فوضى النفايات الصلبة...إخفاق منظومة الجمع والتدوير في سلطنة عمان

23 سبتمبر 2024
تراكم النفايات يزيد من انبعاثات غازات الدفيئة (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تحديات إدارة النفايات في سلطنة عمان**: تعاني عمان من مشاكل في إدارة النفايات الصناعية والصلبة، مما يؤدي إلى تلوث البيئة ومشاكل صحية. تكدس النفايات وحرقها يزيد من تلوث الهواء، وبُعد مواقع التخلص وغلاء الوقود يعقدان العملية.

- **جهود شركة "بيئة" والتحديات المستمرة**: تبذل شركة "بيئة" جهوداً كبيرة في معالجة النفايات، لكنها تواجه تحديات في المناطق الصناعية وخلط النفايات المنزلية مع الصناعية، مما يتطلب توعية أكبر.

- **الحلول المقترحة والتعاون بين الجهات المعنية**: تسعى هيئة البيئة إلى وضع تسعيرة موحدة وتشجيع إعادة التدوير. تم افتتاح 36 مصنعاً جديداً، لكن لا تزال هناك حاجة لتنسيق أكبر بين شركة "بيئة" والبلديات.

تخفق منظومة إدارة النفايات الصناعية والصلبة في التخلص الآمن منها، ما يؤدي إلى تبعات صحية على الأهالي في سلطنة عمان جراء التلوث الناتج عن عدم الالتزام بشروط إدارتها، في ظل تقاذف المسؤوليات بين الجهات المعنية.

- يضطر الثلاثيني العُماني رؤوف بن سليم البطراني إلى مغادرة منزله في ولاية بركاء بمحافظة الباطنة، شمالي السلطنة، كلما اشتدت الروائح المنبعثة من مردم النفايات (مكبّ عشوائي) القريب، إذ تتكوم فيه مخلفات الورش، والمحال المختصة ببيع وتبديل الإطارات المطاطية، التي يجمعونها من المناطق الصناعية في محافظة مسقط وبعض ولايات محافظة الباطنة، لتتكدس فترات طويلة من دون معالجة.

"والأسوأ، حين يلجأ بعض أصحاب المحال إلى حرق الإطارات، حينها لا يقوى الأهالي على التنفس، وبخاصة المرضى"، بحسب البطراني، الذي يعمل موظفاً في قسم للحسابات بشركة خاصة، مشيراً إلى أن حرارة الجو تساعد أيضاً على تحلل مكونات الإطارات، كما تنشر روائح كريهة على مدار اليوم.

وتنتج السلطنة 2.5 مليون طن من النفايات الصلبة سنوياً، بحسب إفادة مهاب بن علي الهنائي، نائب الرئيس للاستدامة والاقتصاد الدائري (نظام يحد من الهدر عبر الاستخدام المستمر للموارد) بالشركة العمانية القابضة لخدمات البيئة "بيئة"، الموكل إليها تجميع ونقل ومعالجة النفايات الصلبة، لكن سوء إدارة القطاع يفاقم آثار التخلص العشوائي من النفايات في المناطق الصناعية السبع الموزعة على ولايات السلطنة، إذ تفتقر إلى مكبات يمكنها التعامل مع مخلفات المنشآت الصناعية والورش تحديداً، وينسحب الحال على المناطق التجارية، وفق إفادات عشرة من أصحاب المنشآت الصناعية والتجارية التقتهم معدة التحقيق.

 

لماذا تتكدس النفايات الصلبة؟

يتخلص سيف بن هلال الحراصي، مالك ورشة تصليح للمركبات في ولاية الرستاق بمحافظة الباطنة، من نفايات ورشته في الحاويات المنزلية، لأن الكثير من النفايات الصلبة تنتج خلال العمل اليومي وخاصة أثناء تفكيك أجزاء المركبات، كما يقول لـ"العربي الجديد": "ندرك أهمية سلامة البيئة، لكن عدم وجود مكبات متخصصة قريبة وكذلك قلة المُجمعين (تجار يشترون الخردة)، يجبرنا وكذلك ورش تغيير زيوت السيارات أيضاً على التخلص من الزيوت العادمة في أماكن عامة".

تنتج سلطنة عمان 2.5 مليون طن من النفايات الصلبة سنوياً

تدفع هذه الحال غالبية المنشآت في المناطق الصناعية، وكذلك من يشتغلون في المقاولات والبناء والتشجير، إلى التخلص من نفاياتهم إما عبر تكويمها في أماكن قريبة من السكان، أو من خلال حرقها، بحسب ما رصده عبد الرحيم بن سليمان الصبحي الذي يقطن في ولاية سمائل بمحافظة الداخلية شمالاً، ويعاني مثل البطراني من تكدس النفايات في محيط منطقته السكنية وتبعات الأمر على صحة عائلته وجيرانه.

إضافة إلى ما سبق، تُحرق بقايا الأشجار، لينتشر الدخان إلى درجة تشعر معها عائلة سهى بنت خلفان الحارثية بالاختناق ساعات طويلة، إذ تسكن في منطقة زراعية بمحافظة جنوب الشرقية، وتفسر ما يجري ببطء الجهات المعنية في نقل النفايات التى تتعالى أكوامها في الأحياء ذات الكثافة السكانية بالقرب من المزارع، ما يدفع العمال الى التخلص منها حرقاً.

الصورة
خدمات إدارة النفايات في السلطنة (المصدر: شركة بيئة)
توفر شركة بيئة خدمات نقل ومعالجة النفايات المنزلية فقط ما يخلق فوضى في المناطق الصناعية (المصدر: شركة بيئة)

 

غياب التنظيم يخلق التجاوزات

لا يستغرب سائق شاحنة تجميع الخردة أرحب بن يوسف المسلمي وقوع تجاوزات في التعامل مع النفايات الصلبة  بالمناطق الصناعية، قائلاً: "من خلال عملي اليومي، أجد أن بُعد مردم النفايات الصلبة هو ما يعيق تنظيم العملية، على سبيل المثال، أقرب مردم لتجميع النفايات ومعالجتها بالنسبة للمنطقة الصناعية في المعبيلة الجنوبية بولاية السيب، في محافظة مسقط، يقع في ولاية بركاء والتي تبعد 35 كيلومتراً، وهي مسافة كبيرة، الانتقال إليها ليس أمراً هيّناً في ظل غلاء الوقود، لذا من يرغب في التخلص من النفايات معتمداً على نفسه يحسب ألف حساب للتكلفة، فهذه العملية تحتاج إلى موازنة وحدها، ليكون التخلص العشوائي هو الطريقة المتاحة في ظل غياب الرقابة من قبل الجهات المعنية وخلو المناطق الصناعية من مكب نفايات متخصص".

الافتقار إلى آلية محددة بإشراف جهة مختصة للتخلص من المخلفات الصناعية تؤكده شركة بيئة في ردها وتقول "لا تتوفر مكبات للنفايات في المناطق الصناعية"، موضحة أنها توفر خدمات جمع ونقل النفايات الصلبة البلدية المنزلية فقط من مناطق أو مواقع إنتاجها، سواء عن طريق الحاويات أو ما يسمى بالسكيبات، إذ وفرت 127 حاوية سكيب بسعة أمتار مكعبة، ويجرى نقلها يومياً بواسطة مزود الخدمة إلى أقرب مردم هندسي في المنطقة. أما المنشآت والورش في المناطق الصناعية فيتوجب عليها نقل نفاياتها الصناعية والتجارية مباشرة إلى المردم الهندسي".

واستبدلت شركة بيئة المطامر التقليدية بأحد عشر مردماً هندسياً مصمماً حسب المعايير الدولية، وتوضع فيها طبقات من النفايات الصلبة لتكبس وتُغطى للتخلص منها نهائياً، للحد من التلوث البيئي والمخاطر الصحية، بينما توقف الشركة استخدام أي مطمر تقليدي، إذ أغلقت أكثر من 300 منها، وعالجت 31 مطمراً للحد من أضرارها البيئية عن طريق تسويتها وتغطيتها بالتربة.

 

نفايات صناعية خطرة

يتردد نعيم بن مسرور الغيثي على المنطقة الصناعية في المعبيلة الجنوبية لشراء قطع غيار مستخدمة أو تصليح مركبته، وهناك يرى محركات وبطاريات وهياكل السيارات والإطارات المتكدسة، التي يتضح أنها مركونة منذ فترات طويلة كونها مهترئة، إضافة إلى أكوام أخرى من المخلفات المعدنية المنتشرة هنا وهناك، معتبراً هذا التكدس علامة واضحة على وجود مشكلة بيئية.

خلل إدارة قطاع النفايات الصناعية يلوث البيئة ويهدد صحة السكان

تقع صناعية المعبيلة التي تعج بالمشاريع والمحال التجارية المتنوعة في أكبر ولايات محافظة مسقط من حيث الكثافة السكانية والتي يقطنها 400 ألف نسمة، يشتركون في المعاناة ذاتها الناجمة عن تراكم هياكل وأجزاء المركبات والمخلفات المركونة على جوانب الطرقات لأعوام، ما يسبب تشوهاً للمنظر العام وكذلك تلوثاً بيئياً بسبب تسرب زيوتها، كما يلاحظ عمير بن خايف العميري الذي يتردد على المنطقة باستمرار.

ورغم أن شركة بيئة تصنف الإطارات والبطاريات والنفايات البلاستيكية والمواد الكيمائية والزيوت على أنها نفايات صناعية خطيرة، ويُمنع التخلص منها في الحاويات ويُطلب من منتجيها ضرورة وضعها في حاويات خاصة ونقلها عبر الشركات المرخصة بالتعامل معها، بحسب الاشتراطات التي أوضحها رد الشركة، إلا أنها فعلياً لا تخصص الإمكانات المطلوبة للمصنعين والمنتجين وفق ما تؤكده إفادات خمسة منهم.

ويسهم تراكم النفايات في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 3%، وكل طن من النفايات يذهب إلى المرادم يؤدي إلى إنتاج ما يتراوح بين ثلاثة وأربعة أطنان من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بحسب توضيح الهنائي، فيما تؤكد دراسة المخاطر الصحية المحتملة المتعلقة بدخان حريق الإطارات، الصادرة عن Civil Engineering Journal والمنشورة في يونيو/حزيران 2006، على أن حرق الإطارات يؤدي إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى حبس الحرارة بالقرب من سطح الأرض ويمنعها من التبدد مرة أخرى في الفضاء، كما أن الإطارات المحترقة تنبعث منها جسيمات ملوثة للهواء، ما يسبب تهيجاً للعين والأنف والجهاز التنفسي، لذلك يجب تقليل التعرض لمصدر تلوث الهواء إلى الحد الأدنى، وفق ما توصي به الدراسة، علاوة على مخاطر تسرب المواد الكيماوية الناجمة عن الإطارات إلى التربة والمياه، ناهيك عن أن حرق الإطارات يخلق نفايات صلبة خطيرة، وهي جزيئات مطاطية سوداء إذا تركت من دون علاج، فإنها يمكن أن تتحول إلى خطر بيئي أيضاً.

 

تسعيرة بيع النفايات

يواجه أصحاب المصانع وورش تصليح المركبات تحديات إضافية، إذ يضطرون إلى الاستعانة بتجار جمع الخردة تجنباً لتكدسها بين الأماكن السكنية أو في الحاويات العادية، "لكن عدم وجود تسعيرة موحدة من قبل تجار جمع النفايات قلل من إمكانية التعامل معهم، إذ يعرض كل منهم السعر الذي يراه مناسباً، وكل صاحب ورشة ينتظر السعر الأعلى لبيع نفايات ورشته"، بحسب الحراصي الذي يرى أن وضع تسعيرة ثابتة يزيد من إقبال الورش الصناعية على بيع مخلفاتهم التي يمكن إعادة تدويرها.

هنا يرد مدير دائرة المواد الكيميائية وإدارة النفايات بهيئة البيئة محمد الكاسبي على ما سبق قائلا : "نسعى في هيئة البيئة إلى وضع تسعيرة للنفايات لضبط السوق، ومنعاً للاحتكار بالتنسيق مع الجهات المعنية، ما يستدعي تكاتفاً أكبر مع الجهات ذات العلاقة للوصول إلى حل، خاصة أن الهيئة تواجه تحديات مع منتجي النفايات الصلبة وغير الصلبة ضمن المناطق الصناعية في مختلف محافظات السلطنة"، وإلى أن يتم الوصول إلى حل يقضي على المشكلة، يؤكد الكاسبي أهمية أن يتمتع منتجو النفايات بالوعي اللازم لجمعها بشكل يقلل من فرص انتشارها ومن ثم تلويثها البيئة، انتظاراً لوضع آلية متكاملة لإعادة تدويرها بحيث تعود بالفائدة على المنظومة الاقتصادية والبيئية في البلاد. قائلا: "في السابق، واجهتنا مشكلة اتجاه المُصدرين من جامعي النفايات الصلبة إلى بيعها في دول مجاورة تقدم أسعاراً مغرية. على سبيل المثال، كان سعر الطن للصناديق الكرتونية 80 ريالاً عمانياً، أي ما يعادل 208 دولارات أميركية، وقد يصل إلى 120 ريالاً عمانياً، أي ما يعادل 312 دولاراً أميركياً، وكانت هذه المنافسة من أبرز التحديات التي تمنع المولدين والمجمعين من البيع في المصانع الوطنية، لكن وبالتكاتف بين الجميع تم الحد من هذه الظاهرة وأصبحنا نستقطب 90% من هذه النفايات لتبقى في الوطن، وتم إنعاش المرافق الوطنية حالياً لتستقبل هذه النفايات بما يضمن قدرتها الاستيعابية".

ويعتبر إعادة التدوير إجراء احترازي وله دور كبير في التقليل من ظاهرة التلوث وحماية البيئة، وقبل الموافقة على أي إنشاء أي مصنع متخصص بالتدوير، لا بدّ أن يتعهد بالالتزام بالاشتراطات التي وضعتها الهيئة عن طريق استمارة تقييم الأثر البيئي في كيفية التخلص من النفايات والآلية المتبعة، وفق الكاسبي. 

وبعد افتتاح 36 مصنعاً جديداً العام الماضي، أصبح العدد الكلي في الوقت الحاضر 69، تتوزع في مختلف محافظات السلطنة، والتي تلعب دوراً في إعادة التدوير للنفايات الصلبة وغير الصلبة. فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد المصانع المختصة بإعادة تدوير الصناديق الكرتونية، إلى ثلاثة بدلا من واحد، وبناء على ذلك تم جذب استثمارات جديدة وافتتحت ستة مصانع إضافية جديدة لتغليف هذه الصناديق بعد إعادة تدويرها، فضلاً عن إنشاء ثلاثة مصانع لإعادة تدوير البطاريات كما توجد ستة مصانع لإعادة تدوير الإطارات، وفق الكاسبي.

تقاذف المسؤوليات

تحيل المديرية العامة لبلدية مسقط، فرع ولاية السيب التي تضم منطقة المعبيلة الصناعية، مسؤولية نقل النفايات الصلبة من الأماكن المتوفرة فيها إلى شركة بيئة، موضحة في ردها المكتوب الذي تلقاه "العربي الجديد" أن مهمة البلديات التعامل مع النفايات المنزلية العادية وأعمال النظافة العامة في المناطق الصناعية والسكنية على حد سواء. وفي حال رصد تجاوزات بعض المحال والورش عبر تخلصها من النفايات بشكل غير قانوني وفي غير الأماكن المخصصة لها، يحق للبلدية اتخاذ إجراءات عقابية بحقها، بحسب مساعد مدير دائرة الشؤون الصحية بالإنابة في المديرية العامة ببلدية مسقط فرع السيب ياسر بن حبيب الريامي.

إلا أن شركة بيئة تواجه تحدياً يتعلق بقيام المنشآت في بعض المناطق بخلط النفايات المنزلية مع النفايات الناتجة عن الأنشطة الصناعية والتخلص منها بجانب أو بداخل حاويات النفايات العادية، وفق ما جاء في ردها، نافية أن تكون هناك ازدواجية وتداخل بين مهام البلديات وشركة بيئة. ويتطلب حل هذا التحدي التركيز على توعية المنشآت بأهمية فصل النفايات بشكل صحيح واتباع الإجراءات المحلية والدولية المناسبة للتخلص الآمن حسب كل نوع من النفايات، مشيرة إلى ضرورة التعاون بين بيئة والبلديات لتنسيق الجهود وضمان تغطية شاملة لجميع جوانب الخدمات البيئية، وهي منظومة متكاملة تساهم في تحقيق إدارة فاعلة للنفايات في المنطقة.

"وللخروج من دائرة الاتهامات في مسألة وجود تجاوزات وإلقاء اللوم على الآخر سواء بين شركة بيئة أو بين مديريات البلديات في المحافظات"، يؤكد الكاسبي أنه لا عمل من دون تحديات أو صعوبات، خاصة أن قطاع إدارة النفايات واعد ويحتاج من الجميع التعاون والصبر، وعمل البلديات وشركة بيئة تحت رقابة الهيئة، كما أن  كلاً منها تقوم بدورها، لكن تكمن التحديات في التسهيلات المطلوب توفرها للجميع وأيضا فهم الأدوار المناطة بكل جهة من هذه الجهات، مستشهدا بدور العملية التنظيمية في اختفاء جبال من نفايات الإطارات التي كان يتم تجميعها في مردم بولاية بركاء في محافظة الباطنة.

ووسط تقاذف المسؤوليات، يرصد السائق المسلمي استمرار ظاهرة التخلص العشوائي من النفايات الصناعية، قائلاً "حتى المنشآت التي تلعب دوراً في إعادة التدوير، مثل ورش التعدين، لديها بطبيعة الحال مخلفات صلبة، وللأسف يتم التخلص منها بطرق غير قانونية ما يجعلنا ندور في حلقة مفرغة".