سورية: إسرائيل تقرأ "فرص ومخاطر" اتفاق مناطق عدم التصعيد

16 مايو 2017
تفاهمات بوتين-نتنياهو كرست نهج الغارات الإسرائيلية على سورية(ميخائيل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -
شكلت "التفاهمات العسكرية" بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في سبتمبر/ أيلول 2015، وما تمخض عنها من تشكيل لجنة عسكرية تضم نائبي رئيسي أركان كل من الجيش الإسرائيلي والجيش الروسي، نقطة تحول في الموقف الإسرائيلي المعلن من كل ما يتعلق بالأزمة السورية. وبموجب هذه التفاهمات، ضمنت تل أبيب موافقة روسية، تمت على الأرجح بالتنسيق مع نظام بشار الأسد، على تقاسم الأجواء السورية تحت ذريعة التنسيق لمنع وتفادي معارك جوية بين مقاتلات روسية وأخرى إسرائيلية، وكعبرة تم استخلاصها من حادثة إسقاط تركيا لطائرة روسية بعدما اخترقت في العام نفسه المجال الجوي التركي.

لكن هذه التفاهمات كانت أيضاً بداية لتكثيف غارات طيران الاحتلال الإسرائيلي في سورية، والتي تستهدف عادةً قافلات تنقل أسلحة لحزب الله، بحسب الذرائع الإسرائيلية. وأدى ذلك أيضاً إلى تكريس نهج الاعتداءات الإسرائيلية دون حاجة إلى إعلان الاحتلال مسؤوليته عن هذه الغارات والاعتداءات، والاكتفاء بعد ذلك بالقول إن سياسة إسرائيل هي منع وصول الأسلحة التي تقلب التوازن العسكري في لبنان، ومنع أي تكريس لتواجد إيراني على الأرض السورية قرب "الحدود" مع إسرائيل.

وفي سياق هذه المواقف الجديدة للاحتلال، خاصة في ما يتعلق بالوجود الإيراني والقوى والمليشيات الخاضعة لإيران في سورية، وفي إطار استخلاص العبر من الموقف الإسرائيلي الرافض للاتفاق النووي مع إيران، تسعى حكومة الاحتلال في الآونة الأخيرة، ومن خلال التنسيق مع روسيا والتفاهمات المذكورة، إلى ضمان، أو على الأقل محاولة إسماع صوت إسرائيل ومطالبها وتصوراتها لمستقبل سورية ومستقبل الانتشار العسكري لمختلف القوات فيها، سواء عند بلورة حل دائم للأزمة السورية، أو في الطريق إلى ترسيم هذا الحل.

ويشكل اتفاق أستانة لترسيم أربع مناطق لعدم التصعيد العسكري في سورية، منها المنطقة الخاصة بمحافظتي درعا والقنيطرة، جنوب البلاد، الثغرة التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي الدخول منها لمحاولة عدم البقاء خارج اللعبة، كما حدث في ملف الاتفاق النووي مع إيران.


واعتبرت ورقة "تقدير موقف"، صادرة عن "مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي"، أن اتفاق أستانة يحمل من هذا المنظور فرصاً لإسرائيل، ولكنه أيضاً قد يكون محفوفاً بالمخاطر وبالتهديدات الأمنية لدولة الاحتلال وحدودها الشمالية مع سورية. وتنطلق القراءة الإسرائيلية لاتفاق أستانة، بحسب الورقة التي وضعها الباحثان كرميت فلانسي وأوفيك إيش ماعس، من القول إن إسرائيل اعتمدت على مدار سنوات الأزمة السورية سياسة عدم التدخل، باستثناء حالات تحركت فيها لمنع شن هجوم ضدها، أو نقل أسلحة متطورة لحزب الله. لكن الكاتبين يؤكدان أن اتفاق أستانة يزيد من الحاجة لإعادة تقييم هذه السياسة، لأنه يُدخِل الصراع في مرحلة تتم فيها بلورة مستقبل سورية، بحسب قولهما، وهو ما يضع إسرائيل أمام تحديات وتهديدات على عدة مستويات، وفق تعبيرهما.

ولعل أهم وأول ما تبرزه القراءة الإسرائيلية، هي التداعيات على المستوى الإقليمي وموازين القوى الإقليمية والعالمية، خاصةً في ظل غياب الولايات المتحدة عن اتفاق أستانة كشريك ضامن له، من جهة، ووجود تركيا التي ترتبط بإسرائيل بعلاقات إشكالية. وبحسب الباحثين اللذين أعدا الورقة التحليلية، فإن هذا الوضع يترك المصالح الإسرائيلية مكشوفة دون وجود طرف يهتم بمصالحها، أي "بدون تمثيل لائق"، بحسب تعبير الدراسة.

وما يجب أن يثير قلق إسرائيل، يتمثل، وفق الدراسة، في أن اتفاق أستانة يمنح إيران مكانةً رسمية واعترافاً بدورها في سورية المستقبلية، ويوفر لها شرعية لتكريس وجودها العسكري على الأراضي السورية، خلافاً لما تريده المعارضة السورية، وخلافاً للخطوط الحمراء التي كانت طرحتها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن الكاتبين، اللذين أعدا الدراسة، يستدركان بأنه ليس واضحاً بعد ما إذا كان الدور المعطى لإيران يعني أيضاً مشاركتها في القوات التي ستنتشر في المنطقة المحاذية والمتاخمة للحدود مع إسرائيل.

كذلك، تلفت الدراسة إلى "خطر ثانٍ" محتمل، يتمثل في إمكانية إعادة نشر قوات للنظام السوري بشكل تدريجي، في مناطق لا يسيطر عليها اليوم، ما سيزيد عملياً من ارتباط وتعلق هذه المناطق بالنظام وقواته، وسيتيح بالتالي إضعاف القوى المحلية المناهضة له، وتسهيل عملية عودة حلفائه المعادين لإسرائيل إلى هذه المناطق. كما يتخوف كاتبا الورقة من تداعيات الأزمة الإنسانية التي قد تنشأ بفعل عودة النازحين واللاجئين إلى هذه المناطق التي دمرتها الحرب وغير جاهزة لاستقبالهم، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لاحقاً إلى تفاقم أزمة إنسانية تنعكس سلباً على الوضع الداخلي في سورية، ولكنها قد تطاول أيضاً إسرائيل والأردن.

ولتفادي هذه "المخاطر"، بحسب المنظور الإسرائيلي، تقترح ورقة "تقدير موقف" أن تنشط إسرائيل وتتحرك في محورين متوازيين: الأول إبداء "تصميم في مواجهة روسيا، ومواصلة إظهار قوتها وحاجة روسيا في تحركاتها إلى الجهد الإسرائيلي، بما يتيح لدولة الاحتلال تحسين أوراق المساومة مقابل روسيا". والمحور الثاني "هو تشجيع الولايات المتحدة والأردن والسعودية نحو مزيد من التدخل في المداولات الاستراتيجية المتعلقة بحل الأزمة السورية".

وفي هذا الإطار، تدعو الورقة إلى الدفع لتحقيق جملة مبادئ أساسية هي: عدم التوصل لأي اتفاق بدون مشاركة أميركية ومشاركة دول الخليج، المطلوبة لموازنة خريطة المصالح في سورية؛ واحترام "الخطوط الحمراء" التي وضعتها إسرائيل وفي مقدمتها منع تمركز قوات إيرانية وقوات لحزب الله جنوب غرب سورية، وتحديداً في هضبة الجولان، ومنع استخدام المدى السوري لنقل أسلحة لحزب الله؛ وبلورة الترتيبات المتعلقة بالحدود بالتنسيق مع الدول الحدودية مع سورية، فمثلما تم تكريس تركيا كطرف في الترتيبات في شمال سورية، يجب احترام مصالح الأردن وإسرائيل في جنوب هذا البلد، بحسب مقترحات الورقة التحليلية.

وتوصي الورقة بضرورة دراسة توسيع صلاحيات قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الجولان، ودراسة توسيع المساعدات للسكان المدنيين. كما تدعو إلى أن تعمل الدول الغربية ومنظمات دولية، بدعم ومساندة من الدول المجاورة لسورية ومن ضمنها إسرائيل، لتعزيز العلاقات مع السكان المحليين جنوب سورية، ونقل المساعدات الإنسانية ودعم مساعي إعادة الإعمار وتطوير مناطق عدم التصعيد العسكري المعلنة. كذلك، تطالب الورقة بتحديد "كوته" وسلّم تدريجي لاستيعاب النازحين واللاجئين العائدين بما يتناسب مع درجة تأهيل مناطق العودة، ووضع آليات للمراقبة والسيطرة على حركة عودتهم، فضلاً عن إقامة آلية للتنسيق المشترك بين إسرائيل والأردن والولايات المتحدة، تتم بواسطتها بلورة استراتيجية مشتركة للمحادثات حول التسوية في سورية، ولإدارة الجهد الحربي والمدني جنوب سورية، بحسب ما ورد في ورقة "تقدير موقف" الإسرائيلية.