لا نعرف إن كانت النسخة التي يشاهدها الجمهور، الآن، من فيلم "طلق صناعي" هي تلك التي أفلتت من الرقابة بدون تعديلات، بعد تأخُّر إجازة الرقابة للفيلم. كما يقول القائمون على الجهاز، أم أنّها ما سمحت به يد الرقيب وتنازلات صُنّاع الفيلم، لكي يخرج للجمهور، بعد أن ظهر للمرة الأولى في مهرجان دبي السينمائي.
ربما دفعت تخوُّفات الرقباء على رقابهم إلى مزيد من الحذر لتجنُّب فهم بعض الإشارات، كتلك التي تظهر خلال أحداث الفيلم، حين كان الشخص الأعلى منصباً من رئيس الوزراء يهاتِف مدير أمن العاصمة، فانطلق الرنين بنغمة "بشرة خير"، فينصاعُ للأوامر فوراً، لتلمح لنا من يكون المتصل على الجانب الآخر. لكنّك، بعد الانتهاء من الفيلم ستسأل نفسك لماذا كانت كل هذه الضجة؟!
في تجربته الإخراجية الأولى، اختار خالد دياب مشروعاً عائليّاً من تأليفه مع أخويه محمد وشيرين. وتظهر الفكرة واضحة من خلال الإعلان التشويقي للفيلم. أسرة صغيرة تسعى لإنجاب طفلها على أرض أميركية للحصول على الجنسية، وتأمين مستقبله، كما يفعل كثيرون، لكن مفارقات عدة تحدث بعد ذلك هي خط الفيلم الأهم.
تصدَّرت حورية فرغلي تترات الفيلم كبطلة، كما هي العادة في الأفلام التي تنتجها شركة "نيو سينشري"، وتلاها في الترتيب ماجد الكدواني، البطل الحقيقي للفيلم الذي يقدم هذه المرة أيضاً أداء مميزاً كما هي عادته في تجاربه الأخيرة، التي ربما لم تعد مفاجأة، وأصبحت العلامة الأفضل في أي عمل، وإن كان التواضع سمة بقية العناصر كما حدث في فيلم "الأصليين" لمروان حامد.
يدخل حسين عبد السلام أمين (ماجد الكدواني) مع زوجته هبة (حورية فرغلي) إلى مقر السفارة الأميركية بالقاهرة بحثاً عن فيزا، لكنْ، ترفضهما الموظفة جنيفر (سالي عابد) مُجدداً، وتطلب منهما العودة بعد ستة أشهر، فيلجأ إلى حيلة قانونية أقنعه بها صديقه ويحاول أن يقنع بها زوجته أيضاً، إذْ ستلدُ في السفارة باعتبارها أرضاً أميركية.
ورغم وجود الثلاثي العائلي في فريق الكتابة، وبينهم محمد دياب الأكثر خبرة في الكتابة للسينما، إلا أن الفيلم جاء مليئاً بحوار ركيك أو غير منطقي أو مفتعل أو تلميحات تعليمية لجذب الضحكات بإلحاح ظهرت معالمه في أكثر من موضع خلال الأحداث، في شخصية مي كساب الكاريكاتورية التي لا تجيد الحديث بالإنكليزية، لكنها تطعم عباراتها بالمفردات الخاطئة، وهي شخصية قدمتها دنيا سمير غانم وإيمي سمير غانم مراراً في أعمالهما، وكذلك في شخصية المسلم الذي يتظاهر باعتناق المسيحية ليسافر إلى الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من دعائه بما ينال من اليهود والنصارى حين يطلب منه الموظف أن يصلي للمسيح إنقاذاً لهم وإثباتاً لادعائه.
كذلك ظهرت بوضوح في شخصية الأميركي العامل في السفارة الذي يزدري المصريين، ويردّد بين كل عبارة وأخرى أنه "يشم كدبهم"، كما أنه لا يحتفل بالفالنتنين في مصر، لأنّه لا يريد أن تستغلّه فتاة مصرية من أجل الحصول على "الغرين كارد!"، بالإضافة إلى تنميط واستسهال شديدين في تناول شخصيتي "سيد" و"عطية" اللذين يدعيان المثليّة الجنسيّة للحصول على حق اللجوء، فيصفان نفسيهما للموظف حين يسألهما عن سبب طلب اللجوء بأنهما "شمال".
خلال أحداث الفيلم، نرى إنعام سالوسة لمرة وحيدة في دور والدة هبة، حورية فرغلي، لكنّنا لا نعرف أي شيء بعد ذلك عن عائلتهما وحياتهما، ولا يتطرق أي منهما إلى دوافعهما في اتخاذ تلك الخطوة، غير الكلام السهل المكرر عن تأمين المستقبل والخوف منه، حتى الشخصيات المختطفة من مصريين وأميركيين لا نعرف عنهم أي شيء باستثناء فشل الدكتور سعيد الدراسي، وتزويره جواز السفر، الذي لم يهدف تناوله شيئاً سوى مزيد من محاولة صناعة كوميديا موقف أقرب إلى المسرح المدرسي. لا مساحة لاكتشاف الشخصيات وتاريخها، على الرغم مما يضج به الفيلم من جمل حوارية أقل أهمية من هذه الخطوط والتفاصيل، وعلى الرغم من وجود كل هذه الشخصيات في حيز كهذا طوال مدة يوم كامل.
أما عن الإخراج فقد بدا خالد دياب مرتبكاً تماماً، وأنقذت الفيلم موهبة أبطاله، باستثناء ماجد الكدواني بدا سيد رجب (اللواء حافظ) كأنه يؤدي واحدة من الشخصيات الكثيرة التي قدمها في أعمال أخرى، إذْ غطت خفة ظله وحضوره على الجمل التي لا تناسب مديراً لأمن العاصمة، وعبارات مسرحية مبتذلة كأحاديثه مع السفير الأميركي "احنا عاملين زيكم بس بشعر أصفر"، أحاديث تشبه ما كان يقوله محمد صبحي قبل عشرين عاماً في مسرحيته "ماما أميركا"، أما مصطفى خاطر "الدكتور سعيد" فذهب في أحيان كثيرة إلى أداء يشابه ما يقدمه في مسرح مصر، للبحث عن "إفيه" مضحك ينتزع به الضحكات.
بدت فكرة الفيلم واعدة، لكنها خرجت على الشاشة بعيدة تماماً عما يحتاجه هذا النوع من الأعمال من إتقان في رسم الشخصيات وكتابة حوار ذكي واستغلال لذلك الحيز الضيق الذي يجمع الأبطال، ويرصد تفاعلهم مع بعضهم، وما يجري في الخارج. ربما لو قارن الثلاثي دياب بين ما كتبوه وما ظهر في "الإرهاب والكباب" الذي تستدعيه إحدى شخصيات فيلمهم مصطفى خاطر حين يسأل "ولا كده هنبقى بنقلد ولا إيه؟" لاكتشفوا أن فكرة جيدة قد يضيعها التعجل وغياب الرؤية وتترك إحباطاً لا يتوازى مع ضجة غير مستحقة افتعلتها رقابة لا تجيد سوى تحسس رقاب الآخرين.
اقــرأ أيضاً
ربما دفعت تخوُّفات الرقباء على رقابهم إلى مزيد من الحذر لتجنُّب فهم بعض الإشارات، كتلك التي تظهر خلال أحداث الفيلم، حين كان الشخص الأعلى منصباً من رئيس الوزراء يهاتِف مدير أمن العاصمة، فانطلق الرنين بنغمة "بشرة خير"، فينصاعُ للأوامر فوراً، لتلمح لنا من يكون المتصل على الجانب الآخر. لكنّك، بعد الانتهاء من الفيلم ستسأل نفسك لماذا كانت كل هذه الضجة؟!
في تجربته الإخراجية الأولى، اختار خالد دياب مشروعاً عائليّاً من تأليفه مع أخويه محمد وشيرين. وتظهر الفكرة واضحة من خلال الإعلان التشويقي للفيلم. أسرة صغيرة تسعى لإنجاب طفلها على أرض أميركية للحصول على الجنسية، وتأمين مستقبله، كما يفعل كثيرون، لكن مفارقات عدة تحدث بعد ذلك هي خط الفيلم الأهم.
تصدَّرت حورية فرغلي تترات الفيلم كبطلة، كما هي العادة في الأفلام التي تنتجها شركة "نيو سينشري"، وتلاها في الترتيب ماجد الكدواني، البطل الحقيقي للفيلم الذي يقدم هذه المرة أيضاً أداء مميزاً كما هي عادته في تجاربه الأخيرة، التي ربما لم تعد مفاجأة، وأصبحت العلامة الأفضل في أي عمل، وإن كان التواضع سمة بقية العناصر كما حدث في فيلم "الأصليين" لمروان حامد.
يدخل حسين عبد السلام أمين (ماجد الكدواني) مع زوجته هبة (حورية فرغلي) إلى مقر السفارة الأميركية بالقاهرة بحثاً عن فيزا، لكنْ، ترفضهما الموظفة جنيفر (سالي عابد) مُجدداً، وتطلب منهما العودة بعد ستة أشهر، فيلجأ إلى حيلة قانونية أقنعه بها صديقه ويحاول أن يقنع بها زوجته أيضاً، إذْ ستلدُ في السفارة باعتبارها أرضاً أميركية.
ورغم وجود الثلاثي العائلي في فريق الكتابة، وبينهم محمد دياب الأكثر خبرة في الكتابة للسينما، إلا أن الفيلم جاء مليئاً بحوار ركيك أو غير منطقي أو مفتعل أو تلميحات تعليمية لجذب الضحكات بإلحاح ظهرت معالمه في أكثر من موضع خلال الأحداث، في شخصية مي كساب الكاريكاتورية التي لا تجيد الحديث بالإنكليزية، لكنها تطعم عباراتها بالمفردات الخاطئة، وهي شخصية قدمتها دنيا سمير غانم وإيمي سمير غانم مراراً في أعمالهما، وكذلك في شخصية المسلم الذي يتظاهر باعتناق المسيحية ليسافر إلى الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من دعائه بما ينال من اليهود والنصارى حين يطلب منه الموظف أن يصلي للمسيح إنقاذاً لهم وإثباتاً لادعائه.
كذلك ظهرت بوضوح في شخصية الأميركي العامل في السفارة الذي يزدري المصريين، ويردّد بين كل عبارة وأخرى أنه "يشم كدبهم"، كما أنه لا يحتفل بالفالنتنين في مصر، لأنّه لا يريد أن تستغلّه فتاة مصرية من أجل الحصول على "الغرين كارد!"، بالإضافة إلى تنميط واستسهال شديدين في تناول شخصيتي "سيد" و"عطية" اللذين يدعيان المثليّة الجنسيّة للحصول على حق اللجوء، فيصفان نفسيهما للموظف حين يسألهما عن سبب طلب اللجوء بأنهما "شمال".
خلال أحداث الفيلم، نرى إنعام سالوسة لمرة وحيدة في دور والدة هبة، حورية فرغلي، لكنّنا لا نعرف أي شيء بعد ذلك عن عائلتهما وحياتهما، ولا يتطرق أي منهما إلى دوافعهما في اتخاذ تلك الخطوة، غير الكلام السهل المكرر عن تأمين المستقبل والخوف منه، حتى الشخصيات المختطفة من مصريين وأميركيين لا نعرف عنهم أي شيء باستثناء فشل الدكتور سعيد الدراسي، وتزويره جواز السفر، الذي لم يهدف تناوله شيئاً سوى مزيد من محاولة صناعة كوميديا موقف أقرب إلى المسرح المدرسي. لا مساحة لاكتشاف الشخصيات وتاريخها، على الرغم مما يضج به الفيلم من جمل حوارية أقل أهمية من هذه الخطوط والتفاصيل، وعلى الرغم من وجود كل هذه الشخصيات في حيز كهذا طوال مدة يوم كامل.
أما عن الإخراج فقد بدا خالد دياب مرتبكاً تماماً، وأنقذت الفيلم موهبة أبطاله، باستثناء ماجد الكدواني بدا سيد رجب (اللواء حافظ) كأنه يؤدي واحدة من الشخصيات الكثيرة التي قدمها في أعمال أخرى، إذْ غطت خفة ظله وحضوره على الجمل التي لا تناسب مديراً لأمن العاصمة، وعبارات مسرحية مبتذلة كأحاديثه مع السفير الأميركي "احنا عاملين زيكم بس بشعر أصفر"، أحاديث تشبه ما كان يقوله محمد صبحي قبل عشرين عاماً في مسرحيته "ماما أميركا"، أما مصطفى خاطر "الدكتور سعيد" فذهب في أحيان كثيرة إلى أداء يشابه ما يقدمه في مسرح مصر، للبحث عن "إفيه" مضحك ينتزع به الضحكات.
بدت فكرة الفيلم واعدة، لكنها خرجت على الشاشة بعيدة تماماً عما يحتاجه هذا النوع من الأعمال من إتقان في رسم الشخصيات وكتابة حوار ذكي واستغلال لذلك الحيز الضيق الذي يجمع الأبطال، ويرصد تفاعلهم مع بعضهم، وما يجري في الخارج. ربما لو قارن الثلاثي دياب بين ما كتبوه وما ظهر في "الإرهاب والكباب" الذي تستدعيه إحدى شخصيات فيلمهم مصطفى خاطر حين يسأل "ولا كده هنبقى بنقلد ولا إيه؟" لاكتشفوا أن فكرة جيدة قد يضيعها التعجل وغياب الرؤية وتترك إحباطاً لا يتوازى مع ضجة غير مستحقة افتعلتها رقابة لا تجيد سوى تحسس رقاب الآخرين.