خلافاً للتوقعات، تبدو احتمالات دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى تجميد قراره الرافض لبقاء الاتفاق النووي الإيراني، غير مستبعدة ولو أنّها ضعيفة، قبل 19 يوماً على موعد 12 مايو/أيار، تاريخ تجديد تعليق العقوبات على إيران أو إلغاء التعليق، أي عملياً إلغاء الاتفاق.
كانت الحظوظ، قبل يوم الأحد، شبه معدومة، لكن عاد الأمر وتبدّل مع زيارات المسؤولين الأوروبيين لواشنطن، وبالتحديد الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الإثنين، إذ يحتل هذا الملف البند الأول في جدول أعماله.
البرنامج غير الاعتيادي المُعدّ للزائر الفرنسي، معطوفاً على العلاقة الجيدة التي نسجها مع سيد البيت الأبيض، فضلاً عن عدد من الأوراق التي يستطيع ماكرون توظيفها؛ كل هذه العوامل قد تؤدي إلى حلحلةٍ ما في هذا الملف.
ومن المؤشرات في هذا الاتجاه، أنّ لعبة العض على الأصابع قد اشتدت من جانب الطرفين، وكأنّ كل فريق يلجأ إليها لتحسين ظروف التفاوض في أيامه الأخيرة.
في المقابل، حذّر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في مقابلة يوم الأحد، مع شبكة "سي بي إس"، من عواقب انسحاب واشنطن من الاتفاق، ملوحاً بعودة بلاده "إلى استئناف نشاطها النووي بصورة أسرع" من السابق.
لغته المتشددة بدت وكأنّها من مقتضيات اللحظة الراهنة، أكثر منها تعبيرا عن السياسة التي تزمع إيران اعتمادها، لو خرجت واشنطن من الاتفاق، خاصة أنّ طهران سبق وأبدت عزمها على مواصلة الالتزام بالاتفاق، حتى لو تنصلت منه واشنطن، طالما بقي الآخرون طرفاً فيه.
في المقابل، قال السناتور بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إنّ الرئيس ترامب "سوف ينسحب على الأرجح" من الاتفاق. نقل هو الآخر رسالة متشددة إلى إيران، وفي ذات الوقت ترك الباب مفتوحاً للتراجع، وهو موقف تشاركه فيه الأغلبية في الكونغرس التي تدعم الاستمرار في الاتفاق، وإن كانت تدعو إلى تعديله.
وسط هذه الأجواء، يصل ماكرون إلى واشنطن، وبيده بضع أوراق لا يقلل المراقبون من أهميتها. منها أنّه يأتي ليعرض "التقدّم الملحوظ" الذي حقّقه الأوروبيون في مفاوضاتهم مع طهران، حول تطوير الاتفاق، حسب ما نسبته صحيفة "واشنطن بوست" إلى مصادر أوروربية.
وذكر في هذا السياق، أنّ هناك إمكانية "لتوسيع الرقابة"، والمشاركة في فرض "عقوبات صارمة"، لو حاولت إيران امتلاك صواريخ عابرة.
ثم إنّ الرئيس الفرنسي يأتي على خلفية مشاركة بلاده مع ترامب في الضربة الثلاثية على بعض مواقع النظام السوري. مشاركة يمكنها تعزيز مرافعته لصالح الاتفاق، الذي لم تطرح إدارة ترامب بديلاً له حتى الآن، واكتفت بتسجيل مآخذها فقط عليه، والتي لا تحظى بالتأييد الواسع، حتى في صفوف الجمهوريين، لاسيما وأنّ هناك تسليما شاملا في واشنطن بأنّ إيران أوفت، وما تزال، بالتزاماتها المطلوبة.
حتى صقور الإدارة الأميركية تخلّوا عن خطاب التشدد، على الأقل في الظاهر، مع اقتراب الاستحقاق في 12 مايو/أيار. مايك بومبيو، المرشح لحقيبة الخارجية، أعطى الأولوية للخيار الدبلوماسي في معالجة ملف الاتفاق، وذلك بعد أن كان يتحدّث في السابق بلغة توحي بقصف المنشآت النووية الإيرانية.
وثمة من يضيف أنّ العلاقة "الودية" التي نسجها ماكرون مع ترامب، والتي يبادله إياها هذا الأخير ببرنامج زيارة غير اعتيادي، قد تلعب دورها في تدوير بعض زوايا اعتراض البيت الأبيض على الاتفاق، وهو في كل حال، اعتراض سياسي – انتخابي في الأساس استخدمه في حملته الانتخابية، وغير مبني على جدارة أمنية وجيهة.
حتى إنّ العديد من خبراء الأمن القومي يرون أنّ الاتفاق الإيراني يخدم المصلحة الأميركية. وفي أواخر مارس/آذار الماضي، رفعت مجموعة منهم (خمسون من كبار العسكريين المتقاعدين، وثلاثون سفيراً سابقاً، وعشرون من المستشارين السابقين في البيت الأبيض) كتاباً إلى الرئيس ترامب، يناشده عدم الخروج من الاتفاق.
ويأتي هذا خصوصاً، عشية القمة الأميركية الكورية الشمالية، إذ من شأن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، أن يؤثر سلباً على مصداقية ترامب في تفاوضه حول النووي الكوري الشمالي.
ثمة من يرى أنّ لا أحداً الآن غير فرنسا، يمكنها "شد إدارة ترامب من جديد إلى أوروبا"، وموقفها من الاتفاق النووي الإيراني، والفرصة متوفرة.
لكن حتى لو تمكّن ماكرون من النجاح، وإن جزئياً في هذه المهمة، يبقى من غير المضمون ترجمة نجاحه. فالتقلب المعروف في قرارات البيت الأبيض لا يسمح بالتفاؤل.
وبات معلوماً أنّ الرئيس ترامب لا يعمل بالحسابات الاستراتيجية، أكثر مما يعمل بالحسابات الذاتية والسياسية.