أمورٌ كثيرة ملفتةٌ للانتباه ومثيرة للاهتمام في حكايات الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي. أساسًا، حكايات المهرجان غير منتهية. فمنذ انطلاقته عام 1946، شهد المهرجان مفارقات وتبدّلات ومسارات وارتباكات مختلفة، لكنه تمكّن سريعًا من فرض نفسه كأحد أبرز المهرجانات السينمائية الأولى في العالم.
عام 1938، ظهرت فكرة تأسيسه للمرّة الأولى، غير أنّ اندلاع الحرب العالمية الثانية حال دون تحقيقها: في 19 ديسمبر/ كانون الأول 1938، قدّم الثلاثي الفرنسي ـ المؤلّف من فيليب إيرلانجي (مدير "الجمعية الفرنسية للعمل الفني") والناقدين إيميل فويلّرموز ورينيه جانّ ـ فكرة "المهرجان الدولي للعالم الحرّ" إلى جان زاي، وزير التعليم العام حينها. هذا متأتٍ من متابعتهم المباشرة ـ قبل 3 أشهر فقط ـ للطريقة التي تمّت فيها إدارة "لاموسترا البندقية" ("مهرجان البندقية السينمائي الدولي" المؤسَّس عام 1932)، الخاضعة يومها لـ"خدمة" النازي أدولف هتلر والفاشي بينيتو موسّوليني.
عام 1938، ظهرت فكرة تأسيسه للمرّة الأولى، غير أنّ اندلاع الحرب العالمية الثانية حال دون تحقيقها: في 19 ديسمبر/ كانون الأول 1938، قدّم الثلاثي الفرنسي ـ المؤلّف من فيليب إيرلانجي (مدير "الجمعية الفرنسية للعمل الفني") والناقدين إيميل فويلّرموز ورينيه جانّ ـ فكرة "المهرجان الدولي للعالم الحرّ" إلى جان زاي، وزير التعليم العام حينها. هذا متأتٍ من متابعتهم المباشرة ـ قبل 3 أشهر فقط ـ للطريقة التي تمّت فيها إدارة "لاموسترا البندقية" ("مهرجان البندقية السينمائي الدولي" المؤسَّس عام 1932)، الخاضعة يومها لـ"خدمة" النازي أدولف هتلر والفاشي بينيتو موسّوليني.
قرار الموافقة صادرٌ من مكتب الوزير سريعًا. تحضيرات المهرجان الموعود ـ الذي أُريد له أن يكون ردًّا فنيًا وثقافيًا وإنسانيًا على تسلّط هتلر وموسّوليني على السينما ـ أدّت إلى تحديد موعد الدورة الأولى: من 1 إلى 20 سبتمبر/ أيلول 1939، فإذا بالحرب تندلع في الأول من سبتمبر/ أيلول نفسه، ما أدّى إلى تأجيل كلّ شيء إلى ما بعد نهايتها (2 سبتمبر/ أيلول 1945).
مع هذا، شهدت البدايات ارتباكات مختلفة، بعضها متأتٍ من مآزق مالية، ما دفع إلى عدم تنظيم الدورة الـ3 عام 1948، رغم نجاح الدورتين السابقتين. كما أن الدورة الـ4، التي كان يُفترض بها أن تُقام عام 1950، "تعطّلت" هي أيضًا، للأسباب نفسها. ثم استقام المسار التاريخي للدورات اللاحقة، التي سيثبت موعدها السنوي في مايو/ أيار، بدءًا من عام 1957، مع تنظيم الدورة الـ10 بين 3 و17 الشهر نفسه.
لكن مايو/ أيار هذا سيكون أشبه بـ"لعنةٍ" تحلّ على الدورة الـ21، المُقامة بين 10 و24 منه: عام 1968 هو عام "الثورة الشبابية والطالبية" في فرنسا والعالم، التي أسَّست انقلابات شتّى في مفاهيم حياتية وإنسانية ومعيشية، كما في أفكار وثقافات وحراكٍ اجتماعي ونظم تعليمية وتربوية ومسلكية.
قبل أيام قليلة على لحظة افتتاح تلك الدورة، أعلن روبير فافر لو بري ـ بصفته المندوب العام للمهرجان (1952 ـ 1972) ـ أن هناك "صعوبة للحصول على أفلام يُمكن اختيارها، وتكون متوافقة ونجاح المهرجان". لذا، اقترح على مجلس الإدارة عرض نسخة من "ذهب مع الريح" (1939)، الذي تناوب على تحقيقه 3 مخرجين هم فكتور فليمنغ (الوحيد الذي ذُكر اسمه في "جينيريك" الفيلم) وجورج كيوكر وسام وود.
يوم 18 مايو/ أيار بدَّل كلّ شيء: المناخ السائد في باريس انعكس "سلبًا" على "كانّ"، المدينة والمهرجان، وأفضى إلى إيقاف تلك الدورة، وإلى عدم إعلان النتائج ومنح الجوائز. ذلك أن سينمائيي ما سيُعرف لاحقًا باسم "الموجة الجديدة"، وأبرزهم فرانسوا تروفو وجان ـ لوك غودار، حوّلوا تلك الدورة إلى منصّة دعم للطلاب والشباب والعمّال، وأثّروا على الفرنسيَّين آلان رينيه وكلود لولوش والتشيكي الأميركي ميلوش فرومان والإسباني كارلوس ساورا، إلى درجة سحبهم أفلامهم ـ في 18 مايو/ أيار ـ من المسابقة الرسمية، "تعبيرًا عن دعمهم للمُضربين والمتظاهرين". في اليوم التالي، توقّف المهرجان.
حكايات "كانّ" غير منتهية. للدورة الـ71 حصّة في كتابة بعضها. أبرز الجديد كامنٌ في عنوانين اثنين: "عودة" الدنماركيّ لارس فون ترير إلى الـ"كروازيت"، والارتباك الحاصل بسبب اختيار "الرجل الذي قتل دون كيشوت" لتيري غيليام لعرضه في حفلة الختام. عودة الأول مثيرة للانتباه: عام 2011، أصبح فون ترير "شخصًا غير مرغوب فيه" في تلك الدورة (إلى درجة "طرده" من المهرجان والمدينة معًا)، بعد تصريحات مختلفة له إثر عرض "ميلونكوليا"، أثارت ضجّة كبيرة بعد تفسيرها بأنها تعبير عن "تعاطف السينمائيّ مع النازيين"، علمًا أن ترير أراد نوعًا من سخرية في تعليقاته تلك، بدءًا من إعلانه "حبّه الكبير" للمعماري الألماني ألبرت سبيير، الذي عيّنه هتلر وزيرًا.
رغم هذا، لم يُسحَب "ميلونكوليا" من التنافس على "السعفة الذهبية"، بل إنّ الأميركية كيرستن دانست فازت بجائزة أفضل ممثلة عن دورها فيه. هذا العام، يأتي لارس فون ترير إلى الدورة الـ71 مع فيلمه الأخير "المنزل الذي بناه جاك"، وإنْ خارج المسابقة.
العنوان الثاني يعكس مسارًا طويلاً من "اللعنات" والخيبات والإحباط. تيري غيليام يريد فيلمًا عن دون كيشوت منذ عام 1990. لكنه غير متمكّن من ذلك بسبب مصاعب جمّة، متعلّقة بارتباك الإنتاج، وتعرّض ممثلين لإصابات مختلفة أثناء التصوير، وعجز المخرج عن بلورة مسار متكامل لتحقيق مشروعه. اليوم، يواجه غيليام مأزقًا جديدًا: بعد إعلان إدارة مهرجان "كانّ" عزمها عرضه في ختام الدورة الـ71، تدخّل المنتج باولو برانكو فورًا، طارحًا مسألة انتهاء صلاحية تصدير الفيلم إلى الخارج، ومطالبًا الإدارة بمنع عرضه قبل بتّ الموضوع في إحدى محاكم باريس، التي تناقشه قانونيًا في جلسة تُعقد اليوم الاثنين، في 7 مايو/ أيار 2018.
فهل تحلّ لعنة جديدة على دون كيشوت الخاص بتيري غيليام؟