بعد هجمة الزيارات الأميركية الأخيرة للمنطقة، ارتفع منسوب التخوف في واشنطن من وقوع صدام ما مع إيران، خرج من الهمس إلى التداول المكشوف عن احتمالاته المتزايدة.
وكان اللافت أنّ بعض الأوساط المساندة بقوة للرئيس دونالد ترامب، مثل السياسي والشعبوي المخضرم باتريك بيوكانن، سارعت إلى التنبيه والتحذير من هذا التوجه الذي روّج له وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، خلال جولتهما في المنطقة، اللتين تلتهما زيارته مسؤول الشؤون السياسية في وزارة الخارجية ديفيد هيل، للعاصمة اللبنانية بيروت.
وتنبع خشية هذه الجهات من أنّ السياسة الخارجية، وتحديد الخيارات العسكرية في الخارج وخصوصاً تجاه إيران، باتت في عهدة الثنائي بومبيو – بولتون المحسوب على جناح الصقور في الإدارة الأميركية، الذي خلت له الساحة بعد مغادرة وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي أدى دور الكابح لمثل هذه السياسات.
ترامب غارق في ورطة الإغلاق الحكومي، وشبه متفرّغ لمواجهة متاعبه الروسية المتفاقمة. وربما وجد في إحداث صدمة خارجية فرصة لخلط الأوراق. وفي هذا الصدد سرت إشاعات، أمس الثلاثاء، مبنية على إشارات رسمية، بأنّ الرئيس قد يعلن الانسحاب من حلف شمال الأطلسي "الناتو".
احتمالات التصادم مع طهران مطروحة، منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي. ثم تعزّزت حظوظه مع التحاق بومبيو وبولتون بإدارة ترامب. الأول مثل إسرئيل، لا يرى الشرق الأوسط إلا من زاوية إيران. وهذه الأخيرة لا تقصّر في تغذية وتعزيز حيثياته التي قدّمها في خطابه الشهير بعد وقت قليل من توليه منصبه، الذي حدّد فيه النقاط الـ12 كشروط لرفع العقوبات وتحسين العلاقات مع طهران. وكان من الواضح أنّها وصفة للتأزيم ليس إلا.
والثاني يتموضع منذ زمن في الموقع الهجومي إزاء طهران، ومن دعاة تغيير نظامها. عام 2015 وعشية إبرام الاتفاق النووي، كتب مقالة بعنوان "لوقف القنبلة الإيرانية اقصفوا إيران بالقنابل". وفي الصيف الماضي، عندما استهدفت إحدى المليشيات العراقية المحسوبة على إيران، المنطقة الخضراء في بغداد بثلاث قذائف هاون، سارع بولتون إلى "عقد اجتماعات عاجلة وطلب من البنتاغون إعداد قائمة بالأهداف الإيرانية القابلة للقصف".
حتى صحيفة "وول ستريت جورنال"، المحافظة والمتعاطفة مع خط بولتون، أعربت هي الأخرى ضمناً عن خشيتها، عندما أبرزت "استغراب مسؤول في الإدارة لمدى استفراس بولتون بخصوص إيران".
ويلفت باتريك بيوكانن المستشار السابق والكاتب والمعلّق المطّلع على أجواء البيت الأبيض ومداولاته، إلى عدة مؤشرات تعزّز التخوف من التصعيد المتزايد مع إيران، منها الاجتماع الذي دعت الإدارة إلى عقده في بولندا، في فبراير/ شباط المقبل، "لبناء تحالف والتباحث في ما يمكن عمله بشأن عدوّنا المشترك" الإيراني، كما قال بومبيو.
ويؤشر إلى ذلك أيضاً، اعتراض الإدارة على إطلاق إيران قمراً اصطناعياً قبل يومين، من باب أنّه "يعتمد على تكنولوجيا مطابقة لتلك التي تُستخدم في صناعة الصواريخ العابرة أو يمكن تحويلها باتجاه هذا التصنيع، وبما يخالف قرار مجلس الأمن 2231"، حسب ما جاء في بيان وزارة الخارجية الأميركية، أمس الثلاثاء، وهو ذات الاعتراض الذي جاءت به إسرائيل.
ويحذر بيوكانن من "التحركات الجارية في إسرائيل وأميركا لنشوب مواجهة مع إيران قبل مغادرة القوات الأميركية لسورية". وكان قد ألمح، أكثر من مرة، إلى أنّ إسرئيل تسعى لجرّ واشنطن لمثل هذه المواجهة التي ناشد ترامب الابتعاد عنها.
في ضوء خلفية هذا الموضوع، وما تردّد خلال جولة بومبيو وبولتون، كما في ضوء الالتباسات التي أحاطت بقرار الانسحاب الأميركي من سورية، فضلاً عن الظروف الحالية التي تمرّ فيها إدارة ترامب، لا يبدو مثل هذا السيناريو مبالغاً فيه، بل هو مرجّح وإن كان غير محسوم بعد. القرار الأميركي الآن زئبقي إلى أبعد الحدود، تماماً كما هو حال ساحته السياسية.