نجا الثلاثيني المصري مينا عماد وزوجته وطفله من حادثة تفجير كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا في دلتا النيل بـ"معجزة"، إذ طلب ابنه منه اصطحابه إلى الحمام، قبل وقوع التفجير بعشر دقائق، غير أنه فوجئ لحظة حدوث الانفجار في العاشرة صباحاً، بسقوطه أرضاً هو وزوجته وابنه أثناء عودتهم إلى داخل الكنيسة لاستكمال صلاة أحد الشعانين أو السعف الذي يسبق عيد الفصح في بداية أسبوع الآلام.
فوجئ مينا بعشرات المصلين على الأرض ما بين قتيل وجريح، من بينهم ابن عم له راح ضحية الانفجار هو ووالدته التي تناثرت أشلاؤها إلى جوار طفل بترت قدمه إثر الانفجار الذي وقع في في الصف الأول عند مذبح الكنيسة، ما أسفر عن مقتل 30 من المصلين وإصابة 78 آخرين، بينهم 19 في حالة خطرة، وفقاً لما أكده مستشار وزير الصحة لشؤون الرعاية الحرجة والعاجلة، الدكتور شريف وديع، والذي توقع تزايد حالات الإصابة والوفاة.
كيف وصلت أنباء التفجيرات إلى البابا؟
عقب نحو ساعتين من انفجار طنطا وعلى بعد 114 كيلومتراً في الإسكندرية، حيث كان الأنبا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يترأس قداس أحد السعف بالكنيسة المرقسية، وقع تفجير ثانٍ، على بعد ثلاثة أمتار من باب الكنيسة التى تقع وسط الإسكندربة وتعد الأكبر في المحافظة، بحسب إفادة الأنبا بافلي الأسقف العام للكنيسة المرقسية، مساعد البابا تواضروس الثاني للشباب في الإسكندرية، ومسؤول كنائس قطاع المنتزه، الذي تتبعه الكنيسة المستهدفة، والتي راح ضحية التفجير الواقع عند مدخلها، 18 قتيلا و40 مصابا بحسب بيان صادر عن وزارة الصحة المصرية في الثالثة والنصف عصرا.
قطع البابا تواضروس الصلاة للمرة الثانية بعد الانفجار، إذ سبق أن توقفت الصلاة لدى تلقي البابا نبأ تفجير كنيسة طنطا، بينما استمر الأساقفة والأنبا إيلاريون الأسقف العام لغرب الإسكندرية والأنبا أنجيلوس أسقف عام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في أستيفنج بإنكلترا، والآباء والكهنة والمصلون، في مراسم القداس، فيما توقف البابا لمتابعة أوضاع كنيسة طنطا، بحسب ما رواه لـ"العربي الجديد"، الأنبا بافلي، مضيفاً "بينما كان قداسته يتصل بأسقف طنطا وقع انفجار الكنيسة المرقسية".
أكمل البابا صلاته بعدما ظل خمس دقائق لا يستطيع استجماع قواه، جالساً في صمت تام بعد وقوع التفجير في الخارج، ثم نهض وأكمل الصلاة مغادراً إلى مكان غير معلوم، كما يقول الأنبا بافلي الذي يعتقد أن البابا كان مستهدفاً بالتفجير، قائلا "حماية الله أنقذته، قداسته الآن في مكان آمن، لا نرغب في الإعلان عنه، نصيبنا أن نكون مقصداً للإرهابيين".
اقــرأ أيضاً
سبب زيادة أعداد الضحايا في حادثة طنطا
تقع كنيسة مار جرجس في شارع علي مبارك، وسط مدينة طنطا التي تبعد عن القاهرة مائة كيلومتر، وتسكن المنطقة التي تبعد كيلومتراً واحداً عن مبنى مديرية أمن الغربية ومقر المحافظة العديد من الأسر المصرية المسيحية، وتتمركز قوة أمنية من أربعة أفراد على ناصيتي الشارع الذي امتلأ بالأطفال والنساء والشباب والشيوخ، ممن يحملون سعف النخيل وأغصان الزيتون، وأمام بوابة الكنيسة جلس 6 من أفراد الأمن إلى جوار بوابة إلكترونية لكشف المتفجرات مثبتة أمام بوابة الكنيسة، ولم يوقف عنصر الأمن المكلف بفحص زوار الكنيسة أياً من المارة من خارج الكنيسة إلى داخلها، بحسب شهادات متطابقة لثلاثة من شهود العيان، الذين أكدوا لـ"العربي الجديد"، أنه عقب وقوع التفجير تحول شارع علي مبارك إلى ثكنة عسكرية، إذ أغلقت قوات أمنية مداخل ومخارج الشارع ولم يسمحوا لأحد بالمرور أو دخول منطقة التفجير التي امتلأت بسيارات الإسعاف والمحققين، بينما كان المشهد فوضوياً داخل الكنيسة، إذ امتلأ بهو قاعة الصلاة بدماء وأشلاء الضحايا، وتناثر حطام زجاج نوافذ الكنيسة في الأرجاء، بينما تحطم باب القاعة ووصلت الدماء حتى سقف الكنيسة المرتفع عشرات الأمتار، بحسب شهادة العشريني ياسر سامي، الذي نجا من الانفجار إثر تأخره لانتظاره أصدقاء له أمام الكنيسة، وعقب وقوع الانفجار أسرع للمساعدة في تغطية جثث القتلى، ونقل المصابين إلى سيارات الإسعاف، فيما تحفظ رجال الأمن على رأس لانتحاري يشتبه ارتكابه للواقعة تم وضعه برفقة أشلائه في كيس بلاستيكي تحفظ عليه محققون من الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية، وفق ما كشفه مصدر أمني مطلع يعمل في مديرية أمن الغربية لـ"العربي الجديد".
ويطابق ما أكده المصدر الأمني، ما قاله المحامي العام لنيابة وسط طنطا المستشار علي يوسف، والذي أكد التحفظ على رأس لشخص يرجح كونه منفذ العملية، إذ لم يتعرف إليه أحد من المسؤولين عن الكنيسة أو المترددين عليها.
وتناقلت وسائل إعلامية وصحافية، أنباء عن زرع عبوة ناسفة داخل الكنيسة، مثلما جرى قبل ثمانية أيام، في مدينة طنطا والتي راح ضحيتها شرطي وأصيب 12 آخرون في انفجار أمام مركز تدريب لقوات الشرطة في طنطا، غير أن بيان الفرع المحلي في مصر، لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، المعروف باسم ولاية سيناء، أزال جانبا هاما من الغموض حول حقيقة ما جرى، إذ تبنى التنظيم الهجوم وأعلن بعد 10 ساعات على وقوعه في الثامنة بتوقيت القاهرة على حسابات مؤيدة للتنظيم على مواقع التواصل، أن انتحارياً يكنى بأبي إسحاق المصري، فجر سترته الناسفة في كنيسة مار جرجس.
اقــرأ أيضاً
الحذر قلل عدد الضحايا في الإسكندرية
في الإسكندرية غص محيط الكنيسة المرقسية بسيارات الشرطة وأفرادها منذ الصباح الباكر لتأمين البابا تواضروس داخلها منذ السادسة صباحا، ووفقاً لما وثقه معد التحقيق في الإسكندرية، فقد رفعت الشرطة جميع السيارات الواقفة في محيط الكنيسة، وتم وضع لافتات ممنوع مرور السيارات، فيما مر زائرو الكنيسة مشياً بين كتيبة من أفراد الأمن بعضهم جلس على كراسي والآخرون وقفوا وسط الشارع.
بعد سماع الأمن أنباء تفجير طنطا وقف رجال الأمن الذين كانوا جالسين، وسادت أجواء حذرة في المكان، فيما دعا الضباط أفراد الشرطة، إلى عدم التحدث في الهاتف والوقوف منتبهين، وتم تفعيل بوابة كشف المتفجرات وتفتيش الداخلين إلى الكنيسة عبرها، بعدما مر عديدون دون فحص قبل وقوع انفجار طنطا، بحسب ما يؤكده المهندس مراد خليل، شاهد العيان، والذي تابع موضحاً أن أحد الأشخاص حاول دخول الكنيسة من دون المرور عبر بوابة فحص المتفجرات، لكن الأمن رفض مروره فعاد مرة ثانية إلى البوابة وفجر نفسه داخلها، عند باب الكنيسة، ما أدى إلى حالة من الفوضى وتدافع كل من كانوا في مدخل الكنيسة إلى داخلها، واختفت البوابة الإلكترونية المدمرة وتضررت بوابة الكنيسة، فيما قتل 11 شخصاً، بينهم العميد نجوى الحجار والرائد عماد الركايبي والرائد محمد رفعت، وأمين شرطة أحمد إبراهيم، فيما أصيب 40 آخرون.
ووفقا لما كشفه بيان تنظيم داعش، فإن الانتحاري الذي ارتكب الواقعة وفجّر سترته الناسفة، يكنى بأبي البراء المصري، ويتوقع اللواء رفعت عبد الحميد الخبير الأمني، توصل أجهزة الأمن إلى معلومات كاملة حوله، إذ تم تصويره بوضوح عبر كاميرات المراقبة الخاصة بالكنيسة قبل أن يفجر نفسه.
هروب مدير الأمن المقال
بصوت غاضب، قالت ربة المنزل دينا سامي، موجهة حديثها إلى قيادات الأمن التي حضرت أمام كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا بصحبة اللواء حسام الدين خليفة مدير أمن الغربية: "قبل أسبوع اكتشفوا قنبلة إلى جوار سور الكنيسة، يعني تعرفوا أن الكنيسة مستهدفة، لماذا لم تشددوا الإجراءات الأمنية؟!
وردّ اللواء حسام الدين خليفة:"نؤمن الكنائس بشكل جيد، والدليل اكتشافنا للقنبلة الأسبوع الماضي، والكنائس يتم تأمينها من قبل حرس الكنيسة، وأنتم تغضبون عندما نوقفكم عند الباب للتفتيش".
وتسبب حديث مدير الأمن في غضب الأهالي الذين هتفوا ضده وتجمهروا محاولين الاعتداء عليه، ما اضطره إلى الهرب من مكان الحادث، بينما أصدر اللواء مجدي عبدالغفار قراراً بإقالته عقب دقائق من الأمر، فيما تم تعيين اللواء طارق حسونة، مديراً لأمن الغربية بدلا منه.
وانتقلت حالة الغضب إلى الإسكندرية، إذ تظاهر عشرات الأقباط الغاضبين ملوحين بسعف ملطخة بالدماء، وجالت التظاهرة في منطقتي المنشية ومحطة الرمل بالقرب من الكنيسة، وصولا الى كورنيش الإسكندرية والذي قطعه المتظاهرون لدقائق، هاتفين: "يا نجيب حقهم يا نموت زيهم".
من يتحمل مسؤولية فشل إجراءات التأمين؟
يحمل اللواء نبيل عبد الفتاح مدير أمن الغربية السابق مسؤولية حماية الكنائس، إلى الحرس الخاص بها (الكشافة الكنسية)، قائلا: "هم يعرفون من يتردد على الكنيسة، والأمن يؤمن من الخارج فقط"، بينما يتفق اللواء رفعت عبد الحميد الخبير الأمني جزئياً مع الرأي السابق معترفاً بوجود مشكلة في تأمين الكنائس، لكنه عاد واستدرك موضحا: "المسؤولية مشتركة بين أمن الكنيسة والشرطة المكلفة بالتأمين، الجهتان لم تتعلما من تفجير الكاتدرائية بالعباسية".
وتعد مواجهة ومنع التفجير الانتحاري من أكثر العمليات الأمنية تعقيداً، وفق ما يوضحه اللواء عبدالحميد، "إذ يحدث في جزء من الثانية، ولا بد أن تكون له ضحايا، والإرهابيون استغلوا "أحد السعف" لإيقاع أكبر عدد من الضحايا بنفس الطريقة تقريبا التي وقع بها حادث تفجير الكاتدرائية في العباسية بالقاهرة قبل 4 أشهر".
بالمقابل يصف عماد جاد عضو مجلس النواب المصري ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ما حدث بـ"التهريج"، إذ إنه نتيجة طبيعية لعدم محاسبة أحد بعد فشل الأمن في منع حادثة تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة".
اقــرأ أيضاً
دعوات لتأمين الكنائس عبر شركات خاصة
يدعو الأنبا بافلي مسؤول كنائس قطاع المنتزه، إلى وقفة من قبل الدولة، تجاه ما حدث، إذ لا يتوقع أن تكونا الحادثتين الأخيرتين، مشدداً على ضرورة تغيير إجراءات تأمين الكنائس، إذ يفكر في الاستعانة بشركات حراسة خاصة، لكن الأمر يحتاج إلى دراسة وتشاور وتفكير، على حد قوله، مستبعداً الحدث حول فشل تأمين الكنائس، وأكمل مردفاً "لا أستطيع الحديث عن إهمال الآن".
ويشترك جاد مع الرأي السابق في ضرورة مراجعة تأمين الكنائس، قائلا "الأقباط هم من يدفعون الثمن الآن، صحيح أن هناك أفراداً من الشرطة والجيش يُقتلون كل يوم، لكن ماذا تقول إن كان قرابة 100 شخص قتلوا في ثلاثة تفجيرات لكنائس خلال أربعة أشهر فقط".
وهو ما يوافق ما يراه الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها، بأنه لا يستطيع تحميل الأمن المسؤولية كاملة، قائلا لـ"العربي الجديد"، "المسؤولية مشتركة، دي بلدنا لازم نضحي من أجلها ولا بد أن نكمل حياتنا".
مقبرة جماعية للضحايا
خلال تحرير التحقيق، أكدت مصادر كنسية مطلعة لـ"العربي الجديد" عقد الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها، اجتماعاً مع القيادات الأمنية في المحافظة، وعلى رأسهم اللواء طارق حسونة، وتم الاتفاق على سرعة رفع الأنقاض وتجهيز الكاتدرائية قدر الاستطاعة لترتيبات الجنازة ومسار تأمينها. وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، عن بناء مقبرة جماعية لكل الشهداء في مدينة طنطا.
ولم تحدد الكنيسة بعد، موقفها من إكمال الاحتفالات الدينية، وفق ما أوضحه الأنبا بولا، إذ لا بد من العودة إلى البابا تواضروس أولا، قائلا "لكن لا أتصور أن يتم إلغاؤها، أعتقد أننا سنقلل منها ودون مظاهر للفرح، فقط ستقتصر على الصلاة".
فوجئ مينا بعشرات المصلين على الأرض ما بين قتيل وجريح، من بينهم ابن عم له راح ضحية الانفجار هو ووالدته التي تناثرت أشلاؤها إلى جوار طفل بترت قدمه إثر الانفجار الذي وقع في في الصف الأول عند مذبح الكنيسة، ما أسفر عن مقتل 30 من المصلين وإصابة 78 آخرين، بينهم 19 في حالة خطرة، وفقاً لما أكده مستشار وزير الصحة لشؤون الرعاية الحرجة والعاجلة، الدكتور شريف وديع، والذي توقع تزايد حالات الإصابة والوفاة.
كيف وصلت أنباء التفجيرات إلى البابا؟
عقب نحو ساعتين من انفجار طنطا وعلى بعد 114 كيلومتراً في الإسكندرية، حيث كان الأنبا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يترأس قداس أحد السعف بالكنيسة المرقسية، وقع تفجير ثانٍ، على بعد ثلاثة أمتار من باب الكنيسة التى تقع وسط الإسكندربة وتعد الأكبر في المحافظة، بحسب إفادة الأنبا بافلي الأسقف العام للكنيسة المرقسية، مساعد البابا تواضروس الثاني للشباب في الإسكندرية، ومسؤول كنائس قطاع المنتزه، الذي تتبعه الكنيسة المستهدفة، والتي راح ضحية التفجير الواقع عند مدخلها، 18 قتيلا و40 مصابا بحسب بيان صادر عن وزارة الصحة المصرية في الثالثة والنصف عصرا.
قطع البابا تواضروس الصلاة للمرة الثانية بعد الانفجار، إذ سبق أن توقفت الصلاة لدى تلقي البابا نبأ تفجير كنيسة طنطا، بينما استمر الأساقفة والأنبا إيلاريون الأسقف العام لغرب الإسكندرية والأنبا أنجيلوس أسقف عام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في أستيفنج بإنكلترا، والآباء والكهنة والمصلون، في مراسم القداس، فيما توقف البابا لمتابعة أوضاع كنيسة طنطا، بحسب ما رواه لـ"العربي الجديد"، الأنبا بافلي، مضيفاً "بينما كان قداسته يتصل بأسقف طنطا وقع انفجار الكنيسة المرقسية".
أكمل البابا صلاته بعدما ظل خمس دقائق لا يستطيع استجماع قواه، جالساً في صمت تام بعد وقوع التفجير في الخارج، ثم نهض وأكمل الصلاة مغادراً إلى مكان غير معلوم، كما يقول الأنبا بافلي الذي يعتقد أن البابا كان مستهدفاً بالتفجير، قائلا "حماية الله أنقذته، قداسته الآن في مكان آمن، لا نرغب في الإعلان عنه، نصيبنا أن نكون مقصداً للإرهابيين".
سبب زيادة أعداد الضحايا في حادثة طنطا
تقع كنيسة مار جرجس في شارع علي مبارك، وسط مدينة طنطا التي تبعد عن القاهرة مائة كيلومتر، وتسكن المنطقة التي تبعد كيلومتراً واحداً عن مبنى مديرية أمن الغربية ومقر المحافظة العديد من الأسر المصرية المسيحية، وتتمركز قوة أمنية من أربعة أفراد على ناصيتي الشارع الذي امتلأ بالأطفال والنساء والشباب والشيوخ، ممن يحملون سعف النخيل وأغصان الزيتون، وأمام بوابة الكنيسة جلس 6 من أفراد الأمن إلى جوار بوابة إلكترونية لكشف المتفجرات مثبتة أمام بوابة الكنيسة، ولم يوقف عنصر الأمن المكلف بفحص زوار الكنيسة أياً من المارة من خارج الكنيسة إلى داخلها، بحسب شهادات متطابقة لثلاثة من شهود العيان، الذين أكدوا لـ"العربي الجديد"، أنه عقب وقوع التفجير تحول شارع علي مبارك إلى ثكنة عسكرية، إذ أغلقت قوات أمنية مداخل ومخارج الشارع ولم يسمحوا لأحد بالمرور أو دخول منطقة التفجير التي امتلأت بسيارات الإسعاف والمحققين، بينما كان المشهد فوضوياً داخل الكنيسة، إذ امتلأ بهو قاعة الصلاة بدماء وأشلاء الضحايا، وتناثر حطام زجاج نوافذ الكنيسة في الأرجاء، بينما تحطم باب القاعة ووصلت الدماء حتى سقف الكنيسة المرتفع عشرات الأمتار، بحسب شهادة العشريني ياسر سامي، الذي نجا من الانفجار إثر تأخره لانتظاره أصدقاء له أمام الكنيسة، وعقب وقوع الانفجار أسرع للمساعدة في تغطية جثث القتلى، ونقل المصابين إلى سيارات الإسعاف، فيما تحفظ رجال الأمن على رأس لانتحاري يشتبه ارتكابه للواقعة تم وضعه برفقة أشلائه في كيس بلاستيكي تحفظ عليه محققون من الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية، وفق ما كشفه مصدر أمني مطلع يعمل في مديرية أمن الغربية لـ"العربي الجديد".
ويطابق ما أكده المصدر الأمني، ما قاله المحامي العام لنيابة وسط طنطا المستشار علي يوسف، والذي أكد التحفظ على رأس لشخص يرجح كونه منفذ العملية، إذ لم يتعرف إليه أحد من المسؤولين عن الكنيسة أو المترددين عليها.
وتناقلت وسائل إعلامية وصحافية، أنباء عن زرع عبوة ناسفة داخل الكنيسة، مثلما جرى قبل ثمانية أيام، في مدينة طنطا والتي راح ضحيتها شرطي وأصيب 12 آخرون في انفجار أمام مركز تدريب لقوات الشرطة في طنطا، غير أن بيان الفرع المحلي في مصر، لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، المعروف باسم ولاية سيناء، أزال جانبا هاما من الغموض حول حقيقة ما جرى، إذ تبنى التنظيم الهجوم وأعلن بعد 10 ساعات على وقوعه في الثامنة بتوقيت القاهرة على حسابات مؤيدة للتنظيم على مواقع التواصل، أن انتحارياً يكنى بأبي إسحاق المصري، فجر سترته الناسفة في كنيسة مار جرجس.
الحذر قلل عدد الضحايا في الإسكندرية
في الإسكندرية غص محيط الكنيسة المرقسية بسيارات الشرطة وأفرادها منذ الصباح الباكر لتأمين البابا تواضروس داخلها منذ السادسة صباحا، ووفقاً لما وثقه معد التحقيق في الإسكندرية، فقد رفعت الشرطة جميع السيارات الواقفة في محيط الكنيسة، وتم وضع لافتات ممنوع مرور السيارات، فيما مر زائرو الكنيسة مشياً بين كتيبة من أفراد الأمن بعضهم جلس على كراسي والآخرون وقفوا وسط الشارع.
بعد سماع الأمن أنباء تفجير طنطا وقف رجال الأمن الذين كانوا جالسين، وسادت أجواء حذرة في المكان، فيما دعا الضباط أفراد الشرطة، إلى عدم التحدث في الهاتف والوقوف منتبهين، وتم تفعيل بوابة كشف المتفجرات وتفتيش الداخلين إلى الكنيسة عبرها، بعدما مر عديدون دون فحص قبل وقوع انفجار طنطا، بحسب ما يؤكده المهندس مراد خليل، شاهد العيان، والذي تابع موضحاً أن أحد الأشخاص حاول دخول الكنيسة من دون المرور عبر بوابة فحص المتفجرات، لكن الأمن رفض مروره فعاد مرة ثانية إلى البوابة وفجر نفسه داخلها، عند باب الكنيسة، ما أدى إلى حالة من الفوضى وتدافع كل من كانوا في مدخل الكنيسة إلى داخلها، واختفت البوابة الإلكترونية المدمرة وتضررت بوابة الكنيسة، فيما قتل 11 شخصاً، بينهم العميد نجوى الحجار والرائد عماد الركايبي والرائد محمد رفعت، وأمين شرطة أحمد إبراهيم، فيما أصيب 40 آخرون.
ووفقا لما كشفه بيان تنظيم داعش، فإن الانتحاري الذي ارتكب الواقعة وفجّر سترته الناسفة، يكنى بأبي البراء المصري، ويتوقع اللواء رفعت عبد الحميد الخبير الأمني، توصل أجهزة الأمن إلى معلومات كاملة حوله، إذ تم تصويره بوضوح عبر كاميرات المراقبة الخاصة بالكنيسة قبل أن يفجر نفسه.
هروب مدير الأمن المقال
بصوت غاضب، قالت ربة المنزل دينا سامي، موجهة حديثها إلى قيادات الأمن التي حضرت أمام كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا بصحبة اللواء حسام الدين خليفة مدير أمن الغربية: "قبل أسبوع اكتشفوا قنبلة إلى جوار سور الكنيسة، يعني تعرفوا أن الكنيسة مستهدفة، لماذا لم تشددوا الإجراءات الأمنية؟!
وردّ اللواء حسام الدين خليفة:"نؤمن الكنائس بشكل جيد، والدليل اكتشافنا للقنبلة الأسبوع الماضي، والكنائس يتم تأمينها من قبل حرس الكنيسة، وأنتم تغضبون عندما نوقفكم عند الباب للتفتيش".
وتسبب حديث مدير الأمن في غضب الأهالي الذين هتفوا ضده وتجمهروا محاولين الاعتداء عليه، ما اضطره إلى الهرب من مكان الحادث، بينما أصدر اللواء مجدي عبدالغفار قراراً بإقالته عقب دقائق من الأمر، فيما تم تعيين اللواء طارق حسونة، مديراً لأمن الغربية بدلا منه.
وانتقلت حالة الغضب إلى الإسكندرية، إذ تظاهر عشرات الأقباط الغاضبين ملوحين بسعف ملطخة بالدماء، وجالت التظاهرة في منطقتي المنشية ومحطة الرمل بالقرب من الكنيسة، وصولا الى كورنيش الإسكندرية والذي قطعه المتظاهرون لدقائق، هاتفين: "يا نجيب حقهم يا نموت زيهم".
من يتحمل مسؤولية فشل إجراءات التأمين؟
يحمل اللواء نبيل عبد الفتاح مدير أمن الغربية السابق مسؤولية حماية الكنائس، إلى الحرس الخاص بها (الكشافة الكنسية)، قائلا: "هم يعرفون من يتردد على الكنيسة، والأمن يؤمن من الخارج فقط"، بينما يتفق اللواء رفعت عبد الحميد الخبير الأمني جزئياً مع الرأي السابق معترفاً بوجود مشكلة في تأمين الكنائس، لكنه عاد واستدرك موضحا: "المسؤولية مشتركة بين أمن الكنيسة والشرطة المكلفة بالتأمين، الجهتان لم تتعلما من تفجير الكاتدرائية بالعباسية".
وتعد مواجهة ومنع التفجير الانتحاري من أكثر العمليات الأمنية تعقيداً، وفق ما يوضحه اللواء عبدالحميد، "إذ يحدث في جزء من الثانية، ولا بد أن تكون له ضحايا، والإرهابيون استغلوا "أحد السعف" لإيقاع أكبر عدد من الضحايا بنفس الطريقة تقريبا التي وقع بها حادث تفجير الكاتدرائية في العباسية بالقاهرة قبل 4 أشهر".
بالمقابل يصف عماد جاد عضو مجلس النواب المصري ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ما حدث بـ"التهريج"، إذ إنه نتيجة طبيعية لعدم محاسبة أحد بعد فشل الأمن في منع حادثة تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة".
دعوات لتأمين الكنائس عبر شركات خاصة
يدعو الأنبا بافلي مسؤول كنائس قطاع المنتزه، إلى وقفة من قبل الدولة، تجاه ما حدث، إذ لا يتوقع أن تكونا الحادثتين الأخيرتين، مشدداً على ضرورة تغيير إجراءات تأمين الكنائس، إذ يفكر في الاستعانة بشركات حراسة خاصة، لكن الأمر يحتاج إلى دراسة وتشاور وتفكير، على حد قوله، مستبعداً الحدث حول فشل تأمين الكنائس، وأكمل مردفاً "لا أستطيع الحديث عن إهمال الآن".
ويشترك جاد مع الرأي السابق في ضرورة مراجعة تأمين الكنائس، قائلا "الأقباط هم من يدفعون الثمن الآن، صحيح أن هناك أفراداً من الشرطة والجيش يُقتلون كل يوم، لكن ماذا تقول إن كان قرابة 100 شخص قتلوا في ثلاثة تفجيرات لكنائس خلال أربعة أشهر فقط".
وهو ما يوافق ما يراه الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها، بأنه لا يستطيع تحميل الأمن المسؤولية كاملة، قائلا لـ"العربي الجديد"، "المسؤولية مشتركة، دي بلدنا لازم نضحي من أجلها ولا بد أن نكمل حياتنا".
مقبرة جماعية للضحايا
خلال تحرير التحقيق، أكدت مصادر كنسية مطلعة لـ"العربي الجديد" عقد الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها، اجتماعاً مع القيادات الأمنية في المحافظة، وعلى رأسهم اللواء طارق حسونة، وتم الاتفاق على سرعة رفع الأنقاض وتجهيز الكاتدرائية قدر الاستطاعة لترتيبات الجنازة ومسار تأمينها. وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، عن بناء مقبرة جماعية لكل الشهداء في مدينة طنطا.
ولم تحدد الكنيسة بعد، موقفها من إكمال الاحتفالات الدينية، وفق ما أوضحه الأنبا بولا، إذ لا بد من العودة إلى البابا تواضروس أولا، قائلا "لكن لا أتصور أن يتم إلغاؤها، أعتقد أننا سنقلل منها ودون مظاهر للفرح، فقط ستقتصر على الصلاة".