ضحايا مكافحة الفساد... عمال الجزائر يدفعون ثمن محاكمات رجال الأعمال
انضم العامل الجزائري حمزة سليماني إلى زملائه ممن يعانون من البطالة إثر تسريحه من العمل بعد 16 عاما من الخدمة في مجمع حداد للأشغال العمومية، المملوك لرجل الأعمال علي حداد، والموقوف بتهم فساد جرت وقائعها خلال عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد قرار صادر عن المتصرف الإداري السابق المعين من مجلس قضاء الجزائر لتسيير أعمال المؤسسة.
وتكررت معاناة سليماني، الذي عمل مساعد سائق في مجمع حداد، بعقد مؤقت يتم تجديده سنويا، مع عشرة عمال سُرحوا من المجمع، بعد حبس المالك، وفق إفاداتهم التي وثقها معد التحقيق. ويؤكد نبيل كيحل، عضو نقابة العمال في المجمع، لـ"العربي الجديد"، أن المتصرف الإداري السابق سرح ألفي عامل، مستغلا أن عقودهم مؤقتة، وهؤلاء أكثر عرضة للفصل مقارنة بمن يعملون عبر عقود دائمة.
وجرى تسريح 400 ألف عامل نتيجة محاكمة رجال أعمال بتهم فساد منذ تنحية الرئيس السابق، إضافة إلى تداعيات فيروس كورونا (كوفيد -19) على الاقتصاد، بحسب تأكيد رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين محمد سامي عقلي، الذي أوضح أن قطاعات عدة تأثر العاملون فيها بعد محاكمات الفساد، ومنها الأشغال العمومية والبناء والسيارات والسياحة والصناعة والخدمات والتجارة. وتابع قائلا لـ"العربي الجديد": "التأثر الكبير يرجع إلى أن القطاع الخاص يُشغل أكثر من 60% من اليد العاملة بالجزائر".
تفاقم التسريح القسري والطوعي للعمال
أصدر مجلس قضاء الجزائر، في 22 أغسطس/ آب 2019، أوامر بـ"تعيين ثلاثة متصرفين إداريين من الخبراء الماليين المعتمدين، أوكلت إليهم مسؤولية مجمعات حداد وطحكوت (يعمل في قطاع السيارات)، لصاحبه محيي الدين طحكوت، وكوجيسي، المملوك لعائلة كونيناف، وفق أحكام القانون التجاري وتحت وصايته ورقابته، عملا بتدابير قانون الإجراءات الجزائية، للحفاظ على استمرارية نشاطات هذه المؤسسات وضمانا لمناصب الشغل وللوفاء بما عليها من التزامات تجاه الغير. على أن تتخذ الإجراءات نفسها في باقي الملفات التي يوجد بها مسيرون لمؤسسات خاصة محل تدابير قضائية بسبب فتح متابعات جزائية ضد أصحابها".
لكن بعض المتصرفين الإداريين فشلوا في المهام التي جرى اختيارهم لها، وأهمها المحافظة على مناصب الشغل، وفق تقييم البرلمانية عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي إيمان بوشملة، التي تضرب مثالا بما حدث في ولاية جيجل التي تمثلها، إذ فشل المتصرف الإداري في الحفاظ على استمرارية العاملين في مجمع حداد، كما تقول لـ"العربي الجديد".
وتكررت تداعيات إنهاء عقود العمال ومعاناتهم من البطالة في شركات أخرى يملكها رجال أعمال محسوبون على النظام السابق، ويحاكمون بتهم فساد، منهم عائلة بن حمادي، ملاك مجمع كوندور المتخصص في الصناعات الإلكترونية، والذي سرح 3700 عامل في 2019 بسبب الصعوبات المالية التي عرفها بعد متابعته من قبل العدالة، وفق مصدر بالمجمع (رفض ذكر اسمه، لأنه غير مخول بالحديث للإعلام).
لكن مجمع طحكوت اقترح تسريحا طوعيا مقابل دفع مكافأة نهاية الخدمة، حسبما يقول العامل السابق في المجمع سمير أحمد، موضحا أن العرض الذي استجاب له مع بعض زملائه كان من أجل تسوية نهاية الخدمة وتجنب الوقوع في أزمة عدم تلقي رواتبهم التي كانوا في الطريق إليها، في وقت تعيش فيه مؤسسة شبيهة صعوبات بسبب تجميد حساباتها البنكية، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد".
المسار ذاته ولجت إليه شركة رونو الجزائر (رينو للسيارات)، بولاية وهران، شمال غربي الجزائر، التي اتفقت، في التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع ممثلي العمال على فتح باب المغادرة الإرادية لكل العمال بجميع رتبهم، ابتداء من 22 نوفمبر الماضي وحتى 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وشملت المرحلة الأولى 476 عاملا، مع تعويضات مالية بحسب كل فئة من الفئات الثلاث التي حددها الاتفاق الجماعي للمغادرة الإرادية بين إدارة المجمع وممثلي العمال، والذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه.
بالمثل فعلت إدارة مجمع سوفاك للسيارات التابع لرجل الأعمال المحبوس مراد علمي، والتي طرحت على العمال التسريح الطوعي مقابل دفع تعويضات مالية عبارة عن أجر ثلاثة شهور للعمال الدائمين، وتعويض العمال المتعاقدين براتب شهر واحد فقط، وهو ما أثار رفضا، كما يقول أحمد خيري، العامل في المجمع.
معاناة في انتظار الأجور المتأخرة
من لم يشملهم سيف التسريح من المؤسسات التي يحاكم أصحابها بتهم فساد، ليسوا أوفر حظا من زملائهم المفصولين، إذ لم يحصلوا على أجورهم لفترات طويلة، وصلت في حالات وثقها معد التحقيق إلى 9 أشهر، إضافة إلى حرمان بعضهم من العطل السنوية وإلغاء بعض المنح والامتيازات المتعلقة بالنقل والإيواء والإطعام، وفق ما أكده العمال الذين التقاهم معد التحقيق في مجمع حداد، ومنهم رضا ميموني، الذي عانى من عدم دفع راتبه لتسعة أشهر في مصنع بطيوة للأنابيب الحلزونية بوهران التابع للمجمع، وأضاف قائلا لـ"العربي الجديد": "أتدبر أموري بعمل إضافي خارج ساعات الدوام وفي أيام العطل الرسمية، لكن المال الذي أحصل عليه لا يكفي لإعالة أسرتي المكونة من 3 أفراد".
ونفذ عمال المجمع إضرابات في ولايات بشار، جنوب غرب الجزائر، وسطيف، شمال شرق وولاية غليزان، وتيارت، شمال غربي الجزائر، فضلا عن وقفات احتجاجية أمام مقر الإدارة المركزية لمجمع حداد بالدار البيضاء، شرق العاصمة الجزائر، لكنها تقابل بعدم اكتراث المتصرف الإداري، وفق ما أكده العمال.
وفي رد مكتوب من المديرية العامة لمجمع حداد جرى توجهيه إلى موظفي المجمع في 18 نوفمبر الماضي، وصفت الإدارة الإضرابات بـ"غير الشرعية"، لكن الرد استدرك بأن "مديرية المجمع تعمل بجدية على توفير الإمكانيات المالية اللازمة لدفع الأجور المستحقة والمتبقية لـ2019/2020". لكن الأمر تأخر كثيرا، وفق ما أكده العمال لـ"العربي الجديد".
ويعاني العمال المفصولون وغير المفصولين من تبعات الأجور المتأخرة، وفق إفادة كيحل، عضو نقابة العمال بمجمع حداد، الذي يؤكد أن بعض العمال وصلوا إلى الانفصال عن زوجاتهم بسبب تراكم المشاكل الأسرية جراء عجزهم عن التكفل بعائلاتهم، فضلا عن تعرض البعض لنوبات قلبية نتيجة لذلك، مشيرا إلى وفاة عامل يتحدر من ولاية بومرداس، شمال الجزائر، في حادثة دهس بينما كان يهم بقطع السكة الحديدية للمشاركة في احتجاج للعمال أمام مقر الإدارة المركزية لمجمع حداد بالدار البيضاء، إضافة إلى عمال توفوا دون أن يتم إنصافهم أو يتلقوا رواتبهم المتأخرة، كما يقول. وهو ما تكرر مع عمال مجمع طحكوت لكن بدرجة أخف، إذ تأخر دفع أجورهم لمدة شهرين فقط، كما يقول سمير أحمد.
تداعيات سلبية على سوق الشغل وتزايد البطالة
انعكس حبس رجال الأعمال الذين يسيطرون على معظم نشاط القطاع الخاص بعدم خلق مناصب شغل جديدة، لعدم إنجاز ما تبقى من أعمال في مصانع قيد الإنشاء، وفق النائبة بوشملة، التي رصدت تأخر إكمال العمل في مصنع نوتريس للزيوت والأعلاف التابع لمجمع كونيناف في ولاية جيجل، شرق الجزائر، رغم أن نسبة تقدم الأشغال فيه بلغت نحو 70%، مؤكدة أن المتصرف الإداري لمجمع كونيناف لم يضمن استمرار إنجاز مصنع الزيوت والأعلاف، والذي كان سيوفر مناصب عمل لشباب المنطقة.
أخطاء في معالجة ملف شركات رجال الأعمال الموقوفين بتهم الفساد تؤدي إلى فصل العمال وتأخر مستحقاتهم المالية
ويبلغ عدد الوظائف التي كان سيوفرها مصنع نوتريس 350 وظيفة في قطاع الصناعة و2500 في قطاع الخدمات، فضلا عن توفير مناصب شغل في قطاع الفلاحة، وفق بطاقة عرض المشروع الذي توقف في إبريل/نيسان 2019. وتخلى مجمع كوندور عن عملية التوظيف بالمطلق في 2019، بسبب المصاعب المالية التي عاشها بعد متابعة المسؤولين قضائيا، بحسب المصادر العاملة في المجمع.
وتبرز تداعيات الأمر في زيادة البطالة بالجزائر. إذ تظهر أرقام الديوان الوطني للإحصاءات (هيئة حكومية)، أن نسبة البطالة ارتفعت في العام 2019 إلى 12.5%، مقابل 11.7% في 2018، في حين وصل معدل البطالة إلى 14.1 في العام الماضي، وفق منصة البيانات العامة مفتوحة المصدر، KNOEMA، وهو مؤشر يعتبره أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر محمد حميدوش طبيعيا بالنظر لغياب مناخ مشجع للاستثمار في الجزائر، بسبب الأزمة السياسية وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية، حسب إفادته لـ"العربي الجديد".
لماذا فشل المتصرفون الإداريون؟
على وقع الاحتجاجات العمالية، أنهت المصالح القضائية في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، مهام 11 مسيرا إداريا كانوا مكلفين بتسيير المؤسسات التي أدين أو يتابع مالكوها في قضايا فساد. وهو ما جعل أحمد خيري، العامل بمجمع سوفاك، وزملاءه، يتفاءلون ويأملون في حل ينهي قضيتهم، وتمكينهم من الحصول على التعويض المالي الذي يطالبون به، خاصة بعدما أصدر المتصرف الجديد لمجمع حداد قرارا، في 28 يناير الماضي، يقضي بدفع أجرة شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر 2020، وفق إشعار المديرية العامة لمجمع حداد رقم 034 الصادر في 28 يناير الماضي.
وبسبب تفاقم تداعيات توقف بعض المصانع، أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تكليفا لوزير التجارة بالعمل على إيجاد حل فوري للشروع في نقل ملكية مصنع جيجل لإنتاج الزيت الغذائي بعد صدور الأحكام القضائية النهائية ضد مالكيه السابقين، والعمل بسرعة قصوى لإدخاله مرحلة الإنتاج.
لكن الخير حميد، العامل بمشروع إنجاز الطريق السيار بمدينة العلمة بولاية سطيف، شرق الجزائر، الرابط بولاية جيجل، يؤكد على معاناة العاملين من تأخر الرواتب منذ تسعة أشهر لدى مجمع حداد، فيما لم تُدفع للعمال المسرحين رواتبهم المتأخرة للمدة نفسها، كما حصل مع 37 عاملا سرحوا من مصنع بطيوة للأنابيب الحلزونية بوهران، وفق تأكيد رضا ميموني، الذي قال: "نعيش وضعا كارثيا لعدم صرف الرواتب، فضلا عن عدم حصولنا على أعمال بديلة في ظل أزمة فيروس كورونا، الذي ضاعف من معاناتنا".
"ويعود فشل المتصرفين الإداريين في الحفاظ على عمال هذه المؤسسات إلى المقاربة المعتمدة في معالجة ملف شركات رجال الأعمال المحبوسين، إذ كان من الأجدر السماح لمالكيها بتعيين من ينوب عنهم، وخاصة في حال كانت المؤسسة تحقق أرباحا ولا تعاني من أي مشاكل مالية، بدل الإتيان بمسير من الخارج"، كما يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر محمد حمدوش، مضيفا أن تجميد الحسابات البنكية لهذه المؤسسات جعل أي محاولات من المسير الإداري لتلبية مطالب العمال وعدم تسريحهم دون جدوى، وفق قوله، وهو ما جعل النائبة بوشملة تدعو الحكومة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لجعل المتصرفين الإداريين مساهمين حقيقيين في الحفاظ على مناصب العمل وعدم تكرار التسريح الذي يجري حاليا.