على وقع اشتعال أغلب جبهات القتال في سورية، في ظل محاولة النظام تحقيق المزيد من التقدّم الميداني، متمسكاً بالتصعيد العسكري الذي وصل حد استخدامه غازات سامة في الغوطة الشرقية، تنعقد جولة خامسة من محادثات أستانة، سيكون منوطاً بها التوقيع على خرائط نهائية حول مناطق خفض التوتر من قِبل الثلاثي الضامن لاتفاق التهدئة (تركيا، روسيا، إيران).
ويكرر النظام المسلسل نفسه قبل الجولة الخامسة من أستانة التي تبدأ، غداً الثلاثاء، إذ يصعّد من عملياته العسكرية كما قبل كل جولة من المحادثات، وهو ما تجلّى في عملياته في الغوطة الشرقية، والبادية ودير الزور. ويكتسب مؤتمر أستانة 5 أهمية استثنائية عما سبقه، إذ من المفترض أن يعتمد خرائط وضعها خبراء روس وأتراك وإيرانيون على مدى أكثر من شهر، توضح مناطق تخفيف التوتر الأربع التي جرى إقرارها في أستانة 4، بداية مايو/أيار الماضي، وأثارت جدلاً واسعاً في أوساط المعارضة السورية، التي رأت فيها توطئة لتقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ واضحة المعالم، ما يهدد مستقبل سورية. إلا ان الأجواء التي سبقت المؤتمر، دلت على عدم تبلور تفاهمات نهائية بين الثلاثي الضامن حول الخرائط النهائية لمناطق خفض التوتر.
وقضى اتفاق "خفض التصعيد" الذي أبرم بين الثلاثي الضامن لاتفاق التهدئة، على إقامة أربع مناطق آمنة في سورية لمدة ستة أشهر على الأقل "بهدف وضع نهاية فورية للعنف، وتحسين الحالة الإنسانية، وتهيئة الظروف الملائمة للنهوض بالتسوية السياسية للنزاع في سورية". ويقوم الاتفاق على إنشاء "مناطق تخفيف التصعيد" في محافظة إدلب وبعض أجزاء الجوار (محافظات اللاذقية، وحماة، وحلب)، وأجزاء معينة في شمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، وبعض مناطق جنوب سورية (محافظتا درعا والقنيطرة).
ويغيب عن اجتماعات أستانة غداً، 28 فصيلاً تابعاً لـ"الجبهة الجنوبية" في المعارضة المسلحة، كانت أعلنت، منذ أيام، رفضها حضور مباحثات أستانة، معتبرة هدف هذه المباحثات تقسيم البلاد، وفق بيان صدر عن هذه الفصائل، أشارت فيه إلى أن النظام استغل فترات الهدن ووقف إطلاق النار للتجهيز وتنفيذ عمليات همجية باتجاه مناطق مختلفة من سورية، مؤكدة أن التسريبات التي "تخرج تُظهر أن الغاية من المؤتمر تقسيم سورية". ولفتت إلى أنه "لا توجد ضمانات واضحة أو أي رؤية لماهية مؤتمر أستانة ومقترحاته المطروحة"، مشيرة في الوقت نفسه "إلى استمرار تدفق المليشيات باتجاه الجنوب السوري على مرأى من الدول الضامنة والمراقبة".
وقبيل يومين من انطلاق أعمال أستانة 5 التقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس الأحد، وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في مدينة إسطنبول، ما يؤكد عدم تبلور تفاهمات نهائية بين الثلاثي الضامن حول الخرائط النهائية لمناطق خفض التوتر، والمرحلة التي تعقبها.
ورأى المستشار الإعلامي لوفد المعارضة السورية إلى جنيف، يحيى العريضي، أن وحدة سورية "آخر اهتمامات روسيا"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن "سورية بالنسبة للرئيس الروسي ورقة لعب مع الغرب لا أكثر"، مشيراً إلى أن سورية "رهينة لدى الروس بفعل القوة".
واعتبر العريضي أن روسيا "اخترعت مسار أستانة" رداً على تجاهل الغرب لها بما يتعلق بالتحالف الدولي ضد الإرهاب، واصفاً مسار أستانة بـ"المنجز الباهت"، مضيفاً أن هذه الاجتماعات "لم تحقق شيئاً على المسارين العسكري والإنساني"، مشيراً إلى أن موسكو "تريد تثبيت حكم بشار الأسد من خلال أستانة، لأنه يسبغ الشرعية على احتلالها لسورية". وأضاف أن مناطق خفض التوتر جاءت لقطع الطريق أمام محاولات أميركية لتكريس مناطق آمنة في سورية، معرباً عن قناعته بأن مناطق خفض التوتر "ستتحول مع الزمن إلى مناطق نفوذ، ما يعني تقسيم البلاد إلى دويلات، أو يقضمها النظام ويعيدها إلى سلطته بمساعدة روسيا"، متوقعاً ألا يصمد هذا الاتفاق "إلا بفعل القوة".
ويبدو أن أنقرة تنتظر تبلور التفاهمات النهائية حول مناطق خفض التوتر في سورية كي يتسنى لها إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال غربي سورية، تحمل عنوان "درع العاصي"، أو "سيف الفرات"، أكدت مصادر مطلعة أنها ستكون واسعة، وتشمل جانباً من ريف حلب الغربي، وكامل محافظة إدلب. كما تهدف أنقرة من وراء العملية إلى وأد أي محاولة من الوحدات الكردية لتوسيع نطاق سيطرتها حول مدينة عفرين في شمال غربي مدينة حلب، خصوصاً باتجاه المنطقة ما بين مدينتي أعزاز وجرابلس في شمال سورية. ومن المرجح أن تدفع العملية التركية الوحدات الكردية للانسحاب من مدينة تل رفعت وقرى في محيطها كانت سيطرت عليها في فبراير/شباط من العام الماضي إبان الخلاف التركي-الروسي.
وفي حال إقرار الخرائط النهائية لمناطق خفض التوتر، يصبح الشمال السوري منطقة نفوذ تركية، كما يترسخ أكثر نفوذ إيران في محيط دمشق، وفي محافظة حمص وسط سورية، فيما يتحوّل الساحل برمته إلى منطقة نفوذ روسية. وتبقى المنطقة الرابعة التي تضم درعا وبعض ريف القنيطرة محل خلاف، إذ يريد الأردن إبعاد مليشيات إيرانية عن حدوده الشمالية نحو 30 كيلومتراً، وفقاً لمصادر مطلعة، فيما يريد النظام السوري وجوداً رمزياً على كامل الحدود السورية الأردنية، خصوصاً على معبر نصيب الحدودي.
وحاولت قوات النظام والمليشيات التي تدعمها، استباق مباحثات أستانة لتغيير وقائع ميدانية في شرقي العاصمة دمشق، وسعت لإخضاع حي جوبر، ومناطق المعارضة في مدينة درعا، ولكن محاولاتها المتلاحقة فشلت أمام تصدي قوات المعارضة لها، على الرغم من أن النظام حاول اقتحام الغوطة 31 مرة خلال 13 يوماً، وفق فصيل سوري معارض.
من جهته، قال "فيلق الرحمن" العامل في الغوطة الشرقية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إن أكثر من 30 شخصاً أصيبوا بحالات اختناق جراء هذا الاستهداف. واعتبر أن ذلك يأتي انتقاماً للخسائر التي تكبّدتها قوات النظام خلال إحباط مقاتلي الفيلق لمحاولة اقتحام بلدتي زملكا وعين ترما ومحاصرة حي جوبر شرق العاصمة دمشق.
وفي السياق، قُتل وجرح 15 مدنياً، أمس، جراء غارة من الطيران الروسي استهدفت تجمعاً في منطقة الحقاف في البادية السورية في ريف محافظة السويداء الشمالي الشرقي. ووقعت الغارة بالتزامن مع هجوم من قوات النظام على مواقع للمعارضة في ريف السويداء الشرقي انطلاقاً من مواقعها في محيط تلول شهاب في البادية الشاميّة، في محاولة من قوات النظام للتقدّم في المنطقة. ودارت أيضاً معارك بين الطرفين في محيط مطار خلخلة العسكري في ريف السويداء الشرقي. وفي درعا أفاد "تجمع أحرار حوران" الإعلامي أن حصيلة ضحايا القصف الجوي والمدفعي والصاروخي من قوات النظام على مدينة درعا وريفها، يوم السبت، بلغت ستة قتلى.