعذّر تشكيل لجنة خاصة، يهدف إلى تشكيل لجنة تحقيق بخصوص حضور وعمل فرنسا في ليبيا.
وفي رسالة طويلة عرض نواب "فرنسا غير الخاضعة" في مجلس النواب الأسباب التي دفعتهم إلى هذا الطلب.
وبدأت الرسالة باستعراض هجوم حفتر على طرابلس، حيث توجد حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فائز السراج، المعترف به من طرف الأمم المتحدة.
وتضيف الرسالة أن "الموقف الفرنسي مطبوعٌ بمحاباة السيد حفتر. وفي عديد من المرات أظهر الإيليزيه والخارجية قناعتهما بأن حلا للأزمة يمر عبر محادثات تضم حفتر". وتتابع "إلا أن فرنسا عارَضت، بشكل علني، اللجوء إلى العنف، خاصة منذ الهجوم الذي أطلقه حفتر في 4 إبريل/نيسان، وهو موقف عزز الإجماع الدولي".
وقال النواب في الرسالة: "إلاّ أنه منذ عدة أشهر تحوم شكوكٌ حول حقيقة نوايا وعمل الحكومة في ليبيا، وكثير من المراقبين يرتابون في عمل سرّي لصالح السيد حفتر، في تناقض مع التصريحات العمومية من طرف ممثلي فرنسا".
وأضافت الرسالة أن حقيقة عمل فرنسا تظلّ غير شفافة: "وهكذا في 14 إبريل/نيسان 2019، تم اعتراض موكب فرنسي ينقل ترسانة هامة، على الحدود الليبية التونسية. وحسب الحكومة الفرنسية، فإن هذا الموكب وهذه الأسلحة مصدره السفارة الفرنسية في طرابلس، حيث لا تسمح الوضعية المتردية بالحفاظ عليه".
وعلى الرغم من أن الجواب قابل للتصديق إلا أنه لا يحمل إشارات واضحة، بشكل كاف، حول أسباب وجود عدة مئات من القنابل وقاذفات الصواريخ في تمثيلية دبلوماسية.
وتستشهد الرسالة بما نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 9 يوليو/تموز من أن "صواريخ جافلين، اشترتها فرنسا من الولايات المتحدة، عثر عليها، في يونيو/حزيران، في حوزة قوات حفتر". وتتساءل الرسالة: "بأي طريقة سقطت هذه الأسلحة بين هذه الأيدي؟ وهل انتهكت فرنسا الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على مبيعات السلاح إلى ليبيا؟ وهل أخلَّت فرنسا بواجباتها لدى الولايات المتحدة حين لم تطلعها على نقل هذه الأسلحة؟".
وترى الرسالة أن تبرير السلطات الفرنسية هو في أقصى الغموض. ففي نظرها، أي السلطات، أن هذه الصواريخ استخدمت في حماية وحدة في أجهزة الاستخبارات وهي، الآن، خارج الاستخدام. ثم تتساءل: "هذه الصواريخ المضادة للدبابات هل هي مُناسِبةٌ، حقيقةً، لحماية عناصر استخبارات؟ وفي هذه الحالة، لماذا لم تمتلك القوات الفرنسية صواريخ متوسطة المدى تم نشرها من قبل القوات البرية سنة 2018، ومشهورة بأنها أحسن فعالية من صواريخ جافلين؟ ولماذا تم تكديس هذه الصواريخ، التي يُزعم أنها خارج الخدمة، إلى جانب أسلحة عملياتية، في معسكر تابع لقوات حفتر؟".
ثم تكشف الرسالة سرّاً بات يعرفه الجميع، وهو أن "العمل السري لفرنسا في ليبيا هو سرّ يعلمه الجميع"، فـ"في 20 يوليو/تموز 2016، كشف حادثٌ تعرضت له طائرة هيلوكبتر، وتسبب في مقتل ثلاثة عملاء، عن حضور الاستخبارات الفرنسية في ليبيا".
ثم تُذكّر الرسالة بأن العمل العسكري الفرنسي في ليبيا، الذي أطلقه الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، هو "أحد أسباب الزعزعة المستدامة والواسعة جدا في كل منطقة الساحل والصحراء، بسبب انتشار السلاح في كل شبه القارة"، كما أن "الحرب في مالي التي انخرطت فيها فرنسا ناتجةٌ، جزئيا، عن هذا الاستخدام الطائش للقوة".
وترى رسالة نواب "فرنسا غير الخاضعة"، أن "الدعم الذي يتم تقديمُهُ لحل تسلطي للأزمة الليبية سيرسل إشارة كارثية، في الوقت الذي تشهد فيه الجزائر والسودان مسار انتقال ديمقراطي دقيق".
وإذ ترى الرسالة أن "الدفاع عن مصالح فرنسا يتطلب الكتمان، أحيانا"، إلا أنها تستدرك أن "الدبلوماسية تفترض الانسجام وليس ممارسة خطاب مزدوج، يُضيع على بلدنا مصداقيتَها على الساحة الدولية".
ويرى نواب "فرنسا غير الخاضعة" أن "الدفاع عن المبادئ الديمقراطية والدفاع عن المصلحة الوطنية والحرص على المشاركة في السلام، تستوجب احترام التزاماتنا الدولية، وإخضاع السلطة التنفيذية لمراقبة صارمة وشفافة لعملها من طرف الشعب ومنتَخَبيه".
وتنتهي الرسالة بطلب إنشاء لجنة تحقيق برلمانية. "سيكون على عاتقها تسليط الضوء على طبيعة عمل فرنسا في ليبيا والتحقق من احترام التزاماتنا الدولية".
وهكذا أعلن عن إنشاء لجنة تحقيق تضم 30 عضواً، وهي مكلَّفة بدراسة عمل فرنسا في ليبيا، في الفترة التي سبقت والتي أعقبت هجوم قوات حفتر على طرابلس في الرابع من شهر إبريل/نيسان 2019.
وليس سرا أن أعضاء حزب الرئيس إيمانويل ماكرون سيعملون كل ما في وسعهم، وهم يمتلكون الشيء الكثير، لإفراغ اللجنة من محتواها ثم ثنيها عن انتقاد العمل الحكومي. وليس إفشال لجنة التحقيق البرلماني حول "ألكسندر بنعلا"ـ سوى الدليل على أن أغلبية ماكرون لا تريد تقديم تنازلات تظهر وَهن أو أخطاء الحكومة.
ثم إن الرئيس ماكرون لن يمنح أي هدية لحركة "فرنسا غير الخاضعة"، التي أعلنت، غير ما مرة، أنها لا تفرّق ما بين ليبرالية ماكرون وتطرّف وشوفينية لوبان.