بعد انطلاق الدراما السورية عربياً، استقطبت مصر بعض النجوم، وعلى قائمتهم الفنان جمال سليمان، الذي عبر باكراً إلى استوديوهات القاهرة ليقدّم المسلسل الصعيدي "حدائق الشيطان"، ويظل موضع حديث الجمهور لسنوات. وبينما انشغل سليمان في تثبيت قدميه داخل مصر، كان الوضع السوري ينفجر والتظاهرات تنطلق في الشارع، ولم تكن شعلة الثورة السورية عابرة في حياته، فقد كان من أوائل الشخصيات المثقفة التي ثارت على النظام في بدايات اندلاع الحراك الشعبي، ليستقر بعدها خارج سورية، وتبدأ الرحلة الأصعب النجاح في الخارج. في المقابل، لم يخشَ سليمان التعبير عن آرائه من دون تردد، بل أصبح سياسياً وباحثاً ملوحاً بآراء معارضة للسلطة السورية، ليحرم من دخول بلده ومن الانتساب إلى نقابة الفنانين بعد ما تم فصله هو ومجموعة من النجوم المعارضين منها، بحجة عدم دفعهم الرسوم النقابية.
لكن أيضاً غيّبت الحياة السياسية جمال قليلاً عن الشاشة، وبدل أن يتابعه الجمهور في المسلسلات، باتوا يشاهدونه في جنيف وأستانة بعدما تصدر قائمة المعارضين في "منصة القاهرة". فالفنان السوري الشهير يعرف جيداً قوام النظام، وقد عاشر أجهزته الأمنية لسنوات طويلة في ظل عمله داخل دمشق، في حين جسد خلال سنوات الثورة دوراً عبّر عن الطغمة الحاكمة في مسلسل "العراب" من خلال شخصية "أبوعليا"، وعاد بعدها ليلعب بطولة مسلسل "وجوه وأماكن" ويقدم شخصية الناشط المعارض.
في حين لم تكن خياراته الدرامية صائبة في المواسم الأخيرة، ولو حاول إعادة تقديم نفسه في الدراما السورية من خلال مسلسلي "أوركيديا" و"حرملك"، إلا أن الجمهور العربي لم يعد يجد في سليمان النجم السوري المتمكن من حمل اسم مسلسل لوحده، وهذا ما أكده تهميش اسمه في بطولة مسلسل "زي الشمس" خلال موسم رمضان الفائت، فالدراما المصرية التي منحت جمال فرصاً استثنائية كان آخرها "أفراح القبة"، وجدت في نجومها المصريين الشباب الاكتفاء، ما صعّب الخيارات أمام جمال في تقديم أدوار تناسب مسيرته، فكانت السياسة هي البديل. وفي لقاء جمعه مع إحدى الفضائيات مؤخراً، صرّح سليمان بما يوحي بتغير شبه جذري بمجموعة من آرائه السياسية، لتحط بمجال الدبلوماسية وكأنه يلوح بيده ويلفت انتباه النظام السوري إلى أنه يقف في زاوية أقرب للحياد، راغباً بالعودة لطاولات الحوار، وكأنه لا يمانع بأن يحاور نظام الأسد.
ضرب سليمان برأيه عرض الحائط حول ما يعدّ من المحرمات في سورية، فحينما يفكر أيُّهم لمجرد التفكير بأن يتولى السلطة، فستكون أجهزة المخابرات حاضرة لتحتضنه بأسلوبها وتخفيه عن وجه الأرض، في حين شكك البعض بصدق نيات جمال وخصوصاً أن علاقاته لم تنقطع بشكل نهائي مع دمشق، وفي حال جرى الاتفاق عليه بديلاً للسلطة، فقد يكون شخصية توافقية تحظى بقبول جماهيري ولم تطلخ يديها بالدماء.