في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، كانت مدينة بابل جنوب العراق على وشك أن تكون ضمن أبرز المناطق المدرجة على لائحة التراث العالمي، غير أن أخطاء ارتكبت جعلتها خارج التصنيف، على الرغم من أنها أقدم المدن الأثرية الكاملة التي تحوي قصوراً ومبانيَ تعود إلى العهد البابلي.
"ص. ح" التي ترمز إلى اسم الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، ووُضعت داخل البناء الأساسي للمدينة خلال عملية ترميمها، أفقدتها أهم شروط ضمها إلى اللائحة، ما دفع العراق خلال السنوات الماضية إلى معالجة هذا الخطأ الذي كلف البلاد كثيراً، وفقاً لمهندس الآثار العراقي، وأحد أعضاء لجنة دعم جهود إدراج المدينة على قائمة "يونسكو"، أحمد سبتي.
وأخيراً، أعلنت "منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم" (يونسكو) هذا الأسبوع، إدراج مدينة بابل العراقية ضمن مواقع التراث العالمي. جاء ذلك خلال اجتماع لمفوضية التراث في الأمم المتحدة في العاصمة الأذرية، باكو، لاتخاذ القرار بإضافة المدينة إلى قائمة المعالم الهامة بالنسبة للبشرية، وهي المواقع المحصنة بموجب معاهدات دولية.
وقد حذرت منظمة "يونسكو" من أن هذا الموقع يعاني من أوضاع متدهورة، ويحتاج إلى جهد كبير للحفاظ عليه، علماً أنه كان مقراً لعروش إمبراطوريات عدة حكمها ملوك، مثل حمورابي ونبوخذ نصر. وأوضحت "يونسكو" في بيانها أن ارتباط المدينة بعجائب الدنيا السبع للعالم القديم -إذ تقع فيها جنائن بابل المعلقة- كان من العوامل التي جعلتها مصدرا للإلهام بالنسبة للثقافات الفنية والدينية على مستوى العالم.
وقالت ليزا آكرمان، المديرة التنفيذية الانتقالية للصندوق العالمي للآثار ومقره نيويورك، في تصريح صحافي إن المؤسسة الخيرية تعاونت مع الحكومة العراقية منذ 12 سنة، لإدراج بابل في قائمة التراث العالمي.
بدوره، أكد وزير الثقافة والسياحة العراقي، عبد الأمير الحمداني، في تصريحات عبر التلفزيون الرسمي العراقي، أن نتيجة التصويت كانت محسومة لصالح ملف بابل بعد أن رفعتها المنظمة من قائمة التراث المعرض للخطر. وأعرب الحمداني عن امتنانه للوفود الدولية التي ساندت ملف بابل الأثرية في مؤتمر "يونسكو".
Twitter Post
|
وقال الحمداني إن "مدينة بابل الأثرية أهم الصروح الحضارية في التاريخ الإنساني وأقدمها، وحمايتها وتطويرها مسؤولية دولية إلى جانب المسؤولية المحلية"، مشدداً على ضرورة استغلال هذا الحدث باتخاذ خطوات جادة وكبيرة بتنمية وتطوير مدينة بابل الأثرية وكامل المناطق الأثرية التي تملأ بقاع البلاد، لجعلها قبلة سياحية عالمية، ومنحها البريق الذي تستحقه أمام الأمم.
Twitter Post
|
من جهة ثانية، كشف قائد شرطة محافظة بابل علي الزغيبي في بيان صحافي، أن القيادة أخذت على عاتقها، وبالتنسيق مع وزارة الثقافة والسياحة والآثار، تحقيق شرط منظمة "يونسكو" المتعلق بتأمين مدينة بابل الأثرية وإبعادها عن العسكرة. وقد تم تحقيق الشرط من قبل الأجهزة المتخصصة، واعتماده ضمن المتطلبات المتحققة لإدراج مدينة بابل الأثرية على لائحة التراث العالمي.
تمثل آثار بابل الحضارة البابلية التي مرت بالعديد من السلالات الحاكمة التي استمرت منذ عام 1880ق.م إلى عام 500 ق.م، وكان أبرز من حكمها القائد حمورابي، والملك نبوخذ نصر. وأهم آثارها الحدائق المعلقة التي بُنيت عام 600 ق.م، بأمر من الملك نبوخذ نصر تكريما لزوجته، وسميت بالمعّلقة لأنها تنمو وتتدلى من شرفات القصور، وتعد من عجائب الدنيا السبع، إذ بُنيت على عقود بالحجر النفيس، وكانت النباتات تزرع على طبقات مختلفة تناسب الأشجار.
ومن كنوزها التراثية أيضاً مسلة حمورابي، وهي حجر الديوريت الأسود الذي دوّنت عليه شرائع الملك حمورابي، ويبلغ طوله ثمانية أقدام، وتظهر على هذه المسلّة التي تكسرت إلى ثلاث قطع قوانينه في القضاء والبيع والشراء والسرقة والزواج، والجيش، وأجور الحيوانات وغيرها فهي تشتمل على 300 مادة غطت العديد من أمور الحياة.
يُذكر أن بغداد تقدمت بطلب منذ عام 2010 لضم مدينة بابل الأثرية إلى لائحة التراث العالمي، إذ كانت آثار بابل، حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، مدرجة على لائحة منظمة "يونسكو" للتراث العالمي، قبل أن تحذفها المنظمة، بسبب التلاعب بمعالم المدينة الأثرية، وتغيير بعض المعالم، وإعادة بناء أجزاء من دون التقيد بالأسلوب العلمي.