بات غرب أفريقيا أخطر منطقة بحرية يهددها القراصنة، في ظاهرة عانى منها العالم وشرق القارة السمراء قبل ما يزيد عن عقد، وتحديداً على شواطئ الصومال، لكن الخطر كبير هذه المرة بسبب تمدد الإرهاب والفساد في دول خليج غينيا
- يرصد إيان رالبي، المستشار المتخصص في قوانين واستراتيجيات الأمن البحري بمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تنامي تهديدات القرصنة في خليج غينيا الذي تبلغ مساحته 2.3 مليون كيلومتر مربع وتقع عليه 18 دولة، بما لها من تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي والذي يعاني من تداعيات جائحة كورونا ويعتمد بنسبة 83% من إجمالي حجم التجارة العالمية على النقل البحري وهو ما يساوي في الوقت ذاته نسبة 70% من قيمتها، قائلاً لـ"العربي الجديد": "مهاجمة السفن والناقلات واختطاف البحارة في خليج غينيا لهما تأثيرات سلبية ملموسة".
وتدفع القرصنة البحرية السفن إلى تغيير خط سيرها واستهلاك المزيد من الطاقة بالإضافة إلى رفع قيمة التأمين بمبالغ كبيرة، وهو ما يتضح عبر إحصاء يشمل النصف الأول من عام 2021، إذ تزايدت القرصنة البحرية بنسبة تصل إلى 20% بسبب إغلاق المطارات وزيادة حركة التجارة الدولية عبر البحار والمحيطات، وتعد غرب أفريقيا من أكثر المناطق المتضررة بعدد 67 حادثة، وفق بيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والذي قدر التكلفة الاقتصادية للقرصنة في تلك المنطقة بـ 777.1 مليون دولار أميركي بين عامي 2015 و2017.
أعلى معدلات اختطاف البحارة عالمياً وقع في خليج غينيا العام الماضي
وشهد عام 2020 أعلى معدلات اختطاف البحارة، على مستوى العالم، في خليج غينيا بنسبة 95% من الإجمالي، وبعدد 130 شخصاً من بين 135 حالة وقعت لأطقم السفن البحرية، التي استهدفتها عصابات مسلحة بشكل جيد ولديها إمكانات القيام بغارات على مسافات أبعد في البحر، بينما اختطف 121 بحاراً في 17 حادثة منفصلة في خليج غينيا عام 2019، وفق ما جاء في التقرير السنوي، للقرصنة والسطو المسلح على السفن، الصادر عن المكتب البحري الدولي التابع للغرفة التجارية الدولية (يعنى بمكافحة الجرائم المتعلقة بالتجارة والنقل البحريين)، والذي وثق وقوع 80% من الهجمات في خليج غينيا باستخدام أسلحة فردية.
لماذا تصاعدت القرصنة في خليج غينيا؟
بدأت عمليات القرصنة بالتصاعد في خليج غينيا منذ عام 2011، وفق ما يقوله الدكتور رالبي، مؤكداً أن القراصنة كثفوا من عمليات اختطاف البحارة من أجل الحصول على الفدى في السنوات الأخيرة، بعد ما كانوا يهاجمون ناقلات النفط بشكل أوسع في السابق، وهو ما قد يشل التجارة في منطقة وسط وغرب أفريقيا، نظراً لتهديد شحنات السلع المختلفة وأخطرها الأساسية وكذلك الأمصال التي تحتاج إليها تلك الدول.
ما سبق يؤكد تطور قدرات القراصنة ونمو بناهم التحتية، إذ صار بإمكانهم توفير معسكرات للاحتفاظ بالرهائن ويحرسها أعضاء في عصاباتهم، كما أن لديهم مفاوضين، ما زاد من عمليات اختطاف بحارة السفن التجارية، في ظل تطور إمكاناتهم البحرية والبرية، وفق ما رصده ديرك سيبلز، المحلل الأول في شركة ريسك إنتليجنس Risk Intelligenc) أمنية استخباراتية مقرها في الدنمارك).
وتزايد مدى هجمات القراصنة حتى وصل إلى بعد يزيد عن 200 ميل من الساحل وفي نطاق جغرافي أوسع، بما في ذلك بلدان مثل الغابون، وساحل العاج، وغانا، بعدما كانت أغلب العمليات تحدث في نطاق أقرب إلى الساحل يصل إلى 12 ميلاً بحرياً، وفق الخبير رالبي.
تزايد مدى هجمات القراصنة حتى وصل إلى ما يفوق 200 ميل
ويستطيع القراصنة الوصول إلى السفن التجارية بسهولة من خلال قوارب الصيد، بحسب إفادة ليديل جوبيرت، الخبيرة في جهود مكافحة القرصنة العالمية بمؤسسة Stable Seas (تعمل على تعزيز الحوكمة البحرية)، والتي تقول لـ"العربي الجديد": "هناك فرق بين القرصنة في وسط البحار والسطو على السفن في المراسي، حيث تنتظر السفن من أجل دخول الموانئ"، وتوضح أن 42% من نسبة الحوادث المسجلة في العام الماضي وقعت في المراسي.
ويؤدي الفقر والعنف والتخلف والتلوث وانعدام الحكم الرشيد والفساد والمستويات المرتفعة للبطالة في دول المنطقة إلى خلق مناخ تزدهر فيه القرصنة والسطو، بحسب جوبيرت، مشيرة إلى أن انخفاض أعداد توقيف ومحاكمات القراصنة من الأسباب التي وفرت بيئة خصبة لنموها في منطقة خليج غينيا، وبالإضافة إلى ما سبق ساهم انعدام الأمن على البر في تفاقم الظاهرة، بحسب سيبلز.
تهديد متفاقم للتجارة العالمية
يقدر طول شواطئ الدول الساحلية المطلة على خليج غينيا بستة آلاف كيلومتر مربع تمتد من السنغال غرب أفريقيا وانتهاء بأنغولا جنوباً، وفق دراسة "القرصنة والأمن البحري في خليج غينيا: نيجيريا نموذجاً" والتي أعدها فريدوم أونوها، الباحث في المركز الأفريقي للبحوث والدراسات بجامعة الدفاع الوطني في نيجيريا.
وتمتلك المنطقة موارد بحرية ومعدنية ضخمة، إذ يتوفر بها 70% من احتياطات النفط الأفريقية، وفق جوبيرت، التي تؤكد عبور 1500 سفينة يومياً في خليج غينيا، وبسبب تهديد التجارة وسلامة السفن والبحارة العاملين في المنطقة ارتفعت التكلفة الاقتصادية لتشغيل السفن، نتيجة زيادة أقساط التأمين وتكلفة الحماية والعمالة التي تهددها بيئة شديدة الخطورة.
وتقوض الأنشطة غير المشروعة للقرصنة قدرات الحكومات المركزية على حماية الحدود الواسعة وتحصيل الإيرادات، في المقابل تنمو عائدات القراصنة، بحسب الأكاديمية إيفا أوكافور ياروود، المتخصصة في التنمية المستدامة بجامعة سانت أندروز في بريطانيا، والتي تقول: "بما أن الحكومات ضعيفة وغير قادرة على مواجهة تنامي القرصنة، ستواجه بعواقب أخرى، منها تنامي الصيد غير المشروع المصنف من الجرائم البحرية، مثل القرصنة والذي يغذي ويشجع على تناميها"، وتضيف لـ"العربي الجديد": "تهديدات القرصنة تزدهر في المجتمعات التي تعاني الفقر والحرمان، وهو ما يمثل عاملاً مشتركاً أينما ظهرت قضية القرصنة في أفريقيا وعلى سبيل المثال، على الرغم من أن دلتا النيجر في نيجيريا غنية بالنفط، حتى إنها تسمّى بأنهار الزيوت، إلا أن الثروة لا تنعكس على الأهالي".
مخاطر الإرهاب
تمثل المساحات الشاسعة والحدود غير المُرسمة تحدّياً لدول الساحل، إذ يمكن اختراقها بسهولة، وفق المستشار الأمني الأميركي سكوت مورغان، والذي يبدي قلقه من انخراط متطرفين راديكاليين في أعمال القرصنة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "أي توسع في أنشطة المتطرفين في منطقة خليج غينيا سيأتي من دول الساحل (تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا)".
ويمتد تأثير الجماعات الإرهابية في الساحل إلى بلدان غرب أفريقيا، حتى إنها تربط مناطق عمليات القوة المشتركة لمجموعة الساحل ومناطق عمليات القوة متعددة الجنسيات في حوض بحيرة تشاد بحسب ما جاء على الموقع الرسمي للأمم المتحدة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
واعتمد مجلس الأمن الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011 القرار رقم 2018، وفي فبراير/ شباط 2012 اعتمد القرار رقم 2039 من أجل حث المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، والتجمع الاقتصادي لدول وسط أفريقيا ومفوضية خليج غينيا على اتخاذ خطوات مكثفة من أجل مكافحة القرصنة والنهب المسلح في خليج غينيا عبر دوريات إقليمية بحرية بما يتسق مع القانون الدولي إلى جانب تطوير خطط وطنية وإقليمية لاستراتيجيات الأمن البحري، وفق مكتب الأمم المتحدة لغرب أفريقيا والساحل.
لكن عمليات القرصنة ظلت تتصاعد منذ ذلك الحين، ففي عام 2018 "وقع 72 هجوماً في خليج غينيا (بالأخص في المناطق الساحلية النيجيرية وبجوار بنين وتوغو)، بحسب تقرير "ديناميات خليج غينيا الإقليمية" الصادر في فبراير/ شباط 2020 عن منظمة HUB) تأسست في نابولي من أجل تحسين فهم الناتو للتحديات المشتركة في منطقة أفريقيا والشرق الأوسط).
ويشكل المتطرفون تهديداً للسفن الراسية بالموانئ، بحسب جوبيرت التي لا تستبعد انخراط الإرهابيين في القرصنة والجرائم البحرية، قائلة: "يوفر المحيط فرصاً لتمويل الأنشطة الإرهابية"، وتضيف: "غالباً ما تفرض هذه المجموعات الإتاوات عند سيطرتها على المناطق البحرية. كما تستخدم البحر لنقل الأفراد والأسلحة والمعدات لدعم الهجمات البرية". لكن ديرك سيبلز يقلّل من خطر التهديد الإرهابي، معتبراً أن أنظمة وحكومات تطلق تصريحات، بهدف تأمين التمويل أو المساعدة من الشركاء الأجانب.
قصور في أداء حكومات المنطقة
على الرغم من محاولة دول المنطقة تعزيز التعاون من أجل مواجهة القراصنة، لكنها تفتقر إلى القدرات التقنية واللوجستية والتنسيق الجماعي، بحسب سيبلز، وهو ما يبدو في عدم تحسن الوضع رغم توقيع وثيقة تسمى مدونة ياوندي لقواعد السلوك في عام 2013 لتحسين التعاون بين القوات البحرية والوكالات البحرية الأخرى. ويستغل القراصنة ثغرات في النظام المتبع لمكافحة القرصنة إقليمياً ووطنياً، وفق إيفا ياروود، والتي تقول: "لا توجد أي بوادر تظهر تحسن الوضع في خليج غينيا خلال المستقبل القريب".
ويبدو مورغان أكثر تشاؤماً تجاه جهود القضاء على القرصنة في منطقة خليج غينيا، قائلاً: "الوضع في خليج غينيا لا يظهر أي بوادر تحسن على الإطلاق خلال المستقبل القريب"، مضيفاً أن القصور في أداء حكومات المنطقة وغياب التنسيق الإقليمي يشجعان على تنامي استهداف السفن والبحارة، إذ تبدو حكومات دول خليج غينيا مترددة في تبادل المعلومات حول أعمال القرصنة التي تحدث في مياهها الإقليمية لمنع الهجمات المتكررة، بينما يحتاج التدخل البحري الفعال من قبل القوات الأجنبية إلى قواعد اشتباك واضحة، لقطع طرق شبكات القراصنة واعتراض زوارقهم والقبض عليهم، حسبما تقول الخبيرة جوبيرت.