لم تعد الحياة في القرى التي تقع في أطراف المحافظات العراقية، التي حررت أخيرا من سيطرة تنظيم "داعش"، مناسبة للعيش، حيث تعتبر من ضمن المناطق التي توصف بـ"الرخوة أمنيا"، بعدما عجزت القوات العراقية عن توفير الحماية اللازمة لها، ما جعلها مناطق تثير شهية بقايا عناصر التنظيم، الذين ينفذون هجمات شبه مستمرة عليها، فيما ينتقد أهالي تلك المناطق الصمت والتكتم الحكومي إزاء ذلك.
وتقع تلك القرى في أطراف المحافظات التي تم تحريرها من سيطرة "داعش"، مثل نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك، واستغل التنظيم عدم قدرة القوات العراقية على تأمينها لينفذ فيها ضربات موجعة، أسقطت العديد من القتلى والجرحى في صفوف الأهالي.
وقال أحد سكان قرية الجرن التابعة لبلدة حمام العليل، جنوبي الموصل، والذي يكنّى بأبي ماهر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قريتنا والقرى القريبة منها، ومنها قرى البوبدران، والعمريني، وغيرها من القرى المفتوحة، والتي تحدها الصحراء الممتدة باتجاه الحدود مع سورية، تشهد ظرفاً أمنياً صعباً، حيث تتعرض لهجمات من قبل عناصر تنظيم "داعش" بشكل شبه مستمر".
وأكد أنّ "أهالي القرى يدافعون عن قراهم ويشتبكون مع عناصر التنظيم بأسلحتهم البسيطة، ما تسبب عدّة مرات بسقوط قتلى وجرحى من المواطنين".
وأشار إلى أنّ "الأهالي أجبروا على تحمل مسؤولية حماية قراهم، من خلال بناء سواتر ترابية ومناطق مراقبة، ونشر حراسات من شباب القرى تتولى مهام الحماية، والاشتباك مع الهجمات"، مؤكدا أنّ "القوات الأمنية لم تتول حماية قرانا، على الرغم من علمها بحجم الخطر الذي تعيشه".
ويؤكد وجهاء وشيوخ عشائر تلك القرى أنّ الحكومة لم تهمل الملف الأمني لقراهم فحسب، بل تمتنع عن دعم أهالي القرى عسكرياً، ولم توفر لهم ما يحتاجونه من سلاح لحماية مناطقهم.
وقال الشيخ طالب البدراني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة العراقية لم تتقدم خطوة واحدة لحماية قرانا، التي تعاني وضعاً أمنياً مربكاً جداً، ولم تدعمنا بأي عنصر أمن"، مشيراً إلى أنّها "مع ذلك لم تستجب لمطالبنا بتشكيل قوات خاصة من عشائر تلك المناطق".
وأشار إلى أنّه "يتحتم على الحكومة الاهتمام بهذه المناطق، ودعمها أمنياً، على أقل تقدير توفير السلاح والعتاد لأهلها، حتى يستطيعوا الدفاع عنها بوجه هجمات "داعش""، محذراً من "مغبة استمرار الإهمال الحكومي لتلك المناطق، وما قد ينتج منه من خسائر وضحايا في صفوف أهالي تلك القرى".
بدوره، قال ضابط في قيادة عمليات نينوى، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تلك المناطق التي تقع في الأطراف لا يمكن السيطرة عليها، فهي تحتاج إلى أعداد كبيرة من عناصر الأمن بسبب مساحاتها الواسعة، وهذا أمر لا يمكن توفيره"، مبينا أنّ "القوات الأمنية المرابطة على مقربة من تلك القرى تقوم بصد هجمات "داعش"، لكنّ عناصر التنظيم يسلكون طرقا بعيدة عن أنظار تلك القوات".
وأكد: "نحن نتخذ إجراءاتنا المستمرة ونحدث خططنا العسكرية لحماية تلك المناطق، لكن الهجمات التي تحدث اليوم من قبل "داعش" ليست هجمات مواجهة، بل هي أشبه ما تكون بعمليات مباغتة وبتسلل، مع تأمين طرق الانسحاب"، مشيرا إلى أنّ "تلك العمليات تصعب السيطرة عليها ومنعها، إذ إنّها أصعب من المواجهة العسكرية، التي يعجز "داعش" عن تنفيذها".
يشار إلى أنّ القوات الأمنية كانت قد أنجزت تحرير المحافظات العراقية منذ أكثر من عام كامل، لكنّها لم تستطع بسط سيطرتها بشكل كامل على تلك المحافظات، فما زالت بقايا عناصر "داعش" تنفذ هجمات فيها.