يشعر السبعيني الغزي علي معمر، بالقلق كلما سمع بتهديدات إسرائيلية جديدة واحتمال شن عدوان رابع على القطاع المحاصر، إذ يقطن في بيت صغير مسقوف بألواح الصفيح شرقي مدينة رفح التي صب الاحتلال عليها حمم قذائفه وصواريخه في الحروب الثلاثة الماضية.
لا يدري معمر إلى أين سيذهب برفقة أسرته، وكيف يمكن أن يحتمي من تلك الصواريخ الفتاكة، إذ تفتقد غزة إلى وجود ملاجئ مهيأة لحماية المدنيين وقت الحروب، على غرار تلك التي كانت منتشرة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتي كثيرا ما احتمى بها معمر وعائلته من الغارات الإسرائيلية قبل عقود.
الملاجئ المصرية
أقيمت الملاجئ في قطاع غزة بعد عدوان عام 1956 مباشرة، بقرار من الجيش المصري والذي خدم فيه معمر برتبة جاويش (وكيل رقيب)، وبحسب ما وثقه معد التحقيق عبر شهادة العسكري المتقاعد، فإن مدينة رفح كان بها أربعة ملاجئ موزعة جغرافيا، حيث كان في وسطها اثنان، وغربها واحد وشرقها واحد، وفي مدينة خان يونس عدد مماثل، وفي مدينة غزة ستة ملاجئ.
وبٌنيت الملاجئ وسط المناطق السكنية في الساحات العامة، وكان لها عدة مداخل، ومزودة بفتحات تهوية، وتم صب سطحها من خرسانة مسلحة سمكها سبعة أمتار، واتسع الملجأ الواحد لألف شخص، وكانت النساء والأطفال يجلسون في ناحية والرجال في ناحية أخرى، كما يوضح معمر والذي لفت إلى التسمية الشعبية "استقام"، والتي كانت تطلق على تلك الملاجئ التي بناها سلاح المهندسين في الجيش المصري.
بعد الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة في عام 1967 أٌهملت الملاجئ، وتحولت إلى مكبات نفايات، وإسطبلات للخيول، وتدريجياً ردمت وبنيت فوقها مساكن، ولم تعد موجودة، كما وثق معد التحقيق عبر جولة في المناطق التي سبق أن كانت بها الملاجئ.
اقــرأ أيضاً
اللجوء إلى الكراجات
لجأ أهالي غزة إلى استخدام كراجات السيارات للحماية من القذائف والصواريخ الإسرائيلية المنهمرة فوق رؤوسهم خلال الحروب الثلاثة الماضية، ووثق معد التحقيق عبر جولة في القطاع وجود 150 برجا وعمارة كبيرة، يوجد أسفل 100 منها قبو مخصص على أنه كراج للسيارات، لجأ إليها الغزيون وقت اشتداد القصف.
وتنخفض تلك الكراجات عن سطح الأرض مسافة تتراوح ما بين 3 أمتار إلى 3.5 أمتار، غير أنها لا يتوفر بها المواصفات الفنية للملاجئ، وتنتشر على وجه الخصوص في مدينة غزة، وتحديداً في منطقتي الرمال وتل الهوا، اللتين سمح ملاك العمارات للنازحين إليهما من مناطق شرق القطاع، بالاختباء داخلها، من بين هؤلاء المستثمر العقاري أمجد حسين، والذي صمم قبوا لاستخدامه مخزنا للبضائع أو كراجا للسيارات، ولم يكن في حسابه أن يتحول إلى ملجأ، وأكد حسين لـ"العربي الجديد"، أن معظم العمارات والمباني الكبيرة التي يزيد عدد طوابقها على سبعة، تنشئ مثل هذا (البدروم) القبو، الذي لا يغني عن وجود ملجأ وفقا للمواصفات القياسية العالمية.
خزاعة تعلمت الدرس
يحرص سكان بلدة خزاعة، في جنوب شرق قطاع غزة، على بناء ما يمكن وصفه بـ"ملاجئ بدائية" تحت منازلهم الجديدة، بعد تعرض البلدة التي تبلغ مساحتها خمسة كيلومترات مربعة، ويقطنها 13 ألف نسمة، إلى مجزرة وعمليات هدم واسعة تسببت في تدمير 550 منزلا، خلال حرب عام 2014، ومن بين هؤلاء عدنان النجار أحد سكان البلدة، الذي أنشأ ملجأ من غرفتين تحت منزله، على الرغم من اعتقاده بعدم جدوى هذه التحصينات في توفير الحماية الكاملة وقت الحرب، إلا أنه قام بالأمر، إذ تستخدم هذه الملاجئ للاختباء المؤقت حتى يستطيع الفرار إلى مدارس وكالة الأنروا الأكثر أمنا.
خلال الحرب الأخيرة لجأ سكان شارع النجار في بلدة خزاعة إلى بدروم أحد سكان الشارع، وبالفعل حماهم القبو من الرصاص وشظايا القذائف بعض الوقت كما يقول عدنان، لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد أن عرفت بتواجد المدنيين فيه قصفته بشكل مباشر، ما أدى إلى سقوط ثلاثة شهداء، وإصابة 30 من بينهم والده الذي فقد عينه.
وعبر جولة ميدانية، عاين معد التحقيق تلك الملاجئ والتي تنخفض عن سطح الأرض ثلاثة أمتار، وتتراوح مساحتها ما بين 50 و70 مترا مربعا، ولها فتحات تهوية مرتفعة، ويتم النزول إليها بواسطة سلم، ويوجد في بعضها دورات مياه، وخزانات سعة 500 لتر لاستخدامها عند الحاجة.
المقاييس العالمية
عقب دراسات مستفيضة أعلن رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين في قطاع غزة، أسامة كحيل، عن وجود خطة لبناء منازل مقاومة للقذائف، وملاجئ في المدارس وحتى في الوحدات السكنية؛ تحسبا لأي عدوان إسرائيلي قادم، ضمن المخطط العام لإعادة إعمار غزة، لكن كحيل عاد وأكد أن الفكرة لم تعد قائمة، بعد تعذر تنفيذها نتيجة معوقات كثيرة.
بحسب التعريفات العالمية فإن الملاجئ لا بد أن توفر الحماية من آثار الأسلحة المختلفة لعدد محدد من المواطنين يشغلون الملجأ خلال الغارة، ووفقا لموقع منتدى الأمن والسلامة العربي، فإن أقل سمك لسقف الملجأ هو 40 سنتيمتر، وقد يصل السمك حتى سبعة أمتار، ولا ينبغي أن يقل سمك الجداران عن 25 سنتيمترا، حسب نوع الملجأ وتصميمه لمقاومة أنواع محددة من الأسلحة.
ويقدر المهندس فادي العبسي، المختص في إنشاء مشروعات سكنية وخدماتية، تكلفة إنشاء ملجأ يتمتع بالمواصفات العالمية، بنحو سبعة ملايين دولار، قائلا "يحتاج الملجأ إلى قطعة أرض لا تقل على 2500 متر مربع، حتى نصل إلى مساحة صافية تتراوح ما بين 1200متر و1300 متر، وتكفي لحماية ألف نسمة، إذ يحتاج النازح إلى متر مربع واحد داخل الملجأ".
انتشار ثقافة إنشاء الملاجئ
بدأت ثقافة إنشاء غرف تحت الأرض (بدروم)، تنتشر في القطاع، بعد عدوان 2014، وهو ما يرجع إلى المكاتب الهندسية المنتشرة في غزة، والتي لعبت دوراً هاماً في نشر هذه الثقافة بحسب اختصاصي الإنشاءات المهندس محمد الشريف، والذي ينصح كل من ينوي بناء منزل بإقامة غرفة صغيرة تحت الأرض، على غرار ما يحدث في خزاعة.
ثمة عائق يقف أمام تعميم هذه التجربة، كما يقول الشريف، موضحا أن "تكلفة بناء غرفة تحت الأرض من 5 آلاف إلى 7 آلاف دولار".
اقــرأ أيضاً
ملاجئ مُضرة
دون إنشاء الملاجئ وفق المواصفات القياسية العالمية والأنظمة الحديثة، التي تقلل من أثر الصواريخ الفتاكة، فإن ما يجري لا قيمة له، كما يعتقد خبير متفجرات في شرطة غزة الملازم محمد مقداد، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن إسرائيل اختبرت في آخر عدوان نوعا من الصواريخ يطلق عليه (p.l.u 109)، تنزل في باطن الأرض لمسافة تتراوح ما بين 25 مترا و30 مترا ثم تنفجر، واستخدمت في منطقتي بيت حانون وبيت لاهيا شمال القطاع، في ثلاث مواقع مختلفة، وأحدثت أضرارا في الأرض غير مسبوقة، لافتاُ إلى أن هذه الصواريخ قد تحول الملجأ إلى نقمة على الفلسطينيين، وتوقع الكثير من الضحايا، في منطقة صغيرة ومحصورة.
في الحرب الأخيرة نزح نصف مليون فلسطيني من مناطق شرق وشمال قطاع غزة، من بينهم 300 ألف لجأوا لـ 196 مدرسة، افتتحتها الأونروا لإيواء الفارين، بينما أقام الباقون في بيوت أقربائهم الواقعة في مراكز المدن، لاعتقادهم بأنها أكثر أمناً.
ولفت المسؤول الذي رفض ذكر اسمه إلى كونه غير مخول بالحديث وإلى أنه من غير الوارد أن تنشئ المؤسسة الدولية ملاجئ للمدنيين الفارين من القصف، قائلا "مهمتنا فقط الإغاثة، وإنشاء الملاجئ مهمة الجهات الحكومية".
البلديات
يعتبر وزير الحكم المحلي السابق الدكتور محمد الفرا، أن إنشاء ملاجئ تستوعب نصف مليون شخص قد ينزحون في حال اندلاع حرب جديدة، أمر مكلف ومرهق، إذ لا تتوفر إمكانات مادية ولوجستية لذلك، بالإضافة إلى أن تجميع المدنيين في هذه الملاجئ قد يؤدي إلى كارثة في حال قصف الملجأ من قبل جيش الاحتلال في ظل الجغرافية الغزية المنبسطة وغير المعقدة.
وقال الفرا لـ"العربي الجديد"، "ما الذي يمنع إسرائيل من قصف ملجأ بحجة وجود مطلوب أو سلاح، كما سبق أن فعلت في الحروب الماضية".
ويرى الفرا أن الحل في حال حدوث أي عدوان يتمثل في نزوح الناس إلى مدارس وكالة الغوث (الأونروا)، وبقائهم فيها، مع ضرورة تطوير وتأهيل هذه المدارس، لتتواءم مع احتياجات النازحين.
بالمقابل يعتقد رئيس بلدية رفح، صبحي أبو رضوان، في وجود حاجة ملحة وضرورة كبيرة لإقامة ملاجئ للمدنيين تحت كل مبنى كبير، خاصة بعد ثلاثة حروب تعرضت لها غزة في غضون سنوات قليلة، ألقيت خلالها مئات الأطنان من المتفجرات.
وذكر أن فكرة فرض البلديات إقامة ملجأ تحت كل مبنى كبير في مرحلة الإنشاء لم تطرح رسميا، رغم التفكير في هذا الأمر من قبل البلديات، متابعا "هذه الخطوة عادة تأتي من قبل الهيئة التنظيمية العليا بوزارة الحكم المحلي المسؤولة عن البلديات".
وأشاد بإقامة بعض المواطنين ملاجئ تحت المباني التي ينشئونها بمبادرات شخصية، ومن بين هؤلاء المواطن أحمد النجار الذي يتفقد قبوه الصغير أسفل منزله شرق خان يونس، بين الفينة والأخرى، ليطلب من المقاول إجراء بعض التعديلات، مثل ردم مزيد من الرمال على جوانبه من الخارج، وتصغير مساحة النوافذ، وإنشاء دورة مياه ومكان لوضع خزان مياه، لمكان قد يصبح يوماً مأوى العائلة الوحيد.
لا يدري معمر إلى أين سيذهب برفقة أسرته، وكيف يمكن أن يحتمي من تلك الصواريخ الفتاكة، إذ تفتقد غزة إلى وجود ملاجئ مهيأة لحماية المدنيين وقت الحروب، على غرار تلك التي كانت منتشرة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتي كثيرا ما احتمى بها معمر وعائلته من الغارات الإسرائيلية قبل عقود.
الملاجئ المصرية
أقيمت الملاجئ في قطاع غزة بعد عدوان عام 1956 مباشرة، بقرار من الجيش المصري والذي خدم فيه معمر برتبة جاويش (وكيل رقيب)، وبحسب ما وثقه معد التحقيق عبر شهادة العسكري المتقاعد، فإن مدينة رفح كان بها أربعة ملاجئ موزعة جغرافيا، حيث كان في وسطها اثنان، وغربها واحد وشرقها واحد، وفي مدينة خان يونس عدد مماثل، وفي مدينة غزة ستة ملاجئ.
وبٌنيت الملاجئ وسط المناطق السكنية في الساحات العامة، وكان لها عدة مداخل، ومزودة بفتحات تهوية، وتم صب سطحها من خرسانة مسلحة سمكها سبعة أمتار، واتسع الملجأ الواحد لألف شخص، وكانت النساء والأطفال يجلسون في ناحية والرجال في ناحية أخرى، كما يوضح معمر والذي لفت إلى التسمية الشعبية "استقام"، والتي كانت تطلق على تلك الملاجئ التي بناها سلاح المهندسين في الجيش المصري.
بعد الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة في عام 1967 أٌهملت الملاجئ، وتحولت إلى مكبات نفايات، وإسطبلات للخيول، وتدريجياً ردمت وبنيت فوقها مساكن، ولم تعد موجودة، كما وثق معد التحقيق عبر جولة في المناطق التي سبق أن كانت بها الملاجئ.
اللجوء إلى الكراجات
لجأ أهالي غزة إلى استخدام كراجات السيارات للحماية من القذائف والصواريخ الإسرائيلية المنهمرة فوق رؤوسهم خلال الحروب الثلاثة الماضية، ووثق معد التحقيق عبر جولة في القطاع وجود 150 برجا وعمارة كبيرة، يوجد أسفل 100 منها قبو مخصص على أنه كراج للسيارات، لجأ إليها الغزيون وقت اشتداد القصف.
وتنخفض تلك الكراجات عن سطح الأرض مسافة تتراوح ما بين 3 أمتار إلى 3.5 أمتار، غير أنها لا يتوفر بها المواصفات الفنية للملاجئ، وتنتشر على وجه الخصوص في مدينة غزة، وتحديداً في منطقتي الرمال وتل الهوا، اللتين سمح ملاك العمارات للنازحين إليهما من مناطق شرق القطاع، بالاختباء داخلها، من بين هؤلاء المستثمر العقاري أمجد حسين، والذي صمم قبوا لاستخدامه مخزنا للبضائع أو كراجا للسيارات، ولم يكن في حسابه أن يتحول إلى ملجأ، وأكد حسين لـ"العربي الجديد"، أن معظم العمارات والمباني الكبيرة التي يزيد عدد طوابقها على سبعة، تنشئ مثل هذا (البدروم) القبو، الذي لا يغني عن وجود ملجأ وفقا للمواصفات القياسية العالمية.
خزاعة تعلمت الدرس
يحرص سكان بلدة خزاعة، في جنوب شرق قطاع غزة، على بناء ما يمكن وصفه بـ"ملاجئ بدائية" تحت منازلهم الجديدة، بعد تعرض البلدة التي تبلغ مساحتها خمسة كيلومترات مربعة، ويقطنها 13 ألف نسمة، إلى مجزرة وعمليات هدم واسعة تسببت في تدمير 550 منزلا، خلال حرب عام 2014، ومن بين هؤلاء عدنان النجار أحد سكان البلدة، الذي أنشأ ملجأ من غرفتين تحت منزله، على الرغم من اعتقاده بعدم جدوى هذه التحصينات في توفير الحماية الكاملة وقت الحرب، إلا أنه قام بالأمر، إذ تستخدم هذه الملاجئ للاختباء المؤقت حتى يستطيع الفرار إلى مدارس وكالة الأنروا الأكثر أمنا.
خلال الحرب الأخيرة لجأ سكان شارع النجار في بلدة خزاعة إلى بدروم أحد سكان الشارع، وبالفعل حماهم القبو من الرصاص وشظايا القذائف بعض الوقت كما يقول عدنان، لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد أن عرفت بتواجد المدنيين فيه قصفته بشكل مباشر، ما أدى إلى سقوط ثلاثة شهداء، وإصابة 30 من بينهم والده الذي فقد عينه.
وعبر جولة ميدانية، عاين معد التحقيق تلك الملاجئ والتي تنخفض عن سطح الأرض ثلاثة أمتار، وتتراوح مساحتها ما بين 50 و70 مترا مربعا، ولها فتحات تهوية مرتفعة، ويتم النزول إليها بواسطة سلم، ويوجد في بعضها دورات مياه، وخزانات سعة 500 لتر لاستخدامها عند الحاجة.
المقاييس العالمية
عقب دراسات مستفيضة أعلن رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين في قطاع غزة، أسامة كحيل، عن وجود خطة لبناء منازل مقاومة للقذائف، وملاجئ في المدارس وحتى في الوحدات السكنية؛ تحسبا لأي عدوان إسرائيلي قادم، ضمن المخطط العام لإعادة إعمار غزة، لكن كحيل عاد وأكد أن الفكرة لم تعد قائمة، بعد تعذر تنفيذها نتيجة معوقات كثيرة.
بحسب التعريفات العالمية فإن الملاجئ لا بد أن توفر الحماية من آثار الأسلحة المختلفة لعدد محدد من المواطنين يشغلون الملجأ خلال الغارة، ووفقا لموقع منتدى الأمن والسلامة العربي، فإن أقل سمك لسقف الملجأ هو 40 سنتيمتر، وقد يصل السمك حتى سبعة أمتار، ولا ينبغي أن يقل سمك الجداران عن 25 سنتيمترا، حسب نوع الملجأ وتصميمه لمقاومة أنواع محددة من الأسلحة.
ويقدر المهندس فادي العبسي، المختص في إنشاء مشروعات سكنية وخدماتية، تكلفة إنشاء ملجأ يتمتع بالمواصفات العالمية، بنحو سبعة ملايين دولار، قائلا "يحتاج الملجأ إلى قطعة أرض لا تقل على 2500 متر مربع، حتى نصل إلى مساحة صافية تتراوح ما بين 1200متر و1300 متر، وتكفي لحماية ألف نسمة، إذ يحتاج النازح إلى متر مربع واحد داخل الملجأ".
انتشار ثقافة إنشاء الملاجئ
بدأت ثقافة إنشاء غرف تحت الأرض (بدروم)، تنتشر في القطاع، بعد عدوان 2014، وهو ما يرجع إلى المكاتب الهندسية المنتشرة في غزة، والتي لعبت دوراً هاماً في نشر هذه الثقافة بحسب اختصاصي الإنشاءات المهندس محمد الشريف، والذي ينصح كل من ينوي بناء منزل بإقامة غرفة صغيرة تحت الأرض، على غرار ما يحدث في خزاعة.
ثمة عائق يقف أمام تعميم هذه التجربة، كما يقول الشريف، موضحا أن "تكلفة بناء غرفة تحت الأرض من 5 آلاف إلى 7 آلاف دولار".
ملاجئ مُضرة
دون إنشاء الملاجئ وفق المواصفات القياسية العالمية والأنظمة الحديثة، التي تقلل من أثر الصواريخ الفتاكة، فإن ما يجري لا قيمة له، كما يعتقد خبير متفجرات في شرطة غزة الملازم محمد مقداد، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن إسرائيل اختبرت في آخر عدوان نوعا من الصواريخ يطلق عليه (p.l.u 109)، تنزل في باطن الأرض لمسافة تتراوح ما بين 25 مترا و30 مترا ثم تنفجر، واستخدمت في منطقتي بيت حانون وبيت لاهيا شمال القطاع، في ثلاث مواقع مختلفة، وأحدثت أضرارا في الأرض غير مسبوقة، لافتاُ إلى أن هذه الصواريخ قد تحول الملجأ إلى نقمة على الفلسطينيين، وتوقع الكثير من الضحايا، في منطقة صغيرة ومحصورة.
في الحرب الأخيرة نزح نصف مليون فلسطيني من مناطق شرق وشمال قطاع غزة، من بينهم 300 ألف لجأوا لـ 196 مدرسة، افتتحتها الأونروا لإيواء الفارين، بينما أقام الباقون في بيوت أقربائهم الواقعة في مراكز المدن، لاعتقادهم بأنها أكثر أمناً.
ولفت المسؤول الذي رفض ذكر اسمه إلى كونه غير مخول بالحديث وإلى أنه من غير الوارد أن تنشئ المؤسسة الدولية ملاجئ للمدنيين الفارين من القصف، قائلا "مهمتنا فقط الإغاثة، وإنشاء الملاجئ مهمة الجهات الحكومية".
البلديات
يعتبر وزير الحكم المحلي السابق الدكتور محمد الفرا، أن إنشاء ملاجئ تستوعب نصف مليون شخص قد ينزحون في حال اندلاع حرب جديدة، أمر مكلف ومرهق، إذ لا تتوفر إمكانات مادية ولوجستية لذلك، بالإضافة إلى أن تجميع المدنيين في هذه الملاجئ قد يؤدي إلى كارثة في حال قصف الملجأ من قبل جيش الاحتلال في ظل الجغرافية الغزية المنبسطة وغير المعقدة.
ويرى الفرا أن الحل في حال حدوث أي عدوان يتمثل في نزوح الناس إلى مدارس وكالة الغوث (الأونروا)، وبقائهم فيها، مع ضرورة تطوير وتأهيل هذه المدارس، لتتواءم مع احتياجات النازحين.
بالمقابل يعتقد رئيس بلدية رفح، صبحي أبو رضوان، في وجود حاجة ملحة وضرورة كبيرة لإقامة ملاجئ للمدنيين تحت كل مبنى كبير، خاصة بعد ثلاثة حروب تعرضت لها غزة في غضون سنوات قليلة، ألقيت خلالها مئات الأطنان من المتفجرات.
وذكر أن فكرة فرض البلديات إقامة ملجأ تحت كل مبنى كبير في مرحلة الإنشاء لم تطرح رسميا، رغم التفكير في هذا الأمر من قبل البلديات، متابعا "هذه الخطوة عادة تأتي من قبل الهيئة التنظيمية العليا بوزارة الحكم المحلي المسؤولة عن البلديات".
وأشاد بإقامة بعض المواطنين ملاجئ تحت المباني التي ينشئونها بمبادرات شخصية، ومن بين هؤلاء المواطن أحمد النجار الذي يتفقد قبوه الصغير أسفل منزله شرق خان يونس، بين الفينة والأخرى، ليطلب من المقاول إجراء بعض التعديلات، مثل ردم مزيد من الرمال على جوانبه من الخارج، وتصغير مساحة النوافذ، وإنشاء دورة مياه ومكان لوضع خزان مياه، لمكان قد يصبح يوماً مأوى العائلة الوحيد.