وفي هذا الصدد، دعت صحيفة "يسرائيل هيوم"، أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً، والأكثر التصاقاً بدوائر الحكم في تل أبيب، إلى توظيف الإدارة الأميركية في محاولات فك الارتباط بين كل من روسيا وإيران في سورية.
وفي تحليل نشره، أمس الجمعة، موقع الصحيفة، قال معلق الشؤون الروسية، أرئيل بلوشطاين، إنّ الرئيس الروسي فلادمير بوتين يمكنه أن يتخلى عن إيران، ويساعد في وقف أنشطتها في سورية إذا اعترفت الولايات المتحدة بمكانة روسيا كقوى عظمى في المنطقة.
وحسب بلوشطاين، فإنه بالإمكان "دق إسفين بين موسكو وطهران اعتماداً على حقيقة أن كل ما يعني بوتين هو أن تعود روسيا لعظمتها السابقة"، مشدداً على أنه في حال تم إغراء الروس باستعادة هذه المكانة، فإنهم سيتخلون عن إيران.
وأعاد المعلق الإسرائيلي للأذهان حقيقة أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هو وحده القادر على دفع بوتين للتخلي عن إيران من خلال منح بوتين مراده.
وحسب لوشطاين، فإنّه "لا يوجد هناك الكثير من الشركاء لروسيا في سورية مما يجعلهم لا يتحمسون للتخلي عن الشراكة مع إيران"، معتبراً أنّه "من دون المليشيات الشيعية التي أرسلتها إيران لم يكن لروسيا أن تنجح في إحداث تحول على الصراع بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد وأعدائه، وإنقاذها للنظام من سقوط محقق".
ولفت إلى أنّ "تعلق مصالح روسيا بالوجود البري الشيعي في سورية لم يتقلص حتى بعد أن أعلنت موسكو مرات عدّة عن انتصارها هناك"، مشيراً إلى أن "هناك ما يدلل على أن الروس باتوا يعون أن الحاجة لدعم إيران في سورية تتعاظم مع مرور الوقت".
وأضاف، في هذا السياق، أنّه "حتى في حال حافظ نظام الأسد على استقراره فإن موسكو تدرك أنه من دون موافقة إيران لا يمكنها استغلال مصادر الطاقة السورية".
وشدد بلوشطاين، في الوقت نفسه، على أنّ "استراتيجية المواجهة في التعاطي مع الولايات المتحدة التي اختارتها روسيا يجعلها حتماً مجبرة على تحالفات تكتيكية مع أعداء واشنطن، خصوصاً إيران، وكوريا الشمالية، ناهيك عن أن هذا يدفع الروس للحفاظ على علاقة قوية مع الدول التي كانت حليفة للاتحاد السوفياتي لا سيما نظام الأسد".
في المقابل، أوضح بلوشطاين أن "التقارب التكتيكي بين إيران وورسيا لا يغطي على تناقض المصالح بينهما"، مشيراً إلى أن "الروس يخشون أن يؤدي سلوك الإيرانيين في سورية إلى الضغط على الولايات المتحدة للعودة إلى المنطقة وتعزيز نفوذها في سورية، بشكل قد يفضي إلى المس بكل مصالح موسكو في الشرق الأوسط".
وأعاد للأذهان حقيقة أن هناك تباينا كبيرا بين وجهتي نظر طهران وموسكو في كل ما يتعلق بمستقبل الحل في سورية، مشيراً إلى أن إيران رفضت بقوة مشروع التسوية الروسي الذي يقوم على إعلان الفيدرالية في سورية.
ورأى أن "العلاقات الشخصية التي راكمها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع بوتين ضمنت لإسرائيل حتى الآن هامش حرية مطلقا في سورية من خلال استنفاد قوتها العسكرية، مشدداً على "توافق كل من موسكو وتل أبيب على عدم المس بمصالح بعضهما البعض في سورية".
وأعاد للأذهان حقيقة أنه باستثناء حديث موسكو عن الحاجة لاحترام السيادة السورية، فإن الروس لم يحركوا ساكناً ردّاً على الهجمات الواسعة وغير المسبوقة التي نفذتها إسرائيل في عمق الأراضي السورية في أعقاب اختراق الطائرة من دون طيار الإيرانية الأجواء الإسرائيلية، وفي وأعقاب إسقاط النفاثة "إف 16" بنيران أطلقت من سورية.
من ناحيته، كشف المعلق العسكري في قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، أنه قد تم استخدام "الخط الساخن" بين هيئة أركان سلاح الجو الإسرائيلي وقيادة الجيش الروسي في قاعدة "حميميم"، أثناء قيام السلاح بشن الغارات الواسعة قبل ستة أيام.
وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف"، اليوم، لفت بن دافيد إلى أنه في حال استخدم الروس منظومات الدفاع الجوية الخاصة بهم "S 400" فإن سلاح الطيران الإسرائيلي سيواجه تحديات كبيرة.
إلى ذلك، رأت دراسة صادرة عن "مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية"، التابع لجامعة "بار إيلان"، أن ردة فعل موسكو على الهجمات التي شنتها إسرائيل في عمق سورية، يدلل على وجود رغبة روسية للحفاظ على التعاون مع كل من إسرائيل وإيران.
وفي ورقة نشرها موقعه، أمس، حذّر المركز من المبالغة في تقدير حجم الدور الروسي في سورية، مشيراً إلى أن موسكو فشلت في الحيلولة دون تمتع تركيا بهامش حرية سمح لها بتنفيذ عمليتها الحربية في شمال سورية، ناهيك عن عجزها عن منع القوى الشيعية من الاقتراب من الحدود الإسرائيلية.
واعتبر المركز أن أحد أوضح مظاهر العجز الروسي تتمثل في فشل مؤتمر "سوتشي" الذي نظم لبحث آفاق حل الصراع في سورية في تحقيق نتائج عملية.
ولم يستبعد "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي أن يكون هدف إيران من خرق الأجواء الإسرائيلية بواسطة الطائرة بدون طيار محاولة فرض قواعد لعبة جديدة في مواجهة روسيا، وليس فقط في مواجهة إسرائيل.
ودعت دوائر المركز في دراسة صدرت، الإثنين الماضي، صناع القرار في تل أبيب إلى العمل على التقريب بين الولايات المتحدة وورسيا، لضمان مواصلة موسكو أخذ المصالح الإسرائيلية بعين الاعتبار.
وأشار إلى وجوب استغلال الحوار الروسي الإسرائيلي للحصول على ضمانات من موسكو بعدم تزويد نظام الأسد بمنظومات دفاع جوية أكثر تطوراً من تلك التي تم تدميرها في الغارات التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي، مؤخرا.
وفي سياق متصل، رأى السكرتير السابق للحكومة الإسرائيلية، تسفي هاوزر، أن تل أبيب تكسب تكتيكياً في سورية وتخسر إستراتيجيا.
وأضاف هاوزر، في مقابلة أجرتها معه قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية، الليلة الماضية، أن "المكاسب التي تحققها إسرائيل من خلال تنفيذ الهجمات في العمق السوري لا تقارن بالمكاسب الإستراتيجية التي تحققها كل من إيران وتركيا من خلال تكريس نفوذهما على الأرض".
وكشف أنه اعترض مراراً خلال جلسات المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن على السياسة الإسرائيلية في سورية، مشيراً إلى أنه طالب بتبني سياسة تهدف إلى ضمان تحقيق تأثير إستراتيجي في الساحة السورية.