تلاحق السلطات النرويجية متطوعين يساعدون اللاجئين بتهم الاتجار بالبشر، رغم تواصل بعضهم مع السلطات ومدهم بكافة المعلومات حول هوية الفارين من سورية وأوكرانيا، وبالتالي يعرقل الخوف من العقاب القانوني العمل الإنساني.
- يعتذر الناشط النرويجي ميخائيل إيزيومتسيف، والذي يعيش في بلدة كريستيانساند جنوب البلاد، عن مساعدة اللاجئين الأوكرانيين الذين يتصلون به من أجل إدخالهم إلى النرويج بسبب عدم امتلاكهم جوازات سفر بيومترية (إلكترونية)، إذ كان إيزيومتسيف قد حصل على إجازة من عمله مديرا تنفيذيا لشركة نرويجية من أجل الذهاب إلى الحدود بين بولندا وأوكرانيا مع 10 متطوعين آخرين في فبراير/شباط 2022 وساهموا في مساعدة الفارين من الحرب.
"كانت الأولوية للنساء والأطفال ونجحنا في نقل 450 منهم إلى فندق في بولندا وتحملنا التكلفة المادية، في المقابل كان نحو 500 شخص لا يحملون جوازات سفر بيومترية ولم نتمكن من مساعدتهم تجنبا لاتهامنا بالاتجار وتهريب البشر من قبل السلطات النرويجية" كما يقول إيزيومتسيف، نظرا لأن اللوائح الخاصة بالدخول إلى النرويج والصادرة عن مديرية الهجرة النرويجية (UDI) تحظر إدخال الأجانب الذين لا يمتلكون جواز سفر بيومتريا وتؤكد في المعلومات المنشورة على موقعها الإلكتروني أن هذا ينطبق على طالبي اللجوء الأوكرانيين أيضا، وبشكل محدد ذكرت "حتى لو كانت النية جيدة، فإن نقل الأشخاص بدون الوثائق الصحيحة كجواز السفر البيومتري يتم اعتباره تهريبا للبشر ويعاقب عليه القانون".
ويعتبر إيزيومتسيف "أنه من العار أن تتعامل النرويج في وقت الحرب وفق قاعدة السماح لمن يحملون جوازات سفر بيومترية فقط بعبور الحدود، وأن توجه السلطات النرويجية الاتهام بالاتجار بالبشر لكل من ينقل أشخاصا دون وثائق إلى النرويج".
وبالفعل فإن وحدة الجريمة المشتركة لشرطة منطقة أوستفولد جنوب شرق البلاد ولإقليم أوسلو أكدت في ردها المكتوب على "العربي الجديد" أن نقل الأشخاص الذين ليس لديهم وثائق سفر صالحة عبر الحدود يعد جريمة جنائية بموجب القانون النرويجي، حتى لو كانوا من طالبي اللجوء، وسُجلت 35 قضية اتجار بالبشر بحق نشطاء لإدخالهم لاجئين سوريين إلى أراضي النرويج عام 2015، من بينها 21 قضية في مقاطعة أوستفولد، نظرا لوجود جسر Svinesund (سفينيسوند) فيها، والذي يربط أوسلو وبقية النرويج مع غوتنبرغ ومالمو في السويد وكوبنهاغن في الدنمارك وبقية أوروبا، أما وقت اندلاع الأزمة الأوكرانية فسُجلت 20 قضية من هذا النوع بحق نرويجيين ساعدوا أوكرانيين لا يحملون جوازات سفر بيومترية في عبور الحدود.
كيف تتحول مساعدة اللاجئين إلى اتجار بالبشر؟
أدينت النرويجية آنا هارالد وثلاثة نشطاء آخرين بالاتجار بالبشر عقب نقلهم لاجئين سوريين في سبتمبر/أيلول عام 2015 بواسطة مركبتين انطلقتا من السويد إلى جسر Svinesund (سفينيسوند)، ولم يكن هناك أي تنسيق مسبق بين الناشطين المتطوعين واللاجئين الذين تتم مساعدتهم، إذ يذهبون إلى النقطة الحدودية بين النرويج والسويد لتقديم العون، ولدى مرورهم بنقاط التفتيش جرى اعتقالهم ووجهت إليهم تهمة بالاتجار بالبشر، وحتى بعد سماع الشرطة لأقوالهم لم يتم إطلاق سراحهم بل أحيلوا للقضاء بحسب هارالد التي تقول في روايتها "عاملتنا الشرطة كما لو كنا نحمل إرهابيين ولم تظهر أي تفهم، حتى عندما حاولنا توضيح أنهم لاجئون".
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، وبعد سماع شهادات اللاجئين السوريين قررت محكمة أوسلو معاقبة هارالد ورفاقها بغرامة مالية قدرها 5000 كرونة نرويجية أي ما يعادل 490 دولارا لكل منهم، استنادا إلى القسم 28 من الفصل الرابع في قانون الهجرة النرويجي المعدل في 20 أبريل/نيسان عام 2018، والذي يقضي بالغرامة أو بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، لأي شخص يساعد أجنبيا على البقاء بشكل غير قانوني في البلد.
ويوضح رئيس وحدة الجريمة المشتركة لشرطة منطقة أوستفولد وإقليم أوسلو، توم إريك جوتولسرود لـ"العربي الجديد" بأن نقل أشخاص ليس لديهم وثائق سفر صالحة عبر الحدود جريمة جنائية بموجب القانون النرويجي، حتى لو قدم من ساعدوهم المعلومات والتقارير عن نشاطاتهم للشرطة، معتبرا أن "من يريدون بدافع حسن النية مساعدة اللاجئين على الدخول إلى البلاد، يزيدون الوضع سوءا، بإدخال أشخاص بطريقة غير شرعية، وهؤلاء القادمون سواء كانوا من طالبي اللجوء أو غيرهم سيتحولون إلى جزء من تحقيقات الشرطة أيضا".
ولا تقتصر الملاحقة القانونية على مقدمي المساعدة الإنسانية لطالبي اللجوء فحسب، إذ اتُهمت المحامية راندي هاغن سبيديفولد بالاتجار بالبشر بسبب مساعدتها للفتاة الإيرانية مينيج رافاندوست والتي كانت مقيمة في النرويج، قبل أن نتنقل إلى بلدها الأصلي وتحتجزها أسرتها في المنزل نتيجة رفضها الزواج من ابن عمها عام 2004، خلال هذه المدة، حاولت رافاندوست الاتصال بالسفارة النرويجية لأنها تريد العودة إلى النرويج، لكنها لم تتلق استجابة كونها فقدت حقها في الإقامة بعد مرور عامين على تواجدها في إيران، ثم نجحت بالوصول إلى المحامية سبيديفولد وطلب المساعدة منها عن طريق معلمها في النرويج، وكشفت لها قصة احتجازها من أجل أن تساعدها في العودة إلى النرويج، كما تروي سبيديفولد لـ"العربي الجديد" قائلة: "تعاملت مع إنسانة تعاني من ضائقة شديدة، لقد كنت قلقة من أن تُقتل، ولا يمكن للإنسان أن يثني نفسه عن المساعدة بسبب القواعد، لم أهتم باحتمال فقدان رخصة المحاماة بسبب الأمر، حقيقة لا أريد أن أصبح محامية إذا لم يكن بإمكاني مساعدة شخص ولم أقم بمساعدته بسبب القوانين والخوف من التهم التي يمكن أن توجه لي"، مضيفة أنها سلمت الفتاة إلى شرطة أوسلو، والتي وجهت لها تهمة الاتجار بالبشر، ثم أحيلت إلى القضاء وامتدت المحاكمة سبعة أشهر حتى قامت شرطة أوسلو بإسقاط التهمة في أكتوبر عام 2009.
الخوف من العقاب يعرقل العمل الإنساني
يشعر مورتن كروسليد، القس في كنيسة نوتودن في مقاطعة تلمارك جنوب البلاد بالإحباط من القانون الذي يمنع مساعدة اللاجئين ويتركهم بلا مأوى آمن، ولم يجد سبيلا لمد يد العون لكل اللاجئين الأوكرانيين الذين وصلوا إلى محطة السكك الحديدية في كراكوف ببولندا التي شكلت محطة لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين ومنفذا إلى دول أوروبية أخرى، وعددهم يقارب المائة، بعد أن عبروا الحدود هربا من أهوال الحرب.
تمنع النرويج لاجئين لا يملكون جوازات بيومترية من دخول أراضيها
وتجول كروسليد ومساعدوه حاملين يافطات عليها عبارات تشير إلى استعدادهم لنقلهم إلى النرويج وتأمينهم عبر 4 حافلات أرسلتها الكنيسة ضمن أنشطتها التطوعية لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين، وفي كل حافلة سائقان وطبيب وممرضة وقس ومترجم، لكن الشرط الوحيد بأن يمتلك من يريد الذهاب إلى النرويج جوازات سفر بيومترية، ليتم تسليمهم إلى إدارة الهجرة النرويجية ويقدموا أوراقهم الثبوتية وطلب لجوء، واضطر كروسليد ومن معه للاعتذار إلى 80 لاجئا لا يمتلكون جواز السفر هذا، معتبرا أن "السماح لمن تتيح له قدرته المالية التنقل والسفر واستخراج جواز بيومتري باللجوء إلى بلد آمن بينما يترك الآخرون على الحدود تصرف غير إنساني"، مشيرا إلى أنهم تحدثوا إلى مديرية الهجرة النرويجية، والنائب العام والمدعي العام للدولة، لكنهم لم يحصلوا على استثناء من القانون للأشخاص الذين لا يملكون جوازات سفر بيومترية، وهم الغالبية من اللاجئين.
قوانين مقيدة
يُعدّ "ما يحدث في النرويج، من تضييق واستهداف للمدافعين عن حقوق الإنسان، جزءا من مجموعة متنوعة من الإجراءات المقيدة والعقابية التي تستخدمها حكومات أوروبية ضد أفراد ومنظمات تدافع عن حق الناس في النزوح، بما في ذلك استخدام قوانين الهجرة ومكافحة الإرهاب لوضع قيود لا مبرر لها على الحق في الدفاع عن حقوق الإنسان"، بحسب ما يؤكده تقرير نشرته منظمة العفو الدولية في 3 مارس/آذار 2020 حمل عنوان "المعاقبة على التعاطف الإنساني: أنشطة التضامن تخضع للمحاكمة في أوروبا الحصينة"، إذ يتطابق ما جاء في التقرير مع ما يوثقه تحقيق "العربي الجديد"، والذي يكشف عن اتهام نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان بـ "تسهيل الدخول غير القانوني" بعد توزيع ملابس دافئة، أو عرض سكن أو إنقاذ أشخاص في محنة في البحر.
55 قضية اتجار بالبشر سُجلت بحق نرويجيين ساعدوا اللاجئين
وتصف بيات إكلوف سليدال Beate Ekelove Slydal، المستشارة السياسية لمنظمة العفو الدولية في النرويج، في ردها المكتوب على "العربي الجديد"، التعامل مع مقدمي المساعدة للاجئين وطالبي اللجوء كمجرمين ومحاكمتهم، بـ"الاقتراب من الوصول إلى الحضيض التام"، "والنرويج من الدول التي تلاحق من يساعد اللاجئين قانونيا، لذلك لا بد لها من إعادة النظر في صياغة القوانين التي تحاسب المتطوعين ممن يساعدون اللاجئين".
ومن اللافت أيضا أن توجيه تهمة الاتجار بالبشر، طاول صحافيين لمشاركتهم في تغطية قضية المحامية سبيديفولد عندما واجهت تهمة الاتجار بالبشر نتيجة قيامها بعمل إنساني، بحسب ما تكشفه أني أوغيندال، رئيسة تحرير الشبكة الإعلامية NRK Ostfold (ن ر ك أوستفولد)، والتي حوكم اثنان من مراسليها وهما آنيا ليلي رود، وسيباستيان نورد لي، بذريعة أنهما انتهكا قانون الهجرة بدعم قضية دخول الفتاة الإيرانية إلى البلاد بشكل غير قانوني، قائلة إنها "غير مقتنعة بتلك التهم الموجهة ضد مراسلي الشبكة ولا ترى أنهم ارتكبوا فعلا غير قانوني".