تشهد الساحة المصرية ظاهرة جديدة تتمثل في التواجد الكبير وغير المسبوق للمعارضة السياسية في الخارج بهذا الحجم الكبير، في ظل امتلاك المعارضة أدوات إعلامية مثل القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية، وتنوعاً أيديولوجياً متبايناً بين ليبراليين، وإسلاميين، واشتراكيين وأنصار لحركة 6 إبريل، والعديد من الأكاديميين المُستقلين، جميعهم يهدف إلى إسقاط النظام السياسي القائم في مصر بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013.
لكن غياب خطة استراتيجية محددة عن المعارضة المصرية في الخارج، بالإضافة إلى عدم وجود حزمة أهداف سياسية واضحة، يجعلان من فرص سقوطها في العديد من المنزلقات السياسية والأخلاقية مرتفعة بشكل كبير؛ إذ توجد أمراض سياسية شائعة تُصاب بها حركات المعارضة السياسية المُقيمة في الخارج إذا طال بها الزمن نحصرها في الآتي.
اقرأ أيضاً: "إخوان" البيت الأبيض.. هكذا صنع اليمين الأميركي شائعات الاختراق
أولاً: الانفصال عن قضايا الواقع المصري المُعاش
لم يعتد الشعب المصري على فكرة المعارضة من خارج مصر؛ إذ تروج بين العديد من المصريين أفكار ودعاية سياسية مفادها بأن المعارضة التي تقيم خارج مصر لا هدف لها سوى تخريب البلد؛ لأنهم يعتقدون أن معارضة النظام السياسي تساوي مهاجمة الدولة المصرية ومؤسساتها والسعي لسقوطها في فوضى سياسية واجتماعية كبيرة، وهذه عقبة سسيولوجية تواجه قادة المعارضة في الخارج كمعطى جماهيري أولي، يُضاف إلى ذلك أن التجربة التاريخية للمعارضات العربية في الخارج للأنظمة السياسية سقطت في فخ الانفصال عن اهتمامات رجل الشارع العادي في الداخل، بحكم طول الإقامة في الخارج وعدم التواصل المباشر مع نبض الشارع السياسي والاجتماعي في طول البلاد وعرضها، وأبرز مثال على ذلك تجربة المعارضة السورية في الخارج في عهد الرئيس حافظ الأسد، وتجربة المعارضة الليبية في الخارج في عهد القذافي، ومعارضي النظام السعودي المقمين في لندن منذ عقود، ويُضاف إلى ذلك أن الخطاب الإعلامي الموجه من المعارضة المصرية في الخارج صدر عنه العديد من الشائعات السياسية القوية، والدعاوى التحريضة التي بالفعل تجعل مصداقية هذه القوى السياسية لدى الشباب ورجل الشارع العادي محط تساؤل واستفسار مثل شائعة تعرض السيسي لمحاولة اغتيال، وتوجيه إنذار للسفراء والجاليات الغربية بضرورة الخروج من مصر فوراً، والتحريض ضد المكون المسيحي بشكل عام باعتباره كياناً داعماً للانقلاب، والدعوة المباشرة لممارسة العنف، من بعض الأفراد المحسوبين على المعارضة في الخارج.
اقرأ أيضاً: التعاطف مع ضحايا رابعة وباريس.. 6 نقاط تكشف الفارق
ثانياً: الارتهان إلى مصالح القوى الإقليمية والعالمية
التجارب العالمية المُعاصرة في مجال معارضة الأنظمة السياسية من خارج حدود الوطن تنبئ بأن حركات وهيئات ومؤسسات المعارضة المُقيمة في الخارج عادة ما تتعرض إلى العديد من الضغوط السياسية والقانونية من قبل الدول الداعمة لها؛ فالتوازنات السياسية الإقليمية والعالمية دائمة التغيير والحراك وهي تدور في فلك المصالح الاستراتيجية والاقتصادية لا القيم الأخلاقية المُتوهمة؛ فقد تستفيد حركات المعارضة المصرية من هذه المعادلة في بعض الأوقات، ثم ترى الدول الحاضنة للمعارضة في مرحلة تالية ضرورة التخلي عنها بل والضغط عليها من أجل اتخاذ مواقف سياسية قد تتعارض مع أهدافها المركزية، وهذا ماثل للعيان في حالة حركات المعارضة السورية، والتي تشهد انقسامات كبيرة بسبب تدخل العديد من القوى الدولية الحاضنة لهذه لحركات المعارضة، لذلك أصبح لدى حركات المعارضة المصرية المُقيمة في تركيا مخاوف حقيقية من قرب حدوث تقارب تركي/مصري على المستوي الرسمي، مما سيفرض ضغوطاً سياسية وقانونية على هذه الكيانات السياسية المصرية المعارضة ومحطاتها الإعلامية التي تبث من إسطنبول.
اقرأ أيضاً: مصر: 20 مليون جنيه نفقات "العدالة الانتقالية" والمحصلة صفر
ثالثاً: فقدان البوصلة وضبابية الدور
عادة ما تسقط حركات المعارضة السياسية في الخارج، في فخ فقدان البوصلة وعدم تحديد الدور النضالي بدقة، مما يؤدي إلى مخاطر سياسية وجماهيرية لقوى المعارضة في الداخل؛ إذ إن بعض كيانات المعارضة المصرية في الخارج تتحرّك بفلسفة أنها البديل عن الهيئات والحركات المعارضة في الداخل، وتعتقد بحكم حرية الحركة في الخارج وامتلاك بعض الأدوات الإعلامية وحزمة من العلاقات السياسية الدولية أنها هي المسؤولة عن تحديد أولويات وأجندة الحراك الثوري والسياسي في الداخل، وهذا سبب العديد من المشاكل بين الكيانات المعارضة في الخارج والتجمعات السياسية المعارضة في الداخل، ويتجلى بشكل واضح بدرجة كبيرة في الخلافات داخل أنصار جماعة الإخوان المسلمين بين دور وطبيعة عمل كيانات الإخوان المسلمين في الخارج وعلاقتها خاصة بشباب الإخوان المسلمين في الداخل؛ لذلك يجب على المعارضة المصرية في الخارج أن تحدد دورها وتضبط بوصلتها بما يدعم الفعل السياسي في الداخل الساعي نحو انتزاع الحرية وعودة المسار الديمقراطي واستكمال أهداف ثورة يناير وليس تقديم نفسها كبديل عن حركات المعارضة في الداخل.
بناء على ما سبق، يمكن القول إنه على الكيانات المعارضة المصرية المُقيمة في الخارج أن تتجنب الوقوع في هذه المخاطر السياسية السابقة من خلال فهم سيكولوجية وطبيعة الشعب المصري ومعرفة همومه الاقتصادية والاجتماعية بعيداً عن كثافة الأيديولوجية التي تحجب الرؤية، ومن خلال وضع استراتيجية للعمل تحدد فيها بوصلتها ودورها في الفعل السياسي الساعي لنيل الحرية والديمقراطية لكل المصريين.