وفي كلمة له في لقاء مع قيادات الجيش في منطقة عين أمناس جنوبي الجزائر، أوردتها قناة "النهار" الرسمية، اليوم الثلاثاء، شدد صالح على أن الجيش ملتزم بدعم المؤسسات الجزائرية، حاثاً في الآن نفسه المحتجين على تفادي العنف.
وفي هذا الصدد، قال صالح إنه أعطى أوامر رسمية بحماية المحتجين، معرباً عن استعداده لاحترام الدستور للفترة الانتقالية.
ودعا قائد الجيش إلى حل سياسي للأزمة الراهنة في البلاد منذ اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير/ شباط الماضي، معتبرا أن "الوضع لا يحتمل المزيد من التأجيل، لأن الوقت يداهمنا، وبهذا يبقى الجيش، يعتبر نفسه مجندا على الدوام، إلى جانب كافة المخلصين، لخدمة شعبه ووطنه، وفاء منه للعهد الذي قطعه على نفسه في تحقيق مطالب الشعب وطموحاته المشروعة في بناء دولة قوية، آمنة ومستقرة، دولة يجد فيها كل مواطن مكانه الطبيعي وآماله المستحقة".
ودعا صالح القوى السياسية والشعبية إلى "انتهاج أسلوب الحكمة والصبر لأن الوضع السائد مع بداية هذه المرحلة الانتقالية يعتبر وضعا خاصا ومعقدا، يتطلب تضافر جهود كافة الوطنيين المخلصين للخروج منه بسلام، ومن جهتنا فإننا نجدد التزام الجيش بمرافقة مؤسسات الدولة، في هذه المرحلة الانتقالية، مع الإشارة إلى أن كافة الآفاق الممكنة تبقى مفتوحة في سبيل التغلب على مختلف الصعوبات وإيجاد حل للأزمة في أقرب الأوقات".
وفيما أكد صالح تفهّم الجيش "للمطالب المشروعة التي التزمنا بالعمل معه على تجسيدها كاملة، وبطبيعة الحال فإن هذه الأهداف يتطلب تحقيقها مراحل وخطوات تستلزم التحلي بالصبر والتفهم ونبذ كافة أشكال العنف، فالخطوة الأساسية قد تحققت وستليها، بكل تأكيد، الخطوات الأخرى، حتى تحقيق كل الأهداف المنشودة، وهذا دون الإخلال بعمل مؤسسات الدولة التي يتعين الحفاظ عليها".
وجدد صالح التزام المؤسسة العسكرية بحماية الشعب من أية تجاوزات، واعتبر أن ذلك قرار لا رجعة فيه، وكشف أنه تم إصدار تعليمات بحماية الشعب خلال المسيرات، شرط عدم لجوء المتظاهرين إلى العنف.
وأوضح في هذا الصدد أن "قرار حماية الشعب بمختلف مكوناته قرار لا رجعة فيه ولن نحيد عنه مهما كانت الظروف والأحوال، أسدينا تعليمات واضحة لا لبس فيها لحماية المواطنين، لا سيما أثناء المسيرات، لكن في المقابل ننتظر من شعبنا أن يتفادى اللجوء إلى العنف وأن يحافظ على الممتلكات العمومية والخاصة، ويتجنب عرقلة مصالح المواطنين، والاحترام التام لرموز الدولة وعلى رأسها العلم الوطني".
وتعهد صالح بأن "قيادة الجيش لن تتخذ أية قرارات لا تخدم الشعب والوطن"، متمنيا أن "يلقى هذا النداء الصدى المنشود لدى كافة مكونات شعبنا الأبي، لأنه صادر عن القيادة العليا للجيش، وحرصاً على بناء جيش قوي وعصري، لمواجهة لأعداء الوطن وليس ضد شعبه، جيش لن يتخذ أي قرارات لا تخدم الشعب والوطن، وحريص على ألا تراق قطرة دم جزائري واحدة، خدمة لمصالح أطراف معادية، التي لم يعجبها الطابع السلمي للمسيرات، فالجزائر في أيدٍ أمينة برجال مخلصين مستعدين للدفاع عن بلادهم مهما كلفهم الثمن".
وجدد المسؤول العسكري دعوته إلى القضاء للإسراع في فتح ومعالجة ملفات الفساد، وقال "كما أشرت في مناسبات سابقة إلى ضرورة قيام العدالة بمحاسبة المتورطين في قضايا الفساد، فإننا ننتظر من الجهات القضائية المعنية أن تسرع في وتيرة معالجة مختلف القضايا المتعلقة باستفادة بعض الأشخاص، بغير وجه حق، من قروض بآلاف المليارات وإلحاق الضرر بخزينة الدولة واختلاس أموال الشعب". وكانت العدالة قد قررت التحفظ على عدد من رجال الأعمال وتجميد أموالهم ومنعهم من مغادرة البلاد.
وأكد المسؤول العسكري عدم وجود أي طموح لشخصه قائلاً "أمام المسؤولية التاريخية التي نتحملها، نحترم بشكل كامل أحكام الدستور لتسيير المرحلة الانتقالية، وأود أن أعيد التأكيد أن كافة الآفاق الممكنة تبقى مفتوحة في سبيل التغلب، على مختلف الصعوبات وإيجاد حل للأزمة في أقرب الأوقات، بما يخدم المصلحة العليا للوطن بغض النظر عن مصلحة الأشخاص، وأنه لا طموح لنا سوى حماية الوطن وبسط نعمة الأمن والاستقرار".
من جانب آخر، وللمرة الأولى توجه قائد الجيش بتحذير مباشرة وتهديد باتخاذ إجراءات عقابية صارمة في حق مدير جهاز المخابرات السابق الفريق محمد مدين، وقال صالح إن "بعض الأشخاص عبثوا كثيرا في السابق بمقدرات الشعب الجزائري وما زالوا ينشطون ضد إرادة الشعب.
وتابع "لقد تطرقت في مداخلتي يوم 30 مارس (آذار) 2019 إلى الاجتماعات المشبوهة التي تُعقد في الخفاء من أجل التآمر على مطالب الشعب ومن أجل عرقلة مساعي الجيش ومقترحاته لحل الأزمة، إلا أن بعض هذه الأطراف وفي مقدمتها رئيس دائرة الاستعلام والأمن السابق، خرجت تحاول عبثا نفي وجودها في هذه الاجتماعات ومغالطة الرأي العام، رغم وجود أدلة قطعية تثبت هذه الوقائع المغرضة. وقد أكدنا يومها أننا سنكشف عن الحقيقة".
وأكد المسؤول العسكري أن قائد المخابرات السابق الذي أبعد من منصبه في سبتمبر/ أيلول 2015، والمجموعة النشطة معه "لا يزالون ينشطون ضد إرادة الشعب ويعملون على تأجيج الوضع، والاتصال بجهات مشبوهة والتحريض على عرقلة مساعي الخروج من الأزمة، وعليه أوجه لهذا الشخص آخر إنذار، وفي حالة استمراره في هذه التصرفات، ستتخذ ضده إجراءات قانونية صارمة".
وكان صالح يشير إلى اجتماع عقد في 30 مارس/ آذار الماضي جمع مدين والرئيس الجزائري السابق ليامين زروال والسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، لبحث خطة تشكيل هيئة رئاسية انتقالية، قبل أن يتفطن الجيش لذلك ويدفع بوتفليقة إلى الاستقالة في الثاني من إبريل/ نيسان الجاري.
وتشير تصريحات قائد الجيش إلى تطور لافت في موقف المؤسسة العسكرية باتجاه القبول ببعض الحلول السياسية، بتفهم المطالب الشعبية الداعية إلى رحيل رموز نظام بوتفليقة، مقارنة مع خطابه الأربعاء الماضي في منطقة وهران غربي الجزائر، والتي وصف فيها هذه المطالب بالتعجيزية، واتهم المطالبين بها بالدفع إلى إحداث فراغ دستوري.
وأطاح الحراك الشعبي في الجزائر رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، ودفعه اليوم الثلاثاء إلى تقديم استقالته للرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، على خلفية المطالب الشعبية التي تضعه مع ثلاث شخصيات أخرى يطالب المحتجون بتنحيها الفوري من السلطة.
وأكد بيان للمجلس الدستوري أنه "اجتمع اليوم الثلاثاء، حيث أبلغ رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز أعضاء المجلس أنه قدم إلى السيد رئيس الدولة استقالته من منصبه كرئيس للمجلس الدستوري، الذي باشر فيه مهامه بدءاً من تاريخ أدائه اليمين الدستورية بتاريخ 21 فبراير 2019"، وأوضح البيان أن الطيب بلعيز دعا في رسالة استقالته "أن يحفظ الله الجزائر ويقيها والشعب الجزائري الأبي من كل مكروه".
وتفتح استقالة بلعيز، الذي كان أحد المقربين من الرئيس السابق المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، الباب واسعاً أمام استقالة "الباءات الثلاث" المتبقية، وهم رئيس البرلمان معاذ بوشارب، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، والرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، وبدء التوجه نحو حلحلة سياسية للأزمة الراهنة في البلاد، وتعليق المسار الانتخابي وإلغاء الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو/ تموز المقبل.
ويلاحق الناشطون في الحراك الشعبي والمتظاهرون وزراء حكومة بدوي خلال الزيارات التي يقومون بها في العاصمة أو في الولايات الداخلية، حيث أظهرت الخرجات الأولى لعدد من الوزراء وجود استياء ورفض شعبي بالغ لوجودهم وللحكومة الحالية التي يصفها المتظاهرون بـ"غير شرعية"، ويطالبون برحيلها.