تتزايد هيمنة الجيش المصري على قطاع المقاولات، إذ تم ترسية مشروع ضخم لتبطين الترع، تصل قيمته إلى 98 مليار جنيه، على شركة تابعة له، على الرغم من وجود بدائل أقل في التكلفة المالية وأكثر توفيرا في مياه الري.
- يتساءل المزارع المصري منتصر كمال سعيد، عن جدوى وفعالية مشروع تأهيل وتبطين الترع، والذي وجّه رئيس الجمهورية، في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، بالانتهاء منه خلال عامين، إذ تعاني أرضه الزراعية الواقعة في قرية الحجر بمحافظة الفيوم جنوب القاهرة، من الجفاف، بعدما استولى رجال أعمال استصلحوا أراضي جبلية، على نصيب القرية من مياه ترعة الجرجبة، والتي بدأ العمل في تبطينها نهاية العام الماضي، قائلا: "وزارة الموارد المائية يفترض أن تزيد حصة مياه الري للقرية بعد ما حدث. ما يهمنا في الحقيقة هو وقف الخسائر الناجمة عن هلاك الزرع بسبب عدم وصول مياه الري".
ورغم أن حصة الفيوم من مياه الري تبلغ 2.6 مليار متر مكعب سنوياً، مخصصة لري 399677 فدانا، بزيادة عن العام الماضي قدرها 300 ألف متر مكعب يومياً، إلا أن بوار الأراضي وجفافها وتلف المحاصيل، فاقم الأزمات التي يعانى منها الفلاحون، كما يقول الدكتور حسين طرفاية، رئيس لجنة الزراعة الأسبق بمجلس محلى المحافظة والأستاذ بمركز البحوث الزراعية الحكومي، مضيفا: "تم تبوير 700 فدان في قرى الجمهورية بمركز طامية وقرية البرنس والغرق وجردة بمركز إطسا وقرية جبلة بمركز سنورس، وقرى مركز أبشواي وأبوكساه وطبهار، كما بار 1000 فدان على بحر أبوكساة العمومي، بسبب وقوع أراضي القرية في نهايات ترعة سنرو، حيث تكثر التعديات والمخلفات، مما يؤدى إلى ارتداد المياه وعدم وصولها إلى الأراضي المستهدفة، والمشكلة سببها عدم عدالة توزيع المياه واستيلاء البعض على حصص الآخرين، خاصة من قاموا باستصلاح أراض صحراوية، لم تخصص لها حصة من مياه الري، فضلا عن عدم تطهير وزارة الري لفتحات الترع الرئيسية".
بدائل أقل في التكلفة
تبلغ تكلفة مشروع تبطين الترع في مرحلته الأولى 18 مليار جنيه (الدولار يساوي 15.62 جنيها)، بينما تبلغ تكلفة مرحلته الثانية 80 مليار جنيه، كما يقول المهندس شحتة إبراهيم، رئيس مصلحة الري المصري، وهي "مبالغ ضخمة"، كما يصفها الدكتور ضياء القوصي، خبير المياه ومستشار وزير الري الأسبق. مؤكدا، في تصريحات خاصة، وجود أولويات لمشروعات أخرى يمكن الاستفادة منها بشكل أكبر، ومنها تغيير نظم الري التقليدية إلى أخرى حديثة، وهو ما يمكن أن يوفر 9 مليارات متر مكعب من المياه المفقودة سنويا، إذ تصل مساحة الأراضي القابلة للتحول للري الحديث إلى 3 ملايين فدان، من بين مساحة الأراضي المزروعة التي تبلغ 9.4 ملايين فدان، ومتوسط استهلاك الفدان سنويًا من مياه الري، وفق النظم التقليدية، 8000 متر مكعب، في حين ينخفض استهلاك مياه الري عند التحول للنظم الحديثة إلى 5000 متر مكعب سنويًا للفدان، أي أن التحول للري الحديث يوفر مياها أكثر من مشروع تبطين الترع الذي يتوقع أن يوفر 5 مليارات متر مكعب.
وتبلغ تكلفة تحويل الفدان من نظام الري التقليدي إلى الحديث قرابة 10 آلاف جنيه، أي أن تكلفة التحول للري الحديث لن تزيد عن 90 مليار جنيه، وبالتالي تكلفة أقل من تبطين الترع والذي سيتكلف 98 مليار جنيه، كما يوضح القوصي، مضيفا أن تطهير الترع من الحشائش وورد النيل يوفر 3.5 مليارات متر مكعب، وهو ما يؤيده رفعت إبراهيم، الباحث في شؤون المياه بمركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة، قائلا في تصريحات خاصة إن: "مشروع تبطين الترع ليس جديدا، كما يقول البعض، وكان يمكن توزيع المبالغ الضخمة المخصصة له على عدة مشاريع، منها إزالة ورد النيل، والذي يمتص كميات كبيرة من مياه النهر ويؤدي إلى فقدان المزيد منها".
التحول إلى نظم الري الحديثة أكثر توفيرا من تبطين الترع
ويتفق معه حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، والذي أكد أن ورد النيل ينمو بشكل كبير داخل الترع وأمام السدود والقناطر وعند الكباري، ويؤدى إلى بوار المحاصيل، بسبب انتشار النبات الذي يستهلك كميات هائلة من المياه المخصصة لري الأراضي، وهو ما يحتاج إلى تفعيل دور الجهات المعنية للتخلص منه".
وعلى الرغم من تقديم حل لمشكلة ورد النيل في البحث الفائز بجائزة أحسن بحث تطبيقي في أسبوع القاهرة للمياه في أكتوبر/تشرين الأول 2019، إلا أنه لم ينفذ حتى الآن، كما يقول الدكتور ياسر شبانة، الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة المنصورة، والذي ابتكر مبيدا حيويا يمكنه القضاء على ورد النيل في غضون 7 أسابيع من تطبيقه، وفق النتائج التي توصل إليها.
ترسية المشروع مخالفة للقانون
تم ترسية المشروع على شركة تابعة لوزارة الدفاع المصرية، بدون إجراء مناقصة، كما ينبغي أن يتم في مثل هذه الحالات، خاصة أن تكلفته ضمن فئة تزيد عن 20 مليون جنيه، وهو ما يعد مخالفة صريحة للقانون الصادر في 8 أكتوبر، رقم 182 لسنة 2018 بشأن تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة، والذي ألغى العمل بالقانون رقم 89 لسنة 1998 بشأن تنظيم المناقصات والمزايدات الذي ظلت تعمل به الحكومة منذ 19 عامًا، بحسب تأكيد مصادر مطلعة تعمل في وزارة الموارد المائية والري.
وتنص المادة 62 من القانون على جواز التعاقد بالأمر المباشر في 7 حالات لا يدخل المشروع ضمنها، ويكون التعاقد بالأمر المباشر وفق المادة 63 من سلطة الوزير أو المحافظ، فيما لا تتجاوز قيمته 10 ملايين جنيه للشراء والاستئجار وتلقّي الخدمات، و20 مليون جنيه بالنسبة للمقاولات.
ترسية المشروع على شركة تابعة لوزارة الدفاع مخالفة لقانون المناقصات
ويجوز لمجلس الوزراء في حالة الضرورة القصوى أن يأذن بالتعاقد بالأمر المباشر في نفس الحدود. وحسب المصادر المتطابقة والتي شددت على عدم الكشف عن هويتها للموافقة على الحديث، فإن عملية إسناد المشروع الذي يتكلف 98 مليار جنيه في مرحلتيه، تخالف المادة 63 من القانون، وبالتالي يمكن رفع دعوى تدفع ببطلان تعاقد وزارة الموارد المائية والري مع إحدى شركات وزارة الدفاع، أمام القضاء الإداري.
ويضيف الدكتور محمد عليوة، أستاذ القانون التجاري، أن قانون تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة، والمعروف إعلاميا بـ"المناقصات والمزايدات"، حدد حالات التعاقد بالاتفاق المباشر، ولا يدخل ضمنها هذا المشروع، كما أن قيمته لا تدخله ضمن المحدد بموجب المادة 63 لسلطات التعاقد بالاتفاق المباشر، إذ يقع تحت بند مقاولات الأعمال التي لا يجوز التعاقد فيها بالأمر المباشر بأكثر من 20 مليون جنيه، وبالتالي يجوز الطعن عليه أمام القضاء الإداري، لمخالفته قانون تنظيم التعاقدات، وتحديدا تجاوز المبلغ المحدد في القانون.
كما لم يتحقق بند الشفافية والمساواة في المنافسة، والذي فصلته المادة 9 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 182 لسنة 2018، إذ نصت على أنه يجب علي الجهة الإدارية عند تطبيق أحكام القانون واللائحة اتخاذ ما يلزم من تدابير لضمان تحقيق معايير ومبادئ تكافؤ الفرص وتعزيز الشفافية والنزاهة والعدالة والمساواة في المنافسة بين المتقدمين للمناقصة، وأن تستند الإجراءات على مبادئ العلانية والمساواة وتكافؤ الفرص، إعمالا لحكم المادة (85) من القانون. لافتا إلى أن المعايير تتضمن المساواة بين المتقدمين في المعاملة وعدم التحيز لأي منهم أو التمييز بينهم، وإفساح المجال للمنافسة بين من تتوافر فيهم الشروط للتقدم وفقًا للاشتراطات التي تحدد مسبقا بمستندات الطرح، وكراسة الشروط والمواصفات التي تتضمن الإحالة لجميع القواعد والأحكام والإجراءات والشروط المنصوص عليها بالقانون واللائحة، وكذلك الحال عند التعاقد بطريق الاتفاق المباشر إذا تطلبت طبيعة العملية، وذلك قبل الإعلان أو الدعوة إلى الاشتراك في جميع طرق التعاقد الواردة بالقانون، وهو ما لم يتحقق في مشروع تبطين الترع، حيث لم تطرح مناقصة أصلا، وهو ما يعد مخالفة قانونية أيضا تتيح الطعن القضائي على المشروع.
رد الحكومة المصرية
يرد المهندس فتحي رضوان، رئيس قطاع التوسع الأفقي بوزارة الري المصرية، على ما أكدته المصادر بعدم إجراء مناقصة لاختيار الشركة المنفذة للمشروع، قائلا في تصريحات خاصة: "المشروع مكلف للغاية، وكان لابد من حل خارج الصندوق لتنفيذ تكليفات الدولة، لذلك تمت الاستعانة بالشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات، التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع، والتي تنفذ مشروع التبطين في عدد من محافظات الجمهورية بتقنية الجيوسيل التي يتم تطبيقها في عدد من الدول الأوروبية، وتتكون مادة التبطين من بولي إيثيلين عالي الكثافة، وهو قريب جدا من شكل الخلية، ويستخدم لتحسين قوة وقدرة تحمّل طبقات التربة، حيث يتم ملء الخلايا بالرمل ويفيد شكل الخلايا في منع أي انزلاقات جانبية، كما تمتاز بسهولة التركيب والتحمل القوي والشدة العالية".
والنوع الأهم في التبطين يتم عبر طبقة من الأحجار بسمك 30 سنتيمتر، وعليه طبقة من الخرسانة العادية سمك 10 سنتيمترات، وهناك نوع آخر من الخرسانة المسلحة والخرسانة العادية عليه طبقة من الرمال المثبتة، ويتم تحديد نوع التبطين طبقا لطبيعة تربة الترعة، وفق معايير التبطين بالتقنية المستخدمة. ومن المفترض أن تسهم أعمال تأهيل الترع في تعظيم الاستفادة من الموارد المائية، من خلال ترشيد الاستخدام وحل مشاكل توصيل المياه في نهايات الترع، ووصولها في أسرع وقت لتحقيق العدالة في التوزيع وزيادة الإنتاجية الزراعية، بالإضافة إلى تقليل تكلفة الصيانة وإزالة الحشائش الدورية. كما أن هذا المشروع كثيف العمالة، مما يساعد في تحقيق أهداف الدولة في القضاء على البطالة، حسب رضوان.