حسناً فعلت قناة "الجزيرة" حين عرضت الحلقة المخصصة لرواية "أولاد حارتنا"، ضمن برنامج "خارج النص" أخيراً. فطرح كتاب "سيرة الرواية المحرمة" في مصر عن ذات الرواية، مطلع هذا الشهر، للكاتب والناقد المصري محمد شعير، أعاد عمل نجيب محفوظ المثير إلى النقاش مرة أخرى.
في الصحف وعلى فيسبوك مراجعات للكتاب، وإعادة قراءة للرواية وظروف نشرها وما تركته من جدل لم يتوقف حتى بعد سنوات من استقرار نصل سكين في رقبة كاتبها. وفي الفيلم الذي عرضته "الجزيرة"، نرى جانباً من هذه المراجعات خلال أقل من نصف ساعة.
يحاول الفيلم عبر لقاءات مع نقاد أدبيين وأكاديميين وصحافيين ومفكرين إسلاميين أن يعيد ذات القراءة ويبحث عما أثار غضب الأزهر والإسلاميين، وجعل الرواية محرمة على سوق النشر المصري لأكثر من نصف قرن، لم تظهر فيها طبعتها المصرية سوى بعد رحيل كاتبها.
كما جرى سابقاً، تراوحت الآراء بين قراءة أخلاقية أو دينية أو رؤية فنية تسعى إلى فهم ما قصده صاحب نوبل من روايته التي انتقلت بتجربته من مرحلة الواقعية إلى الرمزية. أستاذ لغة عربية يراها حافلة بالألفاظ القبيحة التي لم تراع مشاعر القراء المسلمين، وآخر يرى في القراءة الدينية ظلما لتجربة غير مسبوقة في الأدب العربي.
يتفق عدد من النقاد الذين ظهروا في الحلقة، ومعهم المفكر الإسلامي محمد سليم العوا، مع رأي متأخر لمحفوظ نفسه ذهب إلى أن القراءة السياسية للرواية غابت لمصلحة القراءة الدينية التي نقلت الخلاف إلى مشاعر العامة التي هاجمت الشبه الشكلي بين شخوصها والأنبياء، وتركت ما قصده محفوظ بالفتوات الذين عاثوا في الحارة فساداً.
لم تغب تلك الرؤية عن رجال يوليو، وكانت تلك الرواية سبب لمحاولة ثانية للقبض على نجيب محفوظ، واكتفت الدولة حينها باستدعائه إلى مبنى المخابرات العامة ليحادثه صلاح نصر عما جاء في عمله، ويصرفه بعدها. لكن هذه القراءة لا تعجب الإسلاميين الذين يرون محفوظ بعيداً عن روح الصدام والنقد.
معضلة فنية أن تتصدى في خمس وعشرين دقيقة للحديث عن عمل مكتوب، تغيب الصورة ويتحول الأمر إلى لقاءات متفرقة، وهو ما حاولت هذه الحلقة أن تتجنبه ولم تنجح بشكل كامل. فالحيلة التي لجأ إليها صنّاعها هي الاستعانة بمقاطع من مسلسل إذاعي مأخوذ عن الرواية، وهي معالجة ركيكة لها وتؤيد الرؤية الدينية لانتقادها، فيما جاءت المقاطع المباشرة من الرواية أقل بكثير.
منع الرواية وقراءتها على هذا النحو كان قرارا سياسياً أم دينياً؟ مرت كل هذه السنوات والإجابة غائبة، رغم كل الشواهد التي تدعم وجهتي النظر. مواقف الدولة من الكاتب الكبير، والهجوم الديني الذي لا يتوقف على الرواية، ومواجهة الرجل لهذا كله بروحه المرحة ودعاباته، أو تجنبه للمواجهة، جعلت هذا الجدل غير محسوم رغم مرور هذه السنوات.
مَن كان الجبلاوي؟ ومَن عرفة؟ هل كان السؤال عن موت الإله ونهاية المواجهة بين الدين والعلم؟ أم أن محفوظ قصد أبعد من هذا؟ يقول محفوظ في مقطع نادر تورده الحلقة إن الرواية ليست حملة على الدين أو استهزاء بالأنبياء، بل تحاول أن تربط بين التاريخ والحاضر، تكتب الحاضر بلغة تاريخية.
ربما لو أتبع من هاجموا الرواية وكاتبها هذه العبارة باستعادة المقاطع التي يشير فيها محفوظ إلى تجبّر الفتوات وجنونهم، وما آلت إليه الحارة بسبب ممارساتهم، لوجدوا فيها معاني أكبر من بحثهم عن أوجه التشابه بين شخوصها والأنبياء.
في الصحف وعلى فيسبوك مراجعات للكتاب، وإعادة قراءة للرواية وظروف نشرها وما تركته من جدل لم يتوقف حتى بعد سنوات من استقرار نصل سكين في رقبة كاتبها. وفي الفيلم الذي عرضته "الجزيرة"، نرى جانباً من هذه المراجعات خلال أقل من نصف ساعة.
يحاول الفيلم عبر لقاءات مع نقاد أدبيين وأكاديميين وصحافيين ومفكرين إسلاميين أن يعيد ذات القراءة ويبحث عما أثار غضب الأزهر والإسلاميين، وجعل الرواية محرمة على سوق النشر المصري لأكثر من نصف قرن، لم تظهر فيها طبعتها المصرية سوى بعد رحيل كاتبها.
كما جرى سابقاً، تراوحت الآراء بين قراءة أخلاقية أو دينية أو رؤية فنية تسعى إلى فهم ما قصده صاحب نوبل من روايته التي انتقلت بتجربته من مرحلة الواقعية إلى الرمزية. أستاذ لغة عربية يراها حافلة بالألفاظ القبيحة التي لم تراع مشاعر القراء المسلمين، وآخر يرى في القراءة الدينية ظلما لتجربة غير مسبوقة في الأدب العربي.
يتفق عدد من النقاد الذين ظهروا في الحلقة، ومعهم المفكر الإسلامي محمد سليم العوا، مع رأي متأخر لمحفوظ نفسه ذهب إلى أن القراءة السياسية للرواية غابت لمصلحة القراءة الدينية التي نقلت الخلاف إلى مشاعر العامة التي هاجمت الشبه الشكلي بين شخوصها والأنبياء، وتركت ما قصده محفوظ بالفتوات الذين عاثوا في الحارة فساداً.
لم تغب تلك الرؤية عن رجال يوليو، وكانت تلك الرواية سبب لمحاولة ثانية للقبض على نجيب محفوظ، واكتفت الدولة حينها باستدعائه إلى مبنى المخابرات العامة ليحادثه صلاح نصر عما جاء في عمله، ويصرفه بعدها. لكن هذه القراءة لا تعجب الإسلاميين الذين يرون محفوظ بعيداً عن روح الصدام والنقد.
معضلة فنية أن تتصدى في خمس وعشرين دقيقة للحديث عن عمل مكتوب، تغيب الصورة ويتحول الأمر إلى لقاءات متفرقة، وهو ما حاولت هذه الحلقة أن تتجنبه ولم تنجح بشكل كامل. فالحيلة التي لجأ إليها صنّاعها هي الاستعانة بمقاطع من مسلسل إذاعي مأخوذ عن الرواية، وهي معالجة ركيكة لها وتؤيد الرؤية الدينية لانتقادها، فيما جاءت المقاطع المباشرة من الرواية أقل بكثير.
منع الرواية وقراءتها على هذا النحو كان قرارا سياسياً أم دينياً؟ مرت كل هذه السنوات والإجابة غائبة، رغم كل الشواهد التي تدعم وجهتي النظر. مواقف الدولة من الكاتب الكبير، والهجوم الديني الذي لا يتوقف على الرواية، ومواجهة الرجل لهذا كله بروحه المرحة ودعاباته، أو تجنبه للمواجهة، جعلت هذا الجدل غير محسوم رغم مرور هذه السنوات.
مَن كان الجبلاوي؟ ومَن عرفة؟ هل كان السؤال عن موت الإله ونهاية المواجهة بين الدين والعلم؟ أم أن محفوظ قصد أبعد من هذا؟ يقول محفوظ في مقطع نادر تورده الحلقة إن الرواية ليست حملة على الدين أو استهزاء بالأنبياء، بل تحاول أن تربط بين التاريخ والحاضر، تكتب الحاضر بلغة تاريخية.
ربما لو أتبع من هاجموا الرواية وكاتبها هذه العبارة باستعادة المقاطع التي يشير فيها محفوظ إلى تجبّر الفتوات وجنونهم، وما آلت إليه الحارة بسبب ممارساتهم، لوجدوا فيها معاني أكبر من بحثهم عن أوجه التشابه بين شخوصها والأنبياء.