بعد 23 يوماً من القتال العنيف والمتواصل خسرت فيه قوات الجيش العراقي والمليشيات نحو ثلاثة آلاف قتيل وجريح، نجحت تلك القوات بالوصول، يوم أمس الثلاثاء، إلى داخل الفلوجة، تحديداً حي الشهداء، أول أحياء الفلوجة من الجهة الجنوبية، وسط اهتزاز الجبهة الغربية للفلوجة بفعل المعارك المستمرة منذ أمس الأول الإثنين. وبحسب آخر تطورات المعركة قبل غروب شمس الثلاثاء، فهي تتسع وتكتسب طابعاً غير عشوائي في إطلاق النار بل استهداف جيوب مسلحة من كلا الطرفين، فيما لم تغب الطائرات الأميركية عن سماء المدينة، في خطوة تشير إلى احتمال وجود اتفاق جديد بين بغداد وواشنطن حيال المعركة، قد يكون تعهدات من بغداد باستبعاد المليشيات عن معركة الفلوجة.
من جهته، قال قائد عمليات الفلوجة، الفريق عبد الوهاب الساعدي، لـ"العربي الجديد"، إن "القوات العراقية مستمرة في عملياتها العسكرية، وحققنا تقدّماً كبيراً اليوم (أمس) في مجريات المعركة". وأضاف الساعدي: "لدينا فرصة كبيرة لاستثمار انكسار عناصر داعش وتحقيق توغّل باتجاه حي النزال المجاور لحي الشهداء، لكن لن نستعجل، فالمعركة تحتاج إلى صبر، والأهم حماية الأرواح في هذه المعركة". كما أكد عضو لجنة الأمن في حكومة الأنبار المحلية محمد الدليمي، لـ"العربي الجديد"، تحقيق تقدّم كبير في المعركة لصالح العراقيين. وأوضح الدليمي أنه "يمكن القول إن المعارك دخلت مرحلة جديدة بالقتال داخل أول أحياء الفلوجة بعد التدخّل الأميركي الواضح في مجريات المعركة"، مشيراً إلى أن "الخطة هي الاقتحام من محاور عدة، والمحور الجنوبي أكثر المحاور نجاحاً في التقدّم"، مؤكداً أن "التقدّم في حي الشهداء قد لا يكون نهائياً، فداعش يهاجم بشراسة".
يأتي ذلك بالتزامن مع استمرار الجدل حول مشاركة المليشيات في اقتحام الفلوجة، ومن المفترض خلال الساعات المقبلة، من اليوم الأربعاء، أن تحسم الحكومة العراقية أمرها بشأن مشاركة مليشيات "الحشد الشعبي" والحرس الثوري الإيراني في المرحلة الثالثة من عمليات الفلوجة العسكرية المتضمنة اقتحام المدينة، وهي أصعب المراحل، كونها ستتحوّل من حرب مناطق ومساحات مفتوحة إلى حرب شوارع وعصابات، يبرع فيها تنظيم "داعش". ووفقاً للمعلومات المسربة التي حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر سياسية مطلعة، فإن هناك إصراراً كبيراً من قِبل مليشيات "الحشد" على المشاركة في عملية الاقتحام، مع فشل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في إقناعها بالتخلي عن هذا المطلب.
وقدّمت تلك المليشيات مقترحات عدة لحكومة العبادي، من بينها أن تقتصر مشاركتها على 10 آلاف عنصر من أصل 27 ألف عنصر يحتشدون حول الفلوجة حالياً، أو أن تقوم تلك المليشيات بارتداء ملابس الجيش وتدخل بمعيّته إلى المدينة، رافضة بذلك طلب العبادي بعدم دخولها بشكل نهائي، وهو طلب أميركي أعلن أكثر من مرة على لسان متحدثين عسكريين من بغداد وواشنطن.
وحول ذلك، قال القيادي في جبهة الحراك الشعبي محمد عبدالله، لـ"العربي الجديد"، إن "إصرار المليشيات على دخول الفلوجة هو للتنكيل والحرق والسرقة لا أكثر، إذ تعتبر المدينة الغنية مصدر ثراء لها أسوة بتكريت وما غنمته من المنازل والمجمعات التجارية هناك". وحمّل رئيس البرلمان سليم الجبوري مسؤولية ما سيحل بالفلوجة كونه وافق على أن يكون الضامن بين القيادات المحلية والعشائرية في الأنبار، ورئيس الوزراء في عدم تكرار مأساة تكريت وجرف الصخر والرمادي في مدينة الفلوجة مرة ثانية.
في المقابل، وصف الرئيس العراقي فؤاد معصوم، سلوكيات مليشيات "الحشد" بأنها "انتهاكات لكن غير ممنهجة بل فردية". بينما جدد مجلس محافظة الأنبار رفضه دخول مليشيات "الحشد" إلى الفلوجة، معرباً عن قلقه من "النفَس الطائفي والانتقامي الذي تحمله وخطورته على المدنيين والممتلكات في المدينة التجارية الغنية".