يذهب الأردنيّ محمود المسّاد (1969)، في جديده السينمائيّ "انشا الله استفدت" (2016)، إلى عالم السجون، وما يحيط به من جرائم وخدع وعلاقات متشابكة ومعقّدة ومتصادمة. يصنع، من شخصية واحدة تُشكّل المحور الدرامي للحبكة، مسار بيئة ينضوي في دهاليزها وفضاءاتها وانحرافاتها أناسٌ منتمون إلى أمكنة وأمزجة تتشابه في بؤسٍ وتمزّقات، أو في جُرمٍ واحتيالات. وهو، في هذا، يمزج شيئاً من حيوية الكوميديا الساخرة (خصوصاً في تصرّفات الشخصية الرئيسية، وسلوكها وحنكتها العفوية والبريئة، وأسلوب نُطقها ونبرتها)، بشيءٍ من تراجيديا المواقف والانفعالات والوقائع.
لكن المزج لم يبلغ مرتبة سينمائية في سرد الحكاية، أو في وصف مناخٍ إنساني، أو في البناء المتنوّع للشخصيات الأخرى. فرغم أن دخول أحمد (أحمد طاهر) إلى السجن، لتخلّفه عن سداد دينٍ عليه، يصنع توازناً بين النموذجين البصريين، إلا أن النصّ برمّته محتاجٌ إلى تفعيل دراميّ أقوى للمزيج المطلوب. وهذا مبنيٌّ على حيوية الممثل (طاهر)، وخفّة دمّه المخبّأة في ملامح سذاجةٍ وعفوية وبراءة، يُتقن أداءها، جاعلاً من الشخصية (أحمد) عامل جذبٍ لمكوّنات اجتماعية وإنسانية وثقافية، داخل السجن وخارجه.
وأحمد ـ الذي يتعرّض لاحتيالٍ يزجّ به في السجن، ولتأخّر مُقلِق ومزعج له من قِبَل قريبٍ يبدو كأنه يحتال، هو أيضاً، عليه ـ يمتلك شخصية سينمائية جميلة، بملابسه ونظّارته الطبّية وطريقة تفوّهه بكلام، وبتعبيره عن انفعال، وبسلوك يلتزمه في حركة أو ملمح أو نُطق، وفي كيفية تدخينه السجائر المتلاحقة، أيضاً. شخصية يُنتجها اجتماعٌ أردنيّ منتمٍ إلى بيئة فقيرة، "عامرةً" بخدع واحتيالات ونصب، كأي بيئة جغرافية أخرى، عربية أو غربية.
لكن "انشا الله استفدت" لا يُحلِّل البيئة ومساراتها ومصائر أبنائها، ولا يُشرِّح أحوال أحمد وعائلته والمحيط الاجتماعي المنتمي إليه، ولا يُطلق تنظيرات عن السجن والحياة فيه. ذلك أن محمود المساد (كاتب السيناريو، والمُشارك في تنفيذ المونتاج مع فووتر فان لُوِين وسيمون الهبر، ومؤدّي إحدى الشخصيات أيضاً) يهتمّ بالأفراد ويومياتهم، وبالتفاصيل المتداخلة والمتباعدة لانشغالاتهم وانفعالاتهم، كمن يقصّ حكايات، أو كمن يرافق الشخصيات في عيشها في متن الحياة، أو في جوانبها العديدة. ورغم أن جديده هذا لن يبلغ جماليات السرد الحكائيّ في أفلامٍ سابقة له، كـ "الشاطر حسن" (2001) و"إعادة خلق" (2007) و"هذه صورتي وأنا ميّت" (2010)، إلا أن الفيلم يجتهد في تحقيق مبتغاه: قصّ الحكايات ومرافقة الشخصيات. وهذا، بحدّ ذاته، إنجاز سينمائيّ متواضع وبسيط وهادئ.
وإذْ يتميّز الفيلم (إنتاج أردنيّ ألمانيّ هولنديّ قطريّ إماراتيّ مشترك) بانفضاض تام عن كل تحليل وتنظير، فإن النواة الدرامية تُشكّل مدخلاً إلى عالمٍ معروفٍ، لكنه يتّخذ ـ في "انشا الله استفدت" ـ منحى تبسيطياً في كشفه بعض تفاصيله الحيّة.
اقــرأ أيضاً
لكن المزج لم يبلغ مرتبة سينمائية في سرد الحكاية، أو في وصف مناخٍ إنساني، أو في البناء المتنوّع للشخصيات الأخرى. فرغم أن دخول أحمد (أحمد طاهر) إلى السجن، لتخلّفه عن سداد دينٍ عليه، يصنع توازناً بين النموذجين البصريين، إلا أن النصّ برمّته محتاجٌ إلى تفعيل دراميّ أقوى للمزيج المطلوب. وهذا مبنيٌّ على حيوية الممثل (طاهر)، وخفّة دمّه المخبّأة في ملامح سذاجةٍ وعفوية وبراءة، يُتقن أداءها، جاعلاً من الشخصية (أحمد) عامل جذبٍ لمكوّنات اجتماعية وإنسانية وثقافية، داخل السجن وخارجه.
وأحمد ـ الذي يتعرّض لاحتيالٍ يزجّ به في السجن، ولتأخّر مُقلِق ومزعج له من قِبَل قريبٍ يبدو كأنه يحتال، هو أيضاً، عليه ـ يمتلك شخصية سينمائية جميلة، بملابسه ونظّارته الطبّية وطريقة تفوّهه بكلام، وبتعبيره عن انفعال، وبسلوك يلتزمه في حركة أو ملمح أو نُطق، وفي كيفية تدخينه السجائر المتلاحقة، أيضاً. شخصية يُنتجها اجتماعٌ أردنيّ منتمٍ إلى بيئة فقيرة، "عامرةً" بخدع واحتيالات ونصب، كأي بيئة جغرافية أخرى، عربية أو غربية.
لكن "انشا الله استفدت" لا يُحلِّل البيئة ومساراتها ومصائر أبنائها، ولا يُشرِّح أحوال أحمد وعائلته والمحيط الاجتماعي المنتمي إليه، ولا يُطلق تنظيرات عن السجن والحياة فيه. ذلك أن محمود المساد (كاتب السيناريو، والمُشارك في تنفيذ المونتاج مع فووتر فان لُوِين وسيمون الهبر، ومؤدّي إحدى الشخصيات أيضاً) يهتمّ بالأفراد ويومياتهم، وبالتفاصيل المتداخلة والمتباعدة لانشغالاتهم وانفعالاتهم، كمن يقصّ حكايات، أو كمن يرافق الشخصيات في عيشها في متن الحياة، أو في جوانبها العديدة. ورغم أن جديده هذا لن يبلغ جماليات السرد الحكائيّ في أفلامٍ سابقة له، كـ "الشاطر حسن" (2001) و"إعادة خلق" (2007) و"هذه صورتي وأنا ميّت" (2010)، إلا أن الفيلم يجتهد في تحقيق مبتغاه: قصّ الحكايات ومرافقة الشخصيات. وهذا، بحدّ ذاته، إنجاز سينمائيّ متواضع وبسيط وهادئ.
وإذْ يتميّز الفيلم (إنتاج أردنيّ ألمانيّ هولنديّ قطريّ إماراتيّ مشترك) بانفضاض تام عن كل تحليل وتنظير، فإن النواة الدرامية تُشكّل مدخلاً إلى عالمٍ معروفٍ، لكنه يتّخذ ـ في "انشا الله استفدت" ـ منحى تبسيطياً في كشفه بعض تفاصيله الحيّة.