قدّم المخرج السوري، محمود حسن، مُؤخَّراً، فيلمه الوثائقي "فوق التعذيب"، والذي يروي قصص اعتقال وتعذيب عدد من المعتقلين السابقين. وفي لقاء خاص لـ"العربي الجديد"، مع محمود حسن، تحدث عن تجربته الفنية في فيلم "فوق التعذيب" قائلاً: "تناول ملف المعتقلين كان دائم الحضور في ذهني. وهذا الحاجز كان يرافقني حتى قبل أن تبدأ الثورة السورية، حيث كان لي أصدقاء وإخوة وأعمام عاشوا تجربة الاعتقال في سجون الأسد الأب. في ليالي صامتة وباردة، هكذا أذكر كيف سردت لي القصص والحياة التي عاشها المعتقلون حينها. وأذكر حينها حجم صدمتي والهلع الذي أصابني من أحاديثهم. لم يكن بمقدوري استيعاب فكرة أنني في كل يوم أمر بشوراع تحتها أقبية، يقبع فيها أشخاص يعذّبون بهذا الشكل الوحشي، وربما تكون هذه القصص هي التي شكلت وعيي السياسي، وموقفي المعارض لنظام الأسد الأب والابن، ولم يكن باستطاعتي صناعة فيلم عن المعتقلين وأنا داخل سورية، وحتى عندما كانت الثورة السورية في أوج اشتعالها. لذلك، عندما وصلت إلى تركيا، بدأت رحلتي في البحث عن جيل من معتقلي النظام، وكانت نتيجة البحث فيلم "فوق التعذيب".
رغم أنّ جميع الشخصيات الحاضرة بالفيلم ظهرت بأسمائها كاملة، ولكن لم تظهر سوى ملامح شخصيتين في الفيلم هما براء العقاد وأحمد مرعي. يعقب حسن على خوف المعتقلين، إلى اليوم، من الكشف عن وجوههم قائلاً: "أظن أن الخوف لا يزال قائماً. صحيح أن السوريين مع بداية الثورة السورية استطاعوا بشكل مبهر كسر حاجز الخوف، والخروج للشوارع، لكن حجم الوحشية المسعورة التي تم الرد بها على الثورة، أعادت بناء جدار من الخوف أقوى وأمتن من ذي قبل، إذ إن الخوف يتجاوز الخشية على الشخص بذاته، أي الذي يخرج بوجهه فاضحاً النظام، بل يتعداه إلى أهله وذويه وأحبائه ليصل لأبعد صلة قرابة؛ وهذا الأسلوب العصاباتي المافيوي هو الذي يكتم صوت المعتقل الناجي من سجون الأسد، والأكثر جرأة هم من يعلنون شهادتهم للتاريخ دون أن يُظهروا هويتهم. وأنا كسوري، وفي أول عرض للفيلم على شاشات التلفزيون ظهرت باسم مستعار، وهو الأمر الذي جعلني أبدو كمعتقل أنا الآخر، بطريقة أو بأخرى".
ويشير حسن إلى لقائه بمعتقلين رفضوا بشكل قطعي التعاون معه بالفيلم خوفاً من النظام: "هناك أشخاص أدلوا بشهادتهم وما زلت أحتفظ بنسخ عنها، هؤلاء الأشخاص بعد أن أجريت المقابلات معهم عادوا ورفضوا الظهور بالفيلم، إن بالصوت أو بالصورة؛ لكنني أتفهم ذلك وأحترمه، فليس هناك أي فيلم يستحق المخاطرة بحياة الشاهد أو ذويه. فحالة اليأس والإحباط مصحوبة بوحشية غير مسبوقة أعادت بناء جدران الخوف مجدداً، والجميع يدرك أن هذا النظام هو منظومة تقوم على الوحشية والهمجية، وهو عصي على الأنسنة. وبالنسبة للسوريين لم يتغير شيء، فجميعهم مشاريع اعتقال مؤجلة، وإذا دققنا برمزية شخصية "سيزار" الذي سرب صور المعتقلين الذين قضوا نحبهم تحت التعذيب، سنجده في جميع الصور التي التقطها، مديراً ظهره للكاميرا، وكأنه حنظلة السوري، فهو يدير ظهره لكادر الكاميرا خوفاً".
وفي "فوق التعذيب"، تمّ التركيز على طريقة الاعتقال والتعذيب على حساب إتمام القصص إلى نهايتها، فلم تسرد قصص النجاة، ويبرر حسن خياره: "أظن أنني حاولت البقاء متزناً ببناء قصة الفيلم المتمحورة حول التعذيب والاعتقال في سجون النظام السوري. وخلال سرد شهادات المعتقلين، لاحظت أن هناك مراحل زمنية مرت على النظام خلال الثورة هي التي تحكَّمت بأسباب الإفراج. ولكن بمجملها كانت تحمل رسائل تهديد علنية للمواطنين، ويفسر ذلك مراحل الاعتقال العشوائية التي كان النظام يقوم بها في المراحل الأولى للثورة. لذلك، فإن تفاصيل الإفراج عن المعتقلين تعتبر مبهمة وغير مفهومة، فالمعتقل الذي تعرض لتعذيب شارف من خلاله على الموت، لا يفهم كيف أفرج النظام عنه".