كان موسم الدراما التلفزيونية المصري في رمضان 2018 أحد أضعف المواسم منذ عدة سنوات على الأقل. على الأغلب، بسبب الفجوة التي تركتها أسماء بقيمة تامر محسن ومحمد ياسين وكاملة أبو ذكري، اعتادوا تقديم "المسلسل الأفضل"، وحتى على الجانب التجاري، كان لغياب الممثل يوسف الشريف تأثير ملحوظ، إذ لم يقترب أي عمل من نجاح مسلسله "كفر دلهاب" في العام الماضي. في موسم رمضاني فاتِر، غلب عليه تأثير الرقابة والداخلية المصرية وقضايا الإرهاب، كانت تلك هي المسلسلات الأنجح، في نسب وأرقام المشاهدة، عام 2018:
كلبش 2
نجح الجزء الأول من مسلسل "كلبش" في العام الماضي، فحقق نسب مشاهدة مرتفعة جعلته ضمن أنجح ثلاثة أعمال حينها، وهو ما أغرى صنّاعه (بعد اقتراح من المطرب عمرو دياب حسب تصريح بطل المسلسل) باستمراره، وتحويل شخصية سليم الأنصاري، ضابط الداخلية الذي لعب دوره أمير كرارة، إلى شيءٍ على نمط جيمس بوند، البطل الشعبي والأسطوري الذي يحارب الأشرار. هذا الطموح، المقبول كمبدأ، اصطدم –فنياً- بكون الجزء الثاني يبدو وكأنه كُتِب في مكتب في وزارة الداخلية، حاملاً كل أشكال الدعاية الصريحة والملتوية للممارسات العنيفة في مصر، ومن بينها تبرير فاضح للاختفاء القسري على سبيل المثال. ورغم هذا التقيُّد وتحويل العمل إلى آلة دعائية، إلا أنه حقق نسبة المشاهدة الأعلى.
نسر الصعيد
لم يحقق أي مسلسل مصري في العقدين الأخيرين نجاحاً مثل نجاح "الأسطورة" لمحمد رمضان قبل عامين؛ لدرجة أن الناس في مصر، في الشوارع وعلى المقاهي، كانوا يفضلون مشاهدة المسلسل عوضاً عن مباريات بطولة كأس أمم أوروبا التي تزامنت مع شهر رمضان حينها. هذا النجاح "الأسطوري"، وإلى جانب أنه أفقد رمضان -الممثل- جزءاً من اتزانه؛ فصار دائم الحديث بهيسترية عن كونه "رقم واحد" و"الأنجح" (حتى مع ثلاثة أفلام متتالية فشلت في أن تكون "رقم واحد"!، فإن النجاح تحول أيضاً إلى شبحٍ، حاول نسخه وإعادته مرة أخرى في صورة "نسر الصعيد". في المسلسل الجديد ينسخ رمضان كل الخطوط والمفاتيح الدرامية التي يعتقد أنها سبب نجاح "الأسطورة": شخصيتان يقوم بدورهما (أخان هناك، وأب وابن هنا)، يموت الأخ والأب (بعد تعبير دائم عن كرمهما وارتباط المتفرج بهما)، فيذهب الأخ والابن الباقيان من أجل الانتقام. مع مشاهد يومية من الحركة والدراما والجمل الحوارية المسجوعة كعادته. ولكن المؤكد أن شخصية ضابط الشرطة أقل جاذبية للجمهور من بطل "الأسطورة"، والبعد الدعائي أيضاً (لدرجة وجود مشاهد كاملة لتدريبات الداخلية من دون أي رابط درامي) أثر كثيراً. وفي الأخير، فإن النسخة دائماً ما تكون أقل نجاحاً من الأصل، لذلك لم يقترب رمضان من سطوة عمله السابق، وبرغم نجاحه هذا العام فهو لم يكن "رقم واحد".
رحيم
استغل الممثل ياسر جلال النجاح المفاجئ الذي ناله في العام الماضي مع مسلسل "ظل الرئيس"، والذي جعله ضمن أكثر المسلسلات مشاهدة في 2017، ليكمل مع نفس المؤلف في مسلسله الجديد "رحيم"، وينجح مرة أخرى بخلطة ذكية لا يكرر فيها الشخصية ولا الأجواء؛ حيث يخلط هنا بين تفاصيل تاريخية وواقعية عاشها الناس (كبداية الأحداث بثورة يناير 2011 وسقوط رجال أعمال على صلة بنظام الحكم يكون من بينهم بطل المسلسل) وبين ثيمة الانتقام المحببة للجمهور (حيث يخرج رجل الأعمال الفاسد وينتقم ممن خانوه) لتكون النتيجة هي نجاحاً ثانياً كبيراً على التوالي، يضمن لجلال الاستمرار كنجم تلفزيوني لفترة أطول.
أيوب
لسنوات متتالية، حصر مصطفى شعبان نفسه في شريحة واحدة من الأدوار؛ حيث الشخص المزواج، الشعبي، الذي ينطق بجمل من قبيل "حبيبي يا ربنا"، ويكررها إلى ما لا نهاية، ولكن قراره بالتجديد هذا العام كان ذكياً وناجحاً، حيث اعتمد في "أيوب" على نفس ثيمة الانتقام (الشخص الضعيف المظلوم الذي يتحول لشخصٍ قوي منتقم)، والفارق في هذا العمل –عن "رحيم" مثلاً أو "طايع" و"أبو عمر المصري" التي تعاملت مع نفس الثيمة- هو الاستخدام الميلودرامي المباشر، في الشخصيات والتفاصيل ونوعية الخيانات، وهو أمر نجح جداً مع الجمهور، ليكون هذا العمل هو الرابع في قائمة الأنجح.
عوالم خفية
إذا كنت تحب عادل إمام، فلا بد وأنك تمنيت أن تشاهده مرة أخرى بعيداً عن يوسف معاطي؛ الكاتب الخاص بالنسبة له، والذي كتب كل أعماله خلال العقدين الأخيرين باستثناء فيلمي "عمارة يعقوبيان" (2006) و"زهايمر" (2010)، ومن بينها خمسة مسلسلات متتالية في السنوات الأخيرة، ظل "الزعيم" يكرر فيها نفسه.
"عوالم خفية" في المقابل كتبه ثلاثة كتاب شباب، ما أضاف الكثير من الاختلاف في العمل، تحديداً في حلقاته الأولى التي أسست بشكل جيد للغز وأجواء غامضة، وحتى مع التراجع الفني الكبير الذي أصاب العمل لاحقاً، فإنه ظل –بفضل جماهيرية عادل إمام التي لا تنضب- ضمن أكثر الأعمال الناجحة هذا العام.