تداعيات حروب الصومال... شراك الذخائر غير المنفجرة والألغام تقتل الأطفال

13 أكتوبر 2024
يحاول أطفال الصومال توعية أقرانهم من الذخائر غير المنفجرة (العربي الجديد)
+ الخط -

تنتشر الذخائر غير المنفجرة والألغام المضادة للأفراد في مساحات شاسعة من الصومال الذي خاض صراعات عديدة ضد إثيوبيا ابتداء من 1964، ومن ثم الحرب الأهلية، واليوم المواجهة المستمرة مع حركة الشباب التي يدفع الأطفال ثمنها.

- صارت خيمة أسرة الطفل الصومالي أيوب مدثر دايو، عالمه الذي لا يمكنه أن يبرحه، ناهيك عن مغادرة مخيم العدالة للنازحين بضاحية مقديشو الجنوبية الذين يقيمون به ويعانون شظف العيش ومآسيه التي حلت على رؤوسهم، بعدما بترت قدماه جراء انفجار جسم غريب، صادفه بينما كان في طريقه إلى وسط العاصمة مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وقعت الحادثة بسبب فضول دايو وثلاثة من رفاقه، حاولوا اللعب بالجسم الذي حاولوا تفكيكه، لكنه انفجر وقتل أصدقاءه، بينما نجا دايو بأعجوبة، كما يقول وهو يسند ظهره إلى الوتد الأمامي للخيمة متألماً، ويتابع قبل أن تخنقه العبرات: "كنت أعمل في خياطة الأحذية، وأساهم في سد حاجة أسرتي وإطعامهم، ومن يومها صرنا بلا عائل".

يحلم دايو (15 عاماً) بكرسي متحرك، وهو واحد من بين "ألف ناجٍ يعانون من إصابات وإعاقات ناجمة عن 1100 حادثة تسببت فيها ذخائر غير منفجرة وألغام، أدت إلى قتل 400 ضحية خلال الفترة بين عامي 2005 و2022"، وفق ما توثقه دراسة صدرت في يونيو/حزيران 2023، عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية GICHD (منظمة غير ربحية)، بعنوان "نتائج التنمية المستدامة لمكافحة الألغام في الصومال"، وتوصلت إلى أن "غالبية الضحايا من الأطفال ومعظم الحوادث ناجمة عن الذخائر غير المنفجرة، بينما خلفت الألغام 140 ضحية متنوعة بين وفاة وإصابة".

تنتشر الذخائر غير المنفجرة والألغام في ولايات بونتلاند (شمال شرق) وغلمدغ (وسط) وهيرشبيلي (جنوب وسط) وجوبالاند (جنوب)، وولاية جنوب غرب الصومال، وفق ما يؤكده لـ"العربي الجديد"، عبد الرزاق نور محمد، الخبير الفني في مشروع مراجعة الإجراءات المتعلقة بالألغام Mine Action Review (مبادرة بحثية مستقلة في أوسلو)، والذي يشرح أن الحروب نشرت تلك الأجسام الخطرة في البلاد، ابتداءً من الصراع الحدودي بين الصومال وإثيوبيا في عام 1964، والذي تكرر في أعوام 1977 و1978 و1982، ومن ثم وقعت الحرب الأهلية التي استمرت منذ عام 1988 وحتى 2007، ثم المعارك المستمرة التي تقودها حكومة الصومال الفيدرالية ضد حركة الشباب الإرهابية.

 

من يدفع ثمن الصراع؟

"في فبراير/ شباط 2023، حددت الصومال 1114 منطقة ملوثة بالذخائر غير المنفجرة، وتغطي 169 كيلومتراً مربعاً في مختلف أنحاء البلاد"، بحسب بيانات تقرير "إزالة الألغام بالصومال - 2023"، الصادر عن مشروع مراجعة الإجراءات المتعلقة بالألغام، وهو ما يؤكده محمد إيمان، المدير السابق في قسم مكافحة الألغام التابع لوزارة الأمن في حكومة ولاية بونتلاند، والتي تصنف من أكثر الولايات الصومالية تضرراً من الذخائر غير المنفجرة والألغام، إذ "تنتشر تلك الأجسام الخطرة في 7.1 كيلومترات مربعة بحسب دراسة "نتائج التنمية المستدامة لمكافحة الألغام في الصومال".

أيوب مدثر دايو (15 عاماً) ضحية انفجار جسم غريب

ونتيجة اتساع رقعة التلوث بالذخائر غير المتفجرة، تفاقمت حوادث قتل الأطفال، إذ يؤكد موقع الأمم المتحدة، في 12 يوليو/تموز 2023، مقتل 22 طفلاً بسبب ذخائر غير منفجرة في منطقة شبيلي السفلى جنوبي الصومال خلال النصف الأول من العام الماضي، ما جعل البلاد أحد أخطر الأماكن على وجه الأرض بالنسبة للأطفال بعد عقود من الصراع. كما سقط 71 ضحية مدنية في 18 حادثة ذخائر غير منفجرة خلال العام الماضي، وفق ما جاء في تقرير دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام عن عام 2023.

1.114 منطقة ملوثة بالذخائر غير المنفجرة والألغام

ومنذ بداية 2020 وحتى فبراير 2023، سقط 156 مدنياً، بينهم 116 طفلاً في 156 حادثاً ناتجاً من مخلفات الحرب القابلة للانفجار، بحسب بيانات الهيئة الصومالية لمكافحة الألغام (حكومية)، ومن بين أحدث الوقائع ما جرى في يوليو 2024، حين قُتل خمسة أطفال وأصيب أربعة آخرون في حادثتين تابعهما فيصل عبد الله خيري، عمدة مديرية حريالي في ولاية غلمدغ، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن التحقيقات توصلت إلى أن انفجار جسم من مخلفات الحرب في غلمدغ تسبب في الحادثة.

تلا تلك الواقعة انفجار جسم غريب في أربعة أطفال بولاية غلمدغ بينما كانوا يلعبون به، ومن بينهم نجل عبدي صلاد، الذي يقول إن الحادثة وقعت في ساحة منزل مجاور لبيته بتاريخ 19 يوليو الماضي، وما تزال ذكرياتها المؤلمة تسيطر على أفكاره، إذ سمع صوت الانفجار فاتجه صوب الدخان المتصاعد ووجد ثلاثة أطفال مصابين والرابع كان توفي على الفور، وبسرعة حاول نقلهم إلى أحد مشافي مدينة عدادو بولاية غلمدغ، لكن نجله توفي قبل إسعافه.

 

تقييم أداء البرنامج الحكومي

يحمّل الناجون وذوو الضحايا الجهات المعنية مسؤولية تزايد حوادث الذخائر غير المنفجرة، ومن بينهم صلاد الذي يخشى من تفاقم أعداد الضحايا، قائلاً لـ"العربي الجديد": "مرت عقود بعد حرب الصومال مع إثيوبيا والصراع الداخلي، بينما الذخائر غير المنفجرة لا تزال تقتل أطفالنا"، ويتساءل: "إن لم يكن هذا تقاعساً حكومياً فماذا نسميه؟".

يدعم تلك الآراء، تقييم أداء البرنامج الوطني الذي أجراه مشروع Mine Action Review في عام 2023، والذي توصل إلى أن البرنامج لا يسير على الطريق الصحيح ولا يمكنه الوفاء بالموعد النهائي لتطهير الأراضي الصومالية من الأجسام غير المنفجرة في عام 2027، وكذلك تحقيق عملية الامتثال للمادة الخامسة من اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد التي تنص على أن "كل دولة طرف تضمن تدمير جميع الألغام المضادة للأفراد في المناطق التي تخضع لسيطرتها، على ألا تتجاوز فترة عشر سنوات من بدء نفاذ الاتفاقية"، بحسب ما جاء في تقرير "إزالة الألغام بالصومال - 2023"، الذي أشار إلى أن "الأداء العام للبرنامج الحكومي ضعيف".

كذلك لا يتوقع الخبير الفني السابق في مشروع مراجعة الإجراءات المتعلقة بالألغام، عبد الرزاق نور محمد، الانتهاء من إجراءات تطهير الأراضي الصومالية مع نهاية عام 2027، لأن "ما أنجز من عمليات المسح والتطهير خلال آخر خمس سنوات، لا يتجاوز 10% من المناطق الملوثة بمخلفات الحرب"، مشيرا إلى أن تلوث الأراضي بالذخائر والألغام أكبر بكثير من الإمكانات والقدرات المتوفرة لدى الجهات المعنية بمكافحة الألغام.

الصورة
عمليات المسح والتطهير لم تتجاوز 10% خلال آخر خمس سنوات
عمليات المسح والتطهير لم تتجاوز 10% خلال آخر خمس سنوات (Getty)

ويبرر مدير الهيئة الصومالية لمكافحة الألغام، طاهر عبد الرحمن عبدلي، تباطؤ البرنامج بقوله: "نواجه تحديات تخص المعلومات المتوفرة حول الأراضي الملوثة بمخلفات الحرب وشح الموارد المالية المخصصة لعمليات التطهير"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" على ضرورة توفير المزيد من الدعم المحلي والدولي. 

23 مليون دولار المبلغ المطلوب لتنفيذ خطة تطهير المناطق الخطرة

في عام 2022 بلغ حجم تمويل عمليات مكافحة الألغام ومخلفات الحرب ستة ملايين و790 ألف دولار أميركي، وتراجع الرقم إلى ستة ملايين و200 ألف دولار في 2023، ثم قل كثيراً وأصبح أربعة ملايين و700 ألف دولار مخصصة لعام 2024، بحسب البيانات الواردة في خطة العمل الصومالية لتنفيذ المادة الخامسة من اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد APMBC. في المقابل يؤكد الخبراء والبيانات التي جمعها "العربي الجديد" أن المبلغ الإجمالي المطلوب لتنفيذ خطة العمل يتجاوز 23 مليون دولار للأعوام من 2022 حتى 2027.

 

الأطفال يحاولون توعية أقرانهم

فقدت سلمى محمد أبشر (8 أعوام) ذراعيها وأصيبت بجروح خطيرة بسبب انفجار جسم غريب في الفناء الأمامي لمنزلها بمديرية هلوا شمال العاصمة مقديشو، في الثالث من يناير/كانون الثاني 2019، وفق ما روته والدتها نعيمة عبد الله نور لـ"العربي الجديد"، قائلة: "اثنان من أشقاء سلمى أصيبا بجراح في تلك الحادثة".

نعيمة عبد الله نور: والدة الضحية سلمى أبشر

ورغم مرور خمس سنوات على الحادثة، إلا أن أبشر لم تنسها، بحسب ما تروي لـ"العربي الجديد": "عثر زميلي في المدرسة على جسم ملقىً على جانب الطريق، كنا نظن أنه كوب صغير أو لعبة، وألقينا بها لمعرفة ما بداخلها وفجاة وقع الانفجار"، وبعدها ظلت في المشفى تعالج على نفقة أسرتها لمدة خمسة أشهر، دون تلقي أية تعويضات عما لحق بها وبأخويها.

وعقب تحليل بيانات الحادث، توصل الخبير عبدلي إلى أن الجسم المنفجر هو نوع من القنابل اليدوية المنتشرة في مدن وضواحي جنوب ووسط الصومال، ويعيد سبب عدم تحقيق العدالة ودفع تعويضات للضحايا، إلى أن الذخائر غير المنفجرة المنتشرة في أجزاء واسعة من البلاد، استخدمت في أتون الحرب الأهلية على مدى العقود الماضية، ما يصعب عملية تحديد الجهات الفاعلة، والتي تعد من مسؤولياتهم، لكن بسبب الظروف التي تمر بها البلاد لا تتمكن الهيئة المعنية بمكافحة الألغام من القيام بالأمر، يقول عبدلي.

يتابع أن لديهم قسماً خاصاً بمساعدة ضحايا الألغام والمخلفات الحربية، إذ تنفذ الهيئة برنامجاً لدمج الناجين واستيعابهم في برامج مجتمعية تحسن سبل العيش، وحتى اليوم استفاد منها 600 مصاب.

لكن خدمات إعادة التأهيل، بما في ذلك العلاج الطبيعي والوظيفي التأهيلي، لا تستجيب إلا لحاجات 20% من المصابين، بحسب دراسة "نتائج التنمية المستدامة لمكافحة الألغام في الصومال"، ويؤكد الناجون ما سبق خاصة أنهم يحتاجون إلى أطراف صناعية، إذ يقول دايو: "أتمنى أن أتمكن من المشي مرة ثانية".

سلمى أبشر: فقدت ذراعيها بجسم منفجر

وبسبب تكرار وقوع الحوادث خاصة الأطفال قررت أبشر تقديم محتوى على تطبيق "تيك توك"، يحذر نظراءها من مخاطر اللعب بالأجسام الغريبة، وتعتمد على شرح ما حل بها بعد الحادثة المؤلمة، والتي لا تؤثر على الضحية فقط، بل تدفع الأسرة بكاملها ثمنها.