رغم أهميته الدرامية، المتوغّلة في إحدى مصائب العمل في الغرب، لم ينتبه كثيرون إليه. ورغم نقاشه السينمائيّ أحوال الشركات الكبرى، وآليات تعاملها مع موظّفيها، وسؤال الإقالة لألف سببٍ وسبب، لم يتوقّف كثيرون عنده، مع أنه تمكّن من جذب مشاهدين عديدين في 3 أسابيع من عروضه التجارية الفرنسية، بين 5 و25 أبريل/ نيسان 2017، إذْ بلغ عدد هؤلاء 185 ألفاً و470.
الرقم، قياساً إلى معنى النجاح التجاري العام، عاديٌّ. مواقع إلكترونية فرنسية عديدة تكشف تراجعاً في عدد مشاهديه بين بدايات العروض ومنتصفها، على الأقلّ، ما بدا أنه سبب كافٍ لتوقّفها. مع هذا، اختير للمشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الـ 52 (30 يونيو/ حزيران ـ 8 يوليو/ تموز 2017) لـ "مهرجان كارلوفي فاري السينمائيّ"، وحاول أن يتنافس مع 11 فيلماً آخر، من دون الفوز بأي جائزة.
يُعتَبر "الشركات" (Corporate) للفرنسي نيكولا سيلول (1977) نموذجاً سينمائياً انتقادياً حادّاً لآليات العمل في الشركات الكبيرة، ولمعنى الوظيفة وحقوق الموظّفين، ولفكرة المهنة وحصانتها، وللجانب الإنساني في المآزق العامة. وهذا ـ إذْ يبدو متشابهاً في بلدان كثيرة أخرى، غربية وغير غربية ـ ينعكس في سيرة إيميلي تيسّون ـ هانسن (سيلين سالّيت، 1980)، المكلَّفة بإحدى أصعب المسؤوليات، وأكثرها حساسية وعرضة للالتباسات والمواقف
المحرجة: الإشراف على إقالة موظّفين. فالتعامل مع حالةٍ كهذه دونه صعوبات جمّة، تبدأ بالمهنيّ ـ القانونيّ البحت، وتمتدّ إلى الإنسانيّ والأخلاقيّ.
لن تكون الأمور كلّها "على خير ما يُرام"، بالنسبة إلى إيميلي. منذ البداية، هناك مسائل عالقة، تنكشف كلّها، بطريقة أو بأخرى، مع إقدام موظّف "مُقال" على الانتحار في مبنى الشركة، المختصّة بالصناعات الغذائية. موصوفة هي بأنها "مديرة شؤون الموظّفين الألمع والأكثر برودة". ربما لهذا تجد نفسها في موقع لا تُحسَد عليه. فالانتحار بسبب الإقالة مثير لتوتر وارتباكات داخل الشركة، خصوصاً مع محاولة كبار المسؤولين ـ وبينهم ستفان فرونكار (لامبير ويلسن، 1958)، مدير الموارد البشرية ـ التنصّل من كل مسؤولية، معنوية أو أخلاقية على الأقلّ، ووضع إيميلي، وحيدة، في واجهة المشهد.
اقــرأ أيضاً
تفاصيل مسار التحقيقات والصدامات الخفية داخل الشركة، أمور عادية ومعروفة. الجميع يريدون تحميل إيميلي المسؤولية الكاملة عن انتحار الموظّف، الذي يحاول ـ قبل فعلته تلك ـ التواصل معها عبر الرسائل الإلكترونية، أو بشكل مباشر، لكن من دون أي نتيجة. ثقل المسؤولية ضاغطٌ عليها. تناور وتسعى إلى إنقاذ نفسها بأي ثمن. التحقيقات المُقامة من خارج الشركة، عاملٌ مُساعد، وإنْ تتعقّد الأمور في بداياتها، قبل أن ينقلب كلّ شيء لصالحها. الخبث والاحتيال أداتان مفيدتان لها، خصوصاً في نزاعها الأخير مع فرونكار، الذي يفضح نفسه من دون انتباه، في لقاء ثنائي بينه وبين إيميلي، التي تتمكّن من تسجيل أقواله من دون معرفته بهذا، فإذا بانتقامها كبيرٌ وعظيم: سيسمع الموظّفون جميعهم أقواله العدائية والنزقة، ولامبالاته وجشعه، وتنصّله من كلّ حس إنساني وأخلاقي.
في فيلمه الروائيّ الطويل الأول هذا، يولي نيكولا سيلول أهمية قصوى للبُعد الإنساني البحت. التحقيقات والصدامات القانونية والاجتماعية والمهنية أمورٌ مكمِّلة لبُعدٍ، يحتل مكانة أولى وأساسية في النصّ والمعالجة والتصوير. مع ممثلين قادرين على الإبهار، لشدّة تعمّقهم في أحوال الشخصيات وانفعالاتها وارتباكاتها وتبدّلات أحوالها، يُظهر ـ سينمائياً ـ بعض "العيّنات الجميلة"، المتعلّقة بالطبيعة البشرية، وبتناقضاتها الواضحة بين الناس والأحوال، الممتدّة "من أجمل اللطف والحنان إلى أكثر الكره والضغينة والحِدّة"، كما في مقالة لكلودين لوفانّور (الموقع الإلكتروني الفرنسي aVoir-aLire، 2 أبريل/ نيسان 2017).
من جهته، يرى توماس سوتينل (الصحيفة اليومية الفرنسية "لو موند"، 4 أبريل/ نيسان 2017) أن "جهود السيناريو (نيكولا سيلول نفسه) لرسم التحوّل الحاصل في مسار إيميلي (لديها ـ في الوقت نفسه ـ صيتٌ وسيرة مهنية قاسيتان، وعائلة متضامنة ومتفهّمة وداعمة)، غير كافية لجعله مقنعاً"، مشيراً في الوقت نفسه إلى "عدم إمكانية فهم الدافع المؤدّي بهذه الزوجة والأم المُحِبَّة، ذات الابتسامة الحزينة، إلى اختيار هذه الطريق، أساساً".
لن يكون هذا صحيحاً بشكل كامل. ارتكاز النصّ على الجانب الإنساني أساسيّ في بناء الشخصيات، كما في تحديد المسارات والتحوّلات. الحياة خارج العمل تختلف عما هي عليه داخله. القوة والصرامة والحدّة في العمل لن تكون، بالضرورة، سمات الشخص نفسه في حياته الخاصّة.
هذا ما يُظهره سيلول بوضوح، في نصّ يروي مساراً صعباً وقاسياً لامرأة تواجه أحد أخطر التحدّيات الإنسانية والحياتية؛ وهذا ما تتمكّن سيلين سالّيت من تأديته، بما يتلاءم وثنائية الحياة التي تعيشها، داخل العمل وخارجه.
الرقم، قياساً إلى معنى النجاح التجاري العام، عاديٌّ. مواقع إلكترونية فرنسية عديدة تكشف تراجعاً في عدد مشاهديه بين بدايات العروض ومنتصفها، على الأقلّ، ما بدا أنه سبب كافٍ لتوقّفها. مع هذا، اختير للمشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الـ 52 (30 يونيو/ حزيران ـ 8 يوليو/ تموز 2017) لـ "مهرجان كارلوفي فاري السينمائيّ"، وحاول أن يتنافس مع 11 فيلماً آخر، من دون الفوز بأي جائزة.
يُعتَبر "الشركات" (Corporate) للفرنسي نيكولا سيلول (1977) نموذجاً سينمائياً انتقادياً حادّاً لآليات العمل في الشركات الكبيرة، ولمعنى الوظيفة وحقوق الموظّفين، ولفكرة المهنة وحصانتها، وللجانب الإنساني في المآزق العامة. وهذا ـ إذْ يبدو متشابهاً في بلدان كثيرة أخرى، غربية وغير غربية ـ ينعكس في سيرة إيميلي تيسّون ـ هانسن (سيلين سالّيت، 1980)، المكلَّفة بإحدى أصعب المسؤوليات، وأكثرها حساسية وعرضة للالتباسات والمواقف
لن تكون الأمور كلّها "على خير ما يُرام"، بالنسبة إلى إيميلي. منذ البداية، هناك مسائل عالقة، تنكشف كلّها، بطريقة أو بأخرى، مع إقدام موظّف "مُقال" على الانتحار في مبنى الشركة، المختصّة بالصناعات الغذائية. موصوفة هي بأنها "مديرة شؤون الموظّفين الألمع والأكثر برودة". ربما لهذا تجد نفسها في موقع لا تُحسَد عليه. فالانتحار بسبب الإقالة مثير لتوتر وارتباكات داخل الشركة، خصوصاً مع محاولة كبار المسؤولين ـ وبينهم ستفان فرونكار (لامبير ويلسن، 1958)، مدير الموارد البشرية ـ التنصّل من كل مسؤولية، معنوية أو أخلاقية على الأقلّ، ووضع إيميلي، وحيدة، في واجهة المشهد.
تفاصيل مسار التحقيقات والصدامات الخفية داخل الشركة، أمور عادية ومعروفة. الجميع يريدون تحميل إيميلي المسؤولية الكاملة عن انتحار الموظّف، الذي يحاول ـ قبل فعلته تلك ـ التواصل معها عبر الرسائل الإلكترونية، أو بشكل مباشر، لكن من دون أي نتيجة. ثقل المسؤولية ضاغطٌ عليها. تناور وتسعى إلى إنقاذ نفسها بأي ثمن. التحقيقات المُقامة من خارج الشركة، عاملٌ مُساعد، وإنْ تتعقّد الأمور في بداياتها، قبل أن ينقلب كلّ شيء لصالحها. الخبث والاحتيال أداتان مفيدتان لها، خصوصاً في نزاعها الأخير مع فرونكار، الذي يفضح نفسه من دون انتباه، في لقاء ثنائي بينه وبين إيميلي، التي تتمكّن من تسجيل أقواله من دون معرفته بهذا، فإذا بانتقامها كبيرٌ وعظيم: سيسمع الموظّفون جميعهم أقواله العدائية والنزقة، ولامبالاته وجشعه، وتنصّله من كلّ حس إنساني وأخلاقي.
في فيلمه الروائيّ الطويل الأول هذا، يولي نيكولا سيلول أهمية قصوى للبُعد الإنساني البحت. التحقيقات والصدامات القانونية والاجتماعية والمهنية أمورٌ مكمِّلة لبُعدٍ، يحتل مكانة أولى وأساسية في النصّ والمعالجة والتصوير. مع ممثلين قادرين على الإبهار، لشدّة تعمّقهم في أحوال الشخصيات وانفعالاتها وارتباكاتها وتبدّلات أحوالها، يُظهر ـ سينمائياً ـ بعض "العيّنات الجميلة"، المتعلّقة بالطبيعة البشرية، وبتناقضاتها الواضحة بين الناس والأحوال، الممتدّة "من أجمل اللطف والحنان إلى أكثر الكره والضغينة والحِدّة"، كما في مقالة لكلودين لوفانّور (الموقع الإلكتروني الفرنسي aVoir-aLire، 2 أبريل/ نيسان 2017).
من جهته، يرى توماس سوتينل (الصحيفة اليومية الفرنسية "لو موند"، 4 أبريل/ نيسان 2017) أن "جهود السيناريو (نيكولا سيلول نفسه) لرسم التحوّل الحاصل في مسار إيميلي (لديها ـ في الوقت نفسه ـ صيتٌ وسيرة مهنية قاسيتان، وعائلة متضامنة ومتفهّمة وداعمة)، غير كافية لجعله مقنعاً"، مشيراً في الوقت نفسه إلى "عدم إمكانية فهم الدافع المؤدّي بهذه الزوجة والأم المُحِبَّة، ذات الابتسامة الحزينة، إلى اختيار هذه الطريق، أساساً".
لن يكون هذا صحيحاً بشكل كامل. ارتكاز النصّ على الجانب الإنساني أساسيّ في بناء الشخصيات، كما في تحديد المسارات والتحوّلات. الحياة خارج العمل تختلف عما هي عليه داخله. القوة والصرامة والحدّة في العمل لن تكون، بالضرورة، سمات الشخص نفسه في حياته الخاصّة.
هذا ما يُظهره سيلول بوضوح، في نصّ يروي مساراً صعباً وقاسياً لامرأة تواجه أحد أخطر التحدّيات الإنسانية والحياتية؛ وهذا ما تتمكّن سيلين سالّيت من تأديته، بما يتلاءم وثنائية الحياة التي تعيشها، داخل العمل وخارجه.