وقالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" إنّ زيارة ميلانيزي استهدفت بالأساس الترويج للمؤتمر الذي ستنظمه إيطاليا، وحشد تأييد دول جوار ليبيا للرؤية الإيطالية التي تتمحور حول ضرورة استقرار الأوضاع السياسية والعسكرية في البلاد، والإرجاء غير المشروط وغير المحدد بأي توقيت، للاستحقاقات الدستورية والانتخابية التي تحاول فرنسا دفع التيارات الليبية للانخراط فيها قبل نهاية العام المقبل على أقصى تقدير.
ونقلت المصادر المصرية عن السيسي تفضيله التعاطي مع الطرح الإيطالي، لأنه يقتضي بداية تمكين اللواء المتقاعد خليفة حفتر وجيشه المدعوم من مصر من التحكّم في مقاليد السلطة التنفيذية بمختلف المناطق الليبية، بما فيها "الهلال النفطي" الذي أصبح تحت سيطرته فعلياً. لكن المشكلة تكمن في الخلافات المستمرة بين إيطاليا وحفتر، وآخرها اتهام الأخير لروما بالسعي لإنشاء قاعدة عسكرية في المنطقة الجنوبية غير المستقرة، التي تراقبها فرنسا أيضاً عن كثب وتعتبرها منطقة تأمين طبيعية لدول جنوب الصحراء الفرنكوفونية.
وأضافت المصادر المصرية أنّ إيطاليا رغم توجهها الحثيث إلى عدم إجراء أيّ انتخابات قبل إعداد دستور بواسطة لجنة معينة أو مشكلة بوفاق وطني واسع ومعترف بها من الدول المعنية، إلا أنّها لم تستقر على طريقة للتعاون مع حفتر المدعوم من فرنسا وروسيا ومصر والإمارات. وبالتالي، فإنّ الخلاف بين حفتر وإيطاليا يعتبر حجر عثرة أمام "سيولة تطبيق السيناريو الإيطالي"، لا سيما أنّ روما مستمرة في دعم حكومة الوفاق التي تضمّ شخصيات عديدة ترى في حفتر تهديداً لمستقبلها السياسي، ويتعامل حفتر معها بحذر وريبة، بالإضافة إلى عدم استطاعة الأخير بسط نفوذه على المناطق الجنوبية الغربية التي تنشط فيها مليشيات قبلية مناوئة له، وتدعمها إيطاليا منذ سنوات وتحتفظ بعلاقات جيّدة بحكومة الوفاق.
من هنا تأتي أهمية الدور المصري بالنسبة لإيطاليا؛ فالدولتان متفقتان على ضرورة السيطرة العسكرية والتنفيذية، والحدّ من موجات الهجرة غير الشرعية وتمكين الدولة الليبية الحاكمة بقوة الأمر الواقع من أدواتها. لكن روما تنتظر من القاهرة هدية بتحقيق التقارب بينها وبين حفتر، أو تحجيمه عن تهديد المصالح الإيطالية كما ترتئيها روما، في مواجهة الأطماع الفرنسية.
وبحسب المصادر، فإنّ شكري وميلانيزي تباحثا طويلاً بشأن التصورات المصرية لمستقبل المشهد السياسي في ليبيا، إذ توافقت وجهتا النظر على ضرورة دعم الاستقرار الميداني والاقتصادي أولاً، قبل الانخراط في أي استحقاقات سياسية، خوفاً من تكرار الانهيار الأمني الذي حدث في كل مرة جرت فيها الانتخابات بعد إطاحة نظام معمر القذافي. كذلك طلب شكري من ميلانيزي أن تفسح الدول الأوروبية المجال لمصر لاستئناف دورها لإتمام مبادرة جمع الأسلحة وتوحيد الجيش الليبي التي بدأت منذ عامين بلقاءات متكررة في القاهرة، وتوقفت منذ بضعة أشهر.
وأوضحت المصادر أنّ القاهرة أبلغت ميلانيزي بأنّ نزع سلاح المليشيات يعتبر أولوية بالنسبة لها، وأنّها تراه هدفاً رئيسياً مفترضاً لأي ملتقى دولي بشأن ليبيا، بما في ذلك المؤتمر الإيطالي المزمع عقده. وأضافت أنّ السيسي وشكري أبلغا الوزير الإيطالي أيضاً بترحيب مصر بالمشاركة، مع تحمّسها لإسناد مهام عملية لها تتمثّل في الإشراف على جمع الأسلحة وتوحيد الجيش، إلى جانب مطالبتها بأن توثّق الدول الأوروبية، وعلى رأسها إيطاليا، تعاونها الاستخباراتي والعسكري مع مصر بشأن تأمين الحدود البحرية والبرية، باعتبار أن مصر صاحبة أطول خطوط حدودية مشتركة مع ليبيا، وأوّل دولة تتضرّر بانهيار الأمن فيها.
وأكّدت المصادر المصرية أنّ السيسي لا ينظر لمؤتمر إيطاليا حول ليبيا كنقطة مفصلية في مسيرة إدارة الصراع في الجار الغربي، لكنه يعتبر دعم ترامب للجهود الإيطالية مؤشراً على احتمال تدخّله للانقلاب على نتائج ملتقى باريس من ناحية، ومن ناحية أخرى فرصة جيّدة لإبراز ما تقوم به مصر من جهود على الصعيد الميداني والسياسي في ليبيا، الأمر الذي يؤمن السيسي بأنه لم يصل إلى ترامب على النحو الأمثل حتى الآن.
ويعتبر السيسي أن مصر أدّت في عهده دوراً كبيراً في حفظ الأمن في ليبيا، وتحجيم تنظيم "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابية التي نشطت على الحدود بين البلدين خلال السنوات الخمس الماضية. وقد ألمح الرئيس المصري في مرات عدة في لقاءات له بمسؤولين أميركيين في القاهرة وواشنطن، إلى أنّ الإدارة الأميركية لا تعطي مصر التقدير المستحق لها لما بذلته من جهود في هذا السياق، وذلك في معرض مطالبته بانتظام المساعدات العسكرية الأميركية التي علقت في أغسطس/ آب الماضي، وزيادة الدعم الأميركي لمصر لوجستياً في حربها على الإرهاب شرقاً وغرباً. فهو ما ينفك عن تكرار الإعلان بأنّ مصر تخوض حربها بمفردها.
وفي ظلّ جمود التحقيقات المشتركة - رسمياً - بين البلدين في قضية مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة منذ عامين ونصف العام، وتعذّر استرجاع المعلومات من تسجيلات محطة مترو الأنفاق التي شوهد فيها ريجيني للمرة الأخيرة؛ سيطرت القضية الليبية على المباحثات التي أجراها ميلانيزي في القاهرة، مع تطرقها إلى ملف آخر هو تطوير أعمال عملاق الطاقة الإيطالي "إيني" في مصر، والبناء عليها لجذب مزيد من المستثمرين الإيطاليين بتسهيلات مشابهة لما حصلت عليه "إيني"، تكاملاً مع اتجاه مصر لخصخصة قطاع الغاز الطبيعي وتوصيله إلى المنازل ووجود شركات إيطالية عديدة ذات خبرة في هذا المجال.