ربما كان الأسبوع الماضي هو الأسوأ في رئاسة دونالد ترامب، منذ تسلمه منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي، إذ كان سياسياً الأكثر كلفة حتى الآن، لكنه قد لا يكون سوى بداية الانحدار. اشتبك ترامب مع وزير العدل، جيف سيشنز، وخسر الجولة. وقف الكونغرس والمحافظون في سائر المواقع والقطاعات ضد الرئيس ومنعوه حتى الآن، من إقالة الوزير، مع تشجيع هذا الأخير على عدم الاستقالة. كذلك فشل في حمل مجلس الشيوخ على إسقاط قانون الرئيس باراك أوباما للرعاية الصحية واستبداله بآخر يحمل توقيعه، على الرغم من تدخله الشخصي وسيطرة الجمهوريين على الأغلبية في المجلس، والتي كان من المفترض أن تقف إلى جانبه في معركة سبق أن وعد بحسمها في الأيام الأولى من رئاسته.
مسلسل محرج من الخسائر، فضح الوضع المضطرب الذي يعيشه البيت الأبيض، والذي تزعم الإدارة أنه نتج عن حالة الانفلات السائدة وغياب الانضباط في صفوف المسؤولين المقربين من الرئيس ترامب. ولمعالجة الخلل استعان البيت الأبيض برجل عسكري يتحلى بالانضباط ويعرف كيفية فرضه. لكن هذا التعليل يتناول الظواهر ويتجاهل الأسباب. فصاحب هذا المنصب، أي كبير موظفي البيت الأبيض، هو نظرياً بمثابة اليد اليمنى للرئيس، و"المصفاة" التي تمر من خلالها إلى ترامب المشاريع والأوراق والمواعيد كافة، وهو المشرف على جدول الأعمال اليومي للرئيس. بمعنى آخر، الاتصال بالرئيس والوصول إليه يحصلان بواسطة كبير الموظفين. لكن في إدارة ترامب لا يجري العمل بهذا الترتيب. هناك أكثر من مسؤول يتمتعون بخط اتصال مباشر مع الرئيس: أبرزهم كبير مستشاريه وصهره، جاريد كوشنر، ومدير الاتصالات الجديد، أنطوني سكاراموتشي. وليس من المتوقع أن تتغير هذه الحال بوجود كيلي. وحتى لو تغيرت، فليس من المتوقع أن يتحقق الانضباط، لأن المشكلة في أساسها ليست بيروقرطية بقدر ما هي مشكلة قيادة. عواملها تتفاعل من البداية. وتجلى ذلك في تعثر وتقلب السياسات الداخلية والخارجية وعجزها عن تحقيق أي من وعود ترامب. والمشكلة تكمن في أن من يقود السفينة قبطان غير مجرّب أو غير قابل حتى لاكتساب الخبرة.
فاقم ذلك أن واشنطن تعاني أخيراً من عُطل في ماكينة الحكم. تجلّى ذلك بأوضح صوره في عجز الحزب الجمهوري في الكونغرس عن طرح وإقرار مشروع قانون للرعاية الصحية بعد سبع سنوات من الاعتراض على قانون أوباما المعمول به والوعد باستبداله بما هو أحسن. تعذر عليه إيجاد بديل لهذا القانون الهام، والذي يمثل بحجمه سدس الموازنة الأميركية، على الرغم من امتلاكه للأغلبية في مجلسي الكونغرس ووجود رئيس في البيت الأبيض محسوب عليه. فالحزب الجمهوري منقسم على نفسه ومختلف مع الرئيس حول سياسات كثيرة. هكذا، اجتمع العجزان التنفيذي والتشريعي لتتعثر معهما صياغة السياسات، ليس فقط المحلية بل أيضاً الخارجية الملتبسة منذ البداية، في أكثر من ملف، بدءاً من الشرق الأوسط مروراً بروسيا وانتهاءً بكوريا الشمالية.
في الواقع، تعبر التغييرات في البيت الأبيض، وما سبقها ورافقها من صراعات وخضات، عن تضخم أزمة الإدارة الأميركية برئاسة ترامب. ومن غير المرجح أنها ستكون الأخيرة. كما لم تحصل لتغيير التوجهات أو لتصحيح الأعطاب التي هي ملازمة لوضع الإدارة. والتحقيقات الروسية تساهم في تأزم الوضع المضطرب في واشنطن، والمحكوم في هذه الحالة بإنتاج المزيد من البلبلة في السياسات.