افتُتحت الدورة الـ 17 لـ"مهرجان بيروت الدولي للسينما" مساء الأربعاء، 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بعرض "لا كورديلّيرا"، للأرجنتيني سانياغو ميتري. تصوير حسّي لوقائع الاختلاط المرير بين السياسة والمصالح والمال والسلطة، عبر شخصية رئيس أرجنتيني يُدعى هرنان بلانكو (ريكاردو دارين)، يخوض تجربة صعبة عشية انعقاد مؤتمر لدول أميركا اللاتينية، للبحث في كيفية توحيد الجهود الخاصّة بتجارة النفط. فالرئيس يجمع في ملامحه شخصية تجديدية في فن السياسة والحكم، كونه غير معروف سابقاً في هذا المجال، بل هو رجل عادي للغاية، يجد نفسه في مواجهة تحدّيات تبدأ داخل منزله العائلي (زوج ابنته المضطربة يشن حملات تحريضية ضده)، وتكاد لا تنتهي عند ارتباك العلاقات الدولية، وتداخل المصالح التجارية بشؤون الناس.
والبداية هذه تشي بحيوية سينمائية يمنحها برنامج "بانوراما"، الذي يُقدِّم أفلاماً حديثة الإنتاج (بين عامي 2015 و2017)، بينها فيلما الافتتاح والختام (12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري)، وهو فيلم تحريك بعنوان "فانسان المحبوب"، للبريطاني هيو فلكمان والبولندية دوروتا كوبييل.: 7 أعوام، و125 رسّاماً، و65 ألف إطار مرسوم يدوياً. هذه خلاصة الفيلم الذي يتناول آخر أيام الرسّام الهولندي فانسان فان غوغ، استناداً إلى أعمالٍ كثيرة له، وإلى 800 رسالة شخصية.
من جهة أخرى، هناك 3 أفلام عربية، مُنتجة عام 2016: الروائي الطويل "يوم للستات" للمصرية كاملة أبو ذكري، والوثائقيان "تحقيق في الجنّة" للفرنسي الجزائري مرزاق علواش، و"تاريخ السينما اللبنانية" لديانا مقلّد.
يتناول الأول حكايات متفرّقة لمجموعة من نساء إحدى المناطق الشعبية في قلب القاهرة، عبر مزيجٍ شفّاف وهادئ بين الواقعية البحتة والروح المرحة والكوميديا المبسّطة. وهذا كلّه انطلاقاً من لحظة إعلان نبأ تخصيص يوم واحد لهنّ في الأسبوع، لتمضيته في مسبح شعبي يُمنع الرجال من دخوله في اليوم نفسه. لكن هذا المشهد العام مفتوح على تفاصيل صغيرة، تعيشها كل واحدة منهنّ، في يوميات مثقلة بمرارة الزمن والذكريات القديمة، أو محمّلة بوطأة الخراب الراهن، أو مشحونة باضطرابات وارتباكات جمّة.
الوثائقي الجديد للجزائري علواش مختلفٌ تماماً، رغم انضمامه إلى حراك سينمائي عربي يعاين أحوال الراهن في المجتمعات العربية، خصوصاً بالنسبة إلى تنامي مسألة انضمام شباب كثيرين في المغرب العربي إلى صفوف الجهاديين في الشرق الأوسط. وذلك عبر مرافقة صحافية استقصائية شابة تدعى نجمة، تبحث في تلك الأسباب العميقة والمتنوّعة التي تحرّض الشباب على الالتحاق بالجهاديين، وفي سطوة الخطاب الديني المتزمّت الذي تبثّه وسائل تواصل مختلفة عبر شبكة الإنترنت. بينما اللبنانية ديانا مقلّد تذهب في اتجاه آخر، متّخذة تاريخ صناعة الأفلام في لبنان، منذ بداياته، كمرآة لكشف بعض التفاصيل المتعلّقة بسيرة بلدٍ وفنٍ وتحوّلات، إذْ تلتقي سينمائيين وفنانين يروون فصولاً من تلك السيرة، بين خمسينيات القرن الـ20 وستينياته، والأيام الحالية.
هناك أيضاً: "120 دقّة في الدقيقة" للفرنسي روبن كامبيّو، و"المريع" لمواطنه ميشال أزانافيسيوس، و"قتل الغزال المقدّس" لليوناني يورغوس لنثيموس.
يتناول الأول سيرة جماعة، مشغولة بنَفَسٍ توثيقي (خصوصاً في الجزء التعريفيّ، في بداية الفيلم)، وممعنة في تصوير العلاقات القائمة بين أناسٍ، يواجهون ارتباك الاجتماع الفرنسي، نهاية ثمانينيات القرن الـ20، إزاء تفشّي مرض "فقدان المناعة المكتسبة (سيدا)"، وانفضاض السلطة السياسية وأقطاب المختبرات العلمية عن كلّ دعمٍ ـ إنساني وطبي ونفسي ـ لمُصابين به، وإقامة مسافة بين هؤلاء وبين كثيرين غير منتبهين إلى جوانب إنسانية تتجاوز المرض وأسبابه ونتائجه.
بينما يروي "المريع" مقتطفات من حياة المخرج السويسري الفرنسي جان ـ لوك غودار، وعلاقته بآن فيازيمسكي (ستايسي مارتن)، عشية اندلاع "ثورة الطلاب" الفرنسيين في باريس، في مايو/ أيار 1968. في حين أن "قتل الغزال المقدّس"، يسرد حكاية جرّاح مرموق وامرأته طبيبة عيون، يعانيان تدخّلاً غريباً في حياتهما من قِبل صبي يفقد والده، فيتبنّاه الجرّاح، قبل أن ينقلب الصبي على العائلة كلّها، واضعاً الجرّاح أمام خيارات صعبة وقاسية وغير إنسانية.
من ناحية أخرى، اختار الفنلندي آكي كوريسماكي، في "الجانب الآخر للأمل"، حكاية لاجئ سوري يصل إلى هلسنكي بعد أن أضاع شقيقته التي نجت معه من قصف النظام السوري مدينة حلب، أدّى إلى مقتل أفراد عائلتهما جميعهم. لكن الحصول على لجوء رسمي دونه صعوبات وتحدّيات، وأحوال المدينة متناقضة السلوك إزاء اللاجئين، وأبناء البلد بعضهم مُصاب بأعطاب وتمزّقات ورغبات مكبوتة، وبعضهم الآخر بمشاعر عدائية وعنصرية.
من ناحية أخرى، يُعرض في برنامج "بانوراما" نفسه فيلماً بلغارياً بعنوان "اتجاهات"، لكومان داريف: ليلة واحدة تكشف انهيارات مدينة وناس وحالات، عبر متابعة دقيقة لحكايات سائقي سيارات الأجرة، الذين يروون فصولاً من يومياتهم وذكرياتهم وتمزّقاتهم وتبدّلات مدينتهم ومساراتهم. يقولون وجعاً وخوفاً وحزناً وغضباً، ويستعيدون زمن الحكم الشيوعي، كي ينتقموا ممن أساء إليهم حينها. صُور مشحونة بالتوتر والقلق، تماماً كالتوتر والقلق اللذين يُصيبان أناساً كثيرين، يبدو أنهم لا يزالون معلّقين بين ماضٍ مرير وراهن موبوء بالفساد والرشوة والفقر والضياع.
اقــرأ أيضاً
والبداية هذه تشي بحيوية سينمائية يمنحها برنامج "بانوراما"، الذي يُقدِّم أفلاماً حديثة الإنتاج (بين عامي 2015 و2017)، بينها فيلما الافتتاح والختام (12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري)، وهو فيلم تحريك بعنوان "فانسان المحبوب"، للبريطاني هيو فلكمان والبولندية دوروتا كوبييل.: 7 أعوام، و125 رسّاماً، و65 ألف إطار مرسوم يدوياً. هذه خلاصة الفيلم الذي يتناول آخر أيام الرسّام الهولندي فانسان فان غوغ، استناداً إلى أعمالٍ كثيرة له، وإلى 800 رسالة شخصية.
من جهة أخرى، هناك 3 أفلام عربية، مُنتجة عام 2016: الروائي الطويل "يوم للستات" للمصرية كاملة أبو ذكري، والوثائقيان "تحقيق في الجنّة" للفرنسي الجزائري مرزاق علواش، و"تاريخ السينما اللبنانية" لديانا مقلّد.
يتناول الأول حكايات متفرّقة لمجموعة من نساء إحدى المناطق الشعبية في قلب القاهرة، عبر مزيجٍ شفّاف وهادئ بين الواقعية البحتة والروح المرحة والكوميديا المبسّطة. وهذا كلّه انطلاقاً من لحظة إعلان نبأ تخصيص يوم واحد لهنّ في الأسبوع، لتمضيته في مسبح شعبي يُمنع الرجال من دخوله في اليوم نفسه. لكن هذا المشهد العام مفتوح على تفاصيل صغيرة، تعيشها كل واحدة منهنّ، في يوميات مثقلة بمرارة الزمن والذكريات القديمة، أو محمّلة بوطأة الخراب الراهن، أو مشحونة باضطرابات وارتباكات جمّة.
الوثائقي الجديد للجزائري علواش مختلفٌ تماماً، رغم انضمامه إلى حراك سينمائي عربي يعاين أحوال الراهن في المجتمعات العربية، خصوصاً بالنسبة إلى تنامي مسألة انضمام شباب كثيرين في المغرب العربي إلى صفوف الجهاديين في الشرق الأوسط. وذلك عبر مرافقة صحافية استقصائية شابة تدعى نجمة، تبحث في تلك الأسباب العميقة والمتنوّعة التي تحرّض الشباب على الالتحاق بالجهاديين، وفي سطوة الخطاب الديني المتزمّت الذي تبثّه وسائل تواصل مختلفة عبر شبكة الإنترنت. بينما اللبنانية ديانا مقلّد تذهب في اتجاه آخر، متّخذة تاريخ صناعة الأفلام في لبنان، منذ بداياته، كمرآة لكشف بعض التفاصيل المتعلّقة بسيرة بلدٍ وفنٍ وتحوّلات، إذْ تلتقي سينمائيين وفنانين يروون فصولاً من تلك السيرة، بين خمسينيات القرن الـ20 وستينياته، والأيام الحالية.
هناك أيضاً: "120 دقّة في الدقيقة" للفرنسي روبن كامبيّو، و"المريع" لمواطنه ميشال أزانافيسيوس، و"قتل الغزال المقدّس" لليوناني يورغوس لنثيموس.
يتناول الأول سيرة جماعة، مشغولة بنَفَسٍ توثيقي (خصوصاً في الجزء التعريفيّ، في بداية الفيلم)، وممعنة في تصوير العلاقات القائمة بين أناسٍ، يواجهون ارتباك الاجتماع الفرنسي، نهاية ثمانينيات القرن الـ20، إزاء تفشّي مرض "فقدان المناعة المكتسبة (سيدا)"، وانفضاض السلطة السياسية وأقطاب المختبرات العلمية عن كلّ دعمٍ ـ إنساني وطبي ونفسي ـ لمُصابين به، وإقامة مسافة بين هؤلاء وبين كثيرين غير منتبهين إلى جوانب إنسانية تتجاوز المرض وأسبابه ونتائجه.
بينما يروي "المريع" مقتطفات من حياة المخرج السويسري الفرنسي جان ـ لوك غودار، وعلاقته بآن فيازيمسكي (ستايسي مارتن)، عشية اندلاع "ثورة الطلاب" الفرنسيين في باريس، في مايو/ أيار 1968. في حين أن "قتل الغزال المقدّس"، يسرد حكاية جرّاح مرموق وامرأته طبيبة عيون، يعانيان تدخّلاً غريباً في حياتهما من قِبل صبي يفقد والده، فيتبنّاه الجرّاح، قبل أن ينقلب الصبي على العائلة كلّها، واضعاً الجرّاح أمام خيارات صعبة وقاسية وغير إنسانية.
من ناحية أخرى، اختار الفنلندي آكي كوريسماكي، في "الجانب الآخر للأمل"، حكاية لاجئ سوري يصل إلى هلسنكي بعد أن أضاع شقيقته التي نجت معه من قصف النظام السوري مدينة حلب، أدّى إلى مقتل أفراد عائلتهما جميعهم. لكن الحصول على لجوء رسمي دونه صعوبات وتحدّيات، وأحوال المدينة متناقضة السلوك إزاء اللاجئين، وأبناء البلد بعضهم مُصاب بأعطاب وتمزّقات ورغبات مكبوتة، وبعضهم الآخر بمشاعر عدائية وعنصرية.
من ناحية أخرى، يُعرض في برنامج "بانوراما" نفسه فيلماً بلغارياً بعنوان "اتجاهات"، لكومان داريف: ليلة واحدة تكشف انهيارات مدينة وناس وحالات، عبر متابعة دقيقة لحكايات سائقي سيارات الأجرة، الذين يروون فصولاً من يومياتهم وذكرياتهم وتمزّقاتهم وتبدّلات مدينتهم ومساراتهم. يقولون وجعاً وخوفاً وحزناً وغضباً، ويستعيدون زمن الحكم الشيوعي، كي ينتقموا ممن أساء إليهم حينها. صُور مشحونة بالتوتر والقلق، تماماً كالتوتر والقلق اللذين يُصيبان أناساً كثيرين، يبدو أنهم لا يزالون معلّقين بين ماضٍ مرير وراهن موبوء بالفساد والرشوة والفقر والضياع.