أعلن مسؤولون عراقيون في بغداد، أمس الخميس، أن رئيس الوزراء، حيدر العبادي، وافق، بناء على طلب فرنسي يهدف إلى احتواء الأزمة ومنع أي تصعيد قد يؤدي إلى صدام مسلح، على وقف التصعيد، وتعهد بعدم اتخاذ إجراءات عقابية جديدة ضد أربيل، إلى حين إعلان رئاسة إقليم كردستان العراق بزعامة مسعود البارزاني عن موقفها النهائي من إلغاء أو تجميد نتائج الاستفتاء وتسليم مطارات ومنافذ كردستان للسلطة الاتحادية ببغداد. وفي مقابل "التهدئة" العراقية مع إقليم كردستان، كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يواصل هجومه وتهديداته، معلناً أن بلاده ستغلق قريباً حدودها مع شمال العراق، كما ستغلق المجال الجوي، رداً على الاستفتاء.
وكان من المقرر أن تعلن بغداد حزمة إجراءات جديدة ضد كردستان، بحسب ما سربته مصادر سياسية في بغداد، بينها طرد العسكريين والدبلوماسيين الذين ثبتت مشاركتهم في عملية الاستفتاء على الانفصال، استناداً إلى أحكام الدستور النافذ في البلاد الذي يتضمن عقوبات مختلفة ضد العراقيين المتورطين بمشاريع تمس وحدة البلد، فضلاً عن إجراءات أخرى من أبرزها وقف عمل عدد من البنوك الحكومية في الإقليم ورفع الضمان الاتحادي من قبل بغداد عن تعاملات الإقليم المالية والقانونية في أوروبا ودول غربية أخرى. ووفقاً لمسؤول عراقي بارز في بغداد، فإن العبادي رفض، خلال اجتماعه مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في باريس، الحديث عن أي حوار أو تفاوض مع أربيل يتضمن الاستفتاء ونتائجه، مشترطاً أن يكون ذلك ضمن الدستور العراقي فقط، باعتبار أن البرلمان والحكومة أقرا بالإجماع على عدم الاعتراف به أو ما يترتب عليه. وقال وزير عراقي رفيع المستوى، يرافق العبادي في زيارته إلى باريس، لـ"العربي الجديد" خلال اتصال هاتفي معه، إن "مباحثات باريس ركزت على مسألة مشروع القادة الأكراد بالانفصال عن العراق. وتحدث العبادي بصراحة عن أن هذا الموضوع غير قابل للنقاش، ولا يمكن حدوثه، كما لا يمكن التفكير باقتطاع جزء من العراق واعتباره دولة". وبين أن "الفرنسيين طالبوا بوقف أي إجراءات أخرى تعتزم بغداد اتخاذها، إلى حين التوصل إلى تفاهم مع القيادة الكردية في أربيل لاتخاذ موقف إيجابي، وإبداء ليونة في الأزمة التي بدأت تؤثر على مواطني كردستان، وهو ما تمت الموافقة عليه من قبل رئيس الوزراء، الذي شدد، في الوقت ذاته، على أن بغداد لن تسمح بأن تؤدي إجراءاتها السيادية لأي ضرر للمواطنين في إقليم كردستان" وفقاً لقوله.
وكان العبادي قد قال، في مؤتمر صحافي مشترك مع ماكرون عقد في الإليزيه مساء أمس، الخميس، إن "استفتاء كردستان هو خروج عن الدستور والإجماع"، مشيراً إلى أن المحكمة الاتحادية رفضته لأنه غير دستوري. ودعا قوات البيشمركة الكردية إلى أن "تكون جزءاً من القوات العراقية تحت قيادة السلطات الاتحادية، وأن تعمل معها لفرض السلطة الاتحادية" على جميع المناطق المتنازع عليها. تجدر الإشارة إلى أن "العربي الجديد" نقلت عن مصادر حكومية في وقت سابق عدداً من سيناريوهات إدارة المناطق المتنازع عليها، من بينها حل الإدارة المشتركة الذي وافق عليه رئيس الوزراء من باريس مساء الخميس. وأكد العبادي أن بغداد لا تريد "مواجهة مسلحة" مع إقليم كردستان، لكنه شدد على أن الدولة المركزية يجب أن تفرض سلطتها في المناطق المتنازع عليها. وقال "لا نريد مواجهة مسلحة، لا نريد أي عداء أو أي مصادمات، لكن يجب أن تفرض السلطة الاتحادية" نفوذها في المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وسلطات الإقليم. ودعا ماكرون، من جهته، إلى الاعتراف بحقوق الأكراد "في إطار الدستور" العراقي. وقال، معلقاً على الاستفتاء الذي نظم في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، "ندعو إلى الاعتراف بحقوق الأكراد في إطار الدستور. هناك طريق، في إطار احترام حق الشعوب، يتيح الحفاظ على إطار الدستور، واستقرار ووحدة أراضي العراق". وأضاف "فرنسا مستعدة، إذا كانت لدى السلطات العراقية رغبة، للمساهمة بفاعلية في الوساطة التي أطلقتها الأمم المتحدة".
انقسام داخل كردستان
في هذا الوقت، لا تزال المواقف منقسمة داخل الإقليم إزاء القبول بإلغاء أو تجميد الاستفتاء والدخول في مفاوضات مباشرة مع بغداد، للحصول على الحد الأعلى من المكتسبات. وأكد عضو حزب الاتحاد الكردستاني في السليمانية، محمد آميد، لـ"العربي الجديد"، أن "دخول الإقليم رسمياً في حداد لمدة أسبوع أدى إلى تعطل الحراك الحالي، خصوصاً مع قرب وصول جثمان الرئيس السابق، جلال الطالباني، من ألمانيا، ليوارى الثرى في مسقط رأسه في مدينة السليمانية، وانشغال الجميع بالتحضير لعملية التشييع، التي من المرجح أن يشارك مسعود البارزاني فيها". وقال "هناك انقسام، إذ تجد الجماعة الإسلامية وحركة التغيير وقيادات معينة داخل الاتحاد وجوب احتواء الأزمة، والتجاوب مع أي مبادرة حوار لضمان وقف التدخل التركي والإيراني المباشر بالأزمة، بينما يجد طرف آخر أن إلغاء نتائج الاستفتاء، كما تريد بغداد، مستحيل وغير قابل للنقاش"، مؤكداً أن "الضحية بالنهاية هم المواطنون في الإقليم".
واعتبرت القيادية في الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي يتزعمه مسعود البارزاني، النائبة نجيبة النجيب، في بيان أمس، أن "عصر الاجتياح العسكري انتهى"، في إشارة إلى المناورات العسكرية التي أجريت على حدود الإقليم من قبل إيران وتركيا. وأضافت أن "التصريحات والتهديدات الإيرانية والتركية لن تؤثر على كردستان في سعيه نحو الانفصال"، معتبرة أن "الأكراد أثبتوا على مدار 26 سنة أنهم ليسوا مصدر خطر على أحد، ولديهم أفضل العلاقات مع تركيا وإيران". وتابعت أن "الأكراد يريدون أن يمارسوا حقوقهم في كيانهم الجديد بعد عجز الحكومة العراقية عن توفير تلك الحقوق لهم". وبينت أن "عهد الاجتياح العسكري ولى، وهناك دول لديها مصالح في المنطقة، هي أكبر من إيران وتركيا، وستمنع حدوث تدخل عسكري في كردستان". إلى ذلك، كشف عضو في برلمان كردستان، لـ"العربي الجديد"، عن اجتماع مرتقب بين القيادات الكردية ورئيس الإقليم، بناء على طلب من الكتل السياسية، للتباحث بشأن الأزمة. ووفقاً لعضو البرلمان فإن الاجتماع، الذي كان مقرراً أمس الخميس، تأجل إلى وقت آخر لوجود مسؤول أممي يزور الإقليم لبحث الأزمة، فضلاً عن مبعوث عسكري أميركي، مرجحاً أن "تصدر عن الاجتماع مقررات تتناول وحدة الموقف الكردي في أي قرار جديد تتخذه إزاء الأزمة".
أردوغان يهدد الإقليم
وقال أردوغان، في خطاب في أنقرة، "جرى تعليق الرحلات الجوية إلى شمال العراق، كما سيتم إغلاق الحدود والمجال الجوي قريباً". وأضاف أن قرار إجراء الاستفتاء أظهر "الجحود التام" من جانب حكومة إقليم كردستان، التي طورت علاقات تجارية وسياسية وثيقة مع تركيا. وتابع: "نطالب حكومة إقليم كردستان بالتعلم من أخطائها، واتخاذ خطوات للتعويض عنها في أسرع وقت ممكن". ووجه أردوغان رسالة إلى البارزاني، قائلاً "إسرائيل هي الوحيدة التي تقف وراءك. فأنت تجلس على الطاولة، وعن يمينك وزير خارجية فرنسي سابق وعن يسارك يهودي آخر. هؤلاء ليسوا أصدقاء لك." وأعلن أردوغان، في مقابلة مع قناتي "إن تي في" و"سي إن إن ترك" التلفزيونيتين خلال عودته من زيارة لإيران، إن تركيا وإيران والعراق ستتخذ قراراً مشتركاً بشأن وقف تدفق إمدادات النفط من شمال العراق، معتبراً أن إقليم كردستان سيعود إلى رشده ويعدل عن قراره. ونقلت القناتان عن أردوغان قوله "إذا اتخذ قرار بوقف تدفق النفط في المنطقة فسنتخذه. ستفعل ذلك تركيا وإيران وحكومة العراق المركزية". وأضاف "قيادة شمال العراق منتشية بنتيجة الاستفتاء، ولا تعي ما تفعل أو الخطوات التي تتخذها". وانتقد إدراج مدينة كركوك في الاستفتاء، معتبراً أن الأكراد لا شرعية لهم هناك وأنهم "غزاة" في المنطقة.