أثارت تصريحات العميد أحمد عسيري، مستشار وزير الدفاع السعودي، حول استعداد السعودية للمشاركة بقوات برية ضمن تحالف دولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية، عاصفة من ردود الفعل الدولية والإقليمية، والتحليلات السياسية والعسكرية، التي تحاول معرفة حدود وآفاق أي تدخّل سعودي محتمل في سورية، ضمن تحالف دولي، في ظل تقدّم النظام السوري مدعوماً بالمليشيات التي تقاتل إلى جانبه والطيران الروسي، على الأرض، وتعنّت النظام في المباحثات التي ترعاها الأمم المتحدة بين النظام والمعارضة، وتوقف الدعم العسكري عن المعارضة السورية المسلحة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وراوحت ردود الفعل على "النوايا" السعودية ما بين استنكار سوري - إيراني، وترقّب روسي، وترحيب أميركي تركي، ودعم إماراتي، بحيث تبدو الرياض وكأنها ألقت حجراً في مياه راكدة نسبياً. وكان لافتاً، أمس الأحد، تشديد العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، على أن "من حقنا الدفاع عن أنفسنا من دون التدخّل في شؤون الآخرين"، داعياً الآخرين "إلى عدم التدخّل في شؤوننا". وأضاف في كلمة له: "نحن ندافع عن بلاد المسلمين، ونتعاون مع إخواننا العرب والمسلمين في كل الأنحاء في الدفاع عن بلدانهم وضمان استقلالها، والحفاظ على أنظمتها كما ارتضت شعوبهم".
تأتي هذه التطورات في ظل قرب انطلاق مناورات "رعد الشمال" المقرر إجراؤها في شمال السعودية خلال أيام، بمشاركة قوات عربية وإقليمية، حيث تشارك كل من مصر وباكستان والأردن والسودان، بالإضافة إلى دول خليجية، في مناورات ينظر لها على أنها الأكبر من نوعها، على الرغم من قلة التسريبات حول طبيعتها، وأعداد القوات المشاركة فيها. وتؤكد مصادر مطلعة على أن المناورات دفاعية، تهدف لرفع جاهزية القوات السعودية تجاه أي أخطار محتملة عبر حدودها الشمالية. وحاول مراقبون الربط ما بين "رعد الشمال" ونوايا سعودية للمشاركة بقوات برية في سورية، ضمن تحالف دولي، وبشراكة تركية رئيسية، على الرغم من كون تركيا لم تعلن عن مشاركتها في المناورات التي تشهدها المملكة، وعدم وجود خطوات تصالحية تركية - مصرية، تجعل تحالفاً دولياً لمواجهة الإرهاب، تشارك فيه الدولتان، ممكناً في المدى المنظور.
اقرأ أيضاً: السعودية تحارب "داعش": مفتاح لمواجهة نفوذ إيران؟
وينفي المحلل العسكري السعودي، العقيد إبراهيم آل مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، وجود علاقة ما بين مناورات "رعد الشمال" العسكرية، وأي نوايا للتدخل العسكري في سورية، ولا سيما ما يتعلق بتصريحات العميد عسيري، حول مشاركة السعودية بقوات برية لمحاربة تنظيم "داعش"، لافتاً إلى أن أي تدخّل في سورية لن يأتي إلا "من بوابة موسكو".
ويستبعد آل مرعي إمكانية أي تدخّل عسكري سعودي في سورية من دون موافقة روسيا، معتبراً أن "أي تدخل في سورية لا يأتي من بوابة موسكو سيمثل إحراجاً للسعودية في اليمن، حيث ستقوم روسيا بدعم القوات الموالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح ومليشيات الحوثي".
ويؤكد أن مصر، وهي مشارك أساسي في مناورات "رعد الشمال"، "ليست ضد التدخّل الروسي في سورية"، مضيفاً بأن تصريح عسيري حول احتمال تدخّل السعودية في سورية "تصريح سياسي أصدره مسؤول عسكري، يهدف للتأكيد على أن المملكة ضد الإرهاب ومن الممكن أن تشارك في أي تحالف دولي لمحاربته". ويرى آل مرعي بأن مناورات "رعد الشمال" تهدف إلى رفع الجاهزية القتالية الدفاعية للقوات السعودية وقوات الدول المشاركة، في سياق "مواجهة أي تهديد قد تواجهه المملكة من شمالها".
وكانت روسيا أعلنت على لسان المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأنها "تراقب تطور الأوضاع في المنطقة"، وبأنها لا تمتلك أي معلومات "دقيقة ومفصّلة" حول نوايا السعودية التدخّل في سورية. ولم تُعلن موسكو حتى اللحظة موقفاً واضحاً من التلويح السعودي بالتدخل البري في سورية. وقد يكون من المستفز لروسيا تباحث الرياض بهذا الأمر مع حلف شمال الأطلسي، في ظل التوتر بين موسكو والحلف، إلى الحد الذي تدخّلت روسيا بشكل عسكري مباشر في جورجيا وأوكرانيا، وهي الدول التي أعلنت رغبتها بالانضمام للحلف.
ويأتي ذلك أيضاً في ظل توتر العلاقات الروسية - التركية، إذ تبادل البلدان الاتهامات بدعم الإرهاب، مع إسقاط تركيا طائرة روسية اخترقت أجواءها أثناء عملياتها في سورية، فيما أكد حلف الأطلسي دعمه لتركيا، الخطوة التي اعتُبرت استفزازية من قبل موسكو.
الحديث عن تحالف إقليمي - دولي لمحاربة تنظيم "داعش" يتكوّن من السعودية وتركيا بشكل أساسي، وتحت غطاء الدعم العسكري الأميركي، وربما حلف شمال الأطلسي، سيكون بمثابة إعلان حرب على التواجد الروسي في سورية، والذي جاء ليفرض أمراً واقعاً لصالح نظام بشار الأسد وإيران، وترسيخاً لوجود موسكو في المنطقة. ويأتي ذلك في ظل ما يبدو عدم رغبة الرئيس الأميركي باراك أوباما بالتورّط في أي مغامرات سياسية تسيء إلى إرثه السياسي، ولا سيما أنه في العام الأخير من فترته الرئاسية الثانية، وبالتالي يبدو من المستبعد أن تقوم واشنطن بأية خطوات استفزازية لموسكو، أكانت بشكل منفرد، أو من خلال حلف الأطلسي.
كما يُستبعد تدخّل تركيا في سورية وحيدة من خلال تحالف مع دول عربية، من دون موافقة الحلف الأطلسي. كل هذا يعني أن التدخّل السعودي مرهون بالتفاهمات ما بين روسيا وحلف شمال أطلسي، أو بشكل أكثر تحديداً، بالتفاهمات الأميركية - الروسية، والتي يبدو بأنها لا تسير باتجاه أي تصعيد في سورية، مع قناعة الولايات المتحدة بإمكانية الإبقاء على الأسد، ومحاربة تنظيم "داعش" قبل أي خطوات لإعادة صياغة الأوضاع السياسية في دمشق.
اقرأ أيضاً: ردود متباينة إزاء استعداد الرياض إرسال قوات برية لسورية