يعد بناء هوية وطنية جامعة يؤمن بها جميع الجزائريين؛ أكبر تحد تركه المستعمر الفرنسي أمام الشعب الجزائري بعد نيل استقلاله، إذ دأب الفرنسيون طوال 130 سنة من احتلالهم، على طمس الهوية الجزائرية ومسخها ثقافياً ولغوياً وعرقياً وتاريخياً، وإثارة النعرات الجهوية بين العرب والأمازيغ في الجزائر، ما شكل أساساً للصعوبات التي واجهت تشكيل وبناء هوية جامعة.
وانطلقت عملية التعريب بالجزائر في 5 يوليو/تموز 1963 على يد الرئيس الرئيس أحمد بن بله والذي رفع شعار "التعريب ضروري ولا اشتراكية بدون تعريب ولا مستقبل لهذا البلد إلا في العروبة" ، ثم واصل الرئيس هواري بومدين (1965-1978) تطبيق السياسات الخاصة بالتعريب إذْ وقع مرسوما يوم 26 إبريل/نسيان 1968 يلزم كل الموظفين الجزائريين بأن يكونوا على "معرفة كافية باللغة الوطنية العربية عند توظيفهم، كما أصدرت الدولة قرارا بأن تكون كافة الرسائل الرسمية السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذلك الاتصالات والمباحثات باللغة العربية، وتم تعريب أسماء المدن الأمازيغية، كما منعت السلطات الجزائرية التسمي بأسماء غير عربية في عام 1971 وفق الباحثة في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، في جامعة الجزائر عبير شليغ، ونتج عن هذا التوجه العروبي للنخبة الحاكمة عديد الاعتراضات الاجتماعية والثقافية والسياسية من طرف المكون الوطني الأمازيغي والذي يُمثل حوالي ثلث السكان في الجزائر ويتحدثون باللغة الأمازيغية والتي تبلغ نسبة المتحدثين بها في الجزائر قرابة 45.35% من السُكان ويتوزع الأمازيغ جغرافياً على عدة مجموعات منفصلة على رأسها القبائل في منطقة القبائل (شرقي العاصمة)، الشاوية في منطقة الأوراس (جنوب شرقي العاصمة)، المزاب (المجموعة الأمازيغية الوحيدة ذات المذهب الإباضي) في منطقة غرداية (500 كلم جنوب العاصمة)، الطوارق (أقصى جنوب البلاد)، الشناوة في منطقة شرشال (90 كلم غرب العاصمة)، وهناك مجموعة أمازيغية أخرى قرب مدينة ندرومة على الحدود مع المغرب.
اقــرأ أيضاً
محطات التوتر الستّ
نتج عن اعتماد السلطة الجزائرية الحاكمة للمشروع العروبي في مرحلة ما بعد الاستقلال العديد من التوترات الاجتماعية والثقافية وفق التالي:
أولاً: في عام 1980 شُكلت حركة احتجاجية في منطقة القبائل إذ خرجت مظاهرات طلابية في جامعة تيزي وزو، رداً علي منع السلطات الكاتب مولود معمري إلقاء محاضرة في الجامعة حول "الشعر القبائلي القديم" بالإضافة إلى منع إقامة حفل موسيقي لفرقة أمازيغن إيمولا، وأصبحت ذكرى هذه الأحداث تعرف بـ"الربيع الأمازيغي"، والذي كان المطلب الأبرز فيه هو الاعتراف باللغة والثقافة الأمازيغية باعتبارها جزءاً من الهوية الوطنية الجزائرية.
ثانياً: منع تسمية السلطات الجزائرية للمواليد الجدد بأسماء أمازيغية في عام 1981 رداً على ظهور الحركة الأمازيغية الثقافية، والتي سعت السلطة الجزائرية إلى كبح انتشارها في المجتمع، حسبما يذكر الباحث حمزة كحال.
ثالثاً: ازدادت موجة الاحتجاجات في منطقة القبائل؛ فقام الرئيس اليمين زروال بإدخال اللغة الأمازيغية في التعليم بفتح قسمين للغة الأمازيغية بجامعتي تيزي وزو وبجاية عام 1990، كما أنشأ "المحافظة السامية للأمازيغية". وسمح بتقديم نشرات إخبارية في التلفزيون باللغات الأمازيغية الرئيسية، كما قام زروال بإضافة البعد الأمازيغي باعتباره أحد المقومات الأساسية للهوية الجزائرية إلى جانب الإسلام والعروبة، وأدرجه في الدستور.
رابعاً: شهدت منطقة القبائل إضرابا مدرسيا ما بين عامي 1994-1995 احتجاجا على قانون تعميم استخدام اللغة العربية، والذي تم إنهاؤه بموجب اتفاق إبريل/نيسان 1995 بين السلطة والحركة الثقافية الأمازيغية.
خامساً: في عام 2001 أشعلت وفاة الطالب ماسينيسا قرباح يوم 18 إبريل في مقر الدرك الوطني بعد اعتقاله خلال تظاهرة احتفالية بذكرى الربيع الأمازيغي، موجة من الاضطرابات في ولاية تيزي وزو شرق الجزائر العاصمة ثم توسعت المظاهرات لتعم كل أنحاء منطقة القبائل وارتفع عدد ضحاياها إلى 123 قتيلا ومئات الجرحى، واستمرت تلك التظاهرة حتى أكتوبر/تشرين الأول، وأدت تلك الأحداث إلى انسحاب حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD الحزب الثاني في منطقة القبائل ذي القاعدة الشعبية الأمازيغية من الحكومة في مايو/أيار 2001، وبروز تشكيل تنظيم شعبي جديد عرف باسم "تنسيقية العروش" نجح في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة يقضي بإخلاء الدرك لمنطقة القبائل، ومعاقبة المتسببين في الأحداث، وتلبية المطلب الأمازيغي بكل أبعاده الهوياتية والحضارية واللغوية والثقافية دون استفتاء إذ قرر الرئيس بوتفليقة في مارس/آذار 2002 ترسيم الأمازيغية لغة وطنية.
سادساً: اندلاع مواجهات عنيفة بين العرب أتباع المذهب الإسلامي المالكي والأمازيغ أتباع المذهب الإباضي في ولاية غرداية، إذ خلفت اشتباكات جرت في مارس/آذار من عام 2008 ثلاثة قتلى، ثم تجددت المواجهات في عام 2015 وسقط فيها 22 شخصاً وجرح ما يزيد عن 700 فرد، بينهم عشرات من قوات الشرطة، ويمكن القول إنه وإن كانت أسباب هذه الاشتباكات ترجع إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية إلا أن البعد الخاص بأزمة الهوية الجزائرية حاضر فيها بقوة.
وبسبب تفاقم أزمة الهوية الجزائرية ودخول أطراف دولية لاستغلال الأحداث وإثارة القلاقل في منطقة القبائل تبنّى البرلمان الجزائري، يوم الأحد الموافق 7 فبراير/شباط 2016 بغالبية ساحقة مراجعة دستورية تنصّ على اعتبار الأمازيغية "لغة وطنية ورسمية" في البلاد، فيما اللغة العربية هي "اللغة الوطنية والرسمية" وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة إلا أن بعضهم يعتبرها غير كافية، فما زالت في نظرهم اللغة الأمازيغية على المستوى القانوني غير متساوية مع اللغة العربية التي يعتبرها الدستور اللغة الرسمية للدولة.
مسارات بناء الهوية الجزائرية الجامعة
بناء علي ما تقدم يمكن للنخب الجزائرية السياسية والثقافية من كل الأطراف تجاوز إشكاليات الهوية الوطنية، والتحرك نحو بناء الهوية الداخلية الجامعة، إذا تعاملوا مع ملف الهوية وفق المسارات الثلاثة التالية:
أولاً: تحديد الهدف من فتح النقاش حول ملف الهوية داخل المجتمع والدولة، بحيث يكون التناول رافعة للبناء والاستقرار والنهوض، بعيداً عن الاشتباك والصراع الأيديولوجي والديني؛ فالتعاطي مع قضايا الهوية باعتبارها بوابة لبناء الجسور بين مكونات المجتمع الجزائري سيوفر الجهد ويقلل من حجم التوتر والانفعال؛ إذ إن الأمازيغ والعرب مكونان للمجتمع انصهرا سوية، والاثنان شكلا معاً وجه الجزائر الحضاري المُقاوم للاستعمار والداعم لقضايا التحرر في المنطقة، وعلى رأسها قضية فلسطين.
ثانياً: اعتبار الهوية الجزائرية مضماراً ذا مسافات متعددة (ثقافية واجتماعية وسياسية) إذ إنه من الخطأ قصر الحديث فيها على البعد اللغوي فقط أو التاريخي؛ ولا بد من تناولها من حيث جميع المجالات الإنسانية والمجتمعية من تراث وتاريخ وجغرافيا واقتصاد وفنون وموسيقى جزائرية داخلة فى مدار الهوية ومؤثرة فيه، ولذلك يُعد الإسلام فرصة تاريخية لإنتاج خيط ناظم يجمع شتات الهوية الجزائرية؛ وبالتالي عندما يُفتح النقاش حول الهوية لا بد أن يفتح من الباب الواسع الذي يُرحب بفحص واعتبار كل السياقات وعدم قصر مناقشة قضايا الهوية في الإطار الاحتجاجي والسياسي والقانوني فقط.
ثالثاً: فهم النخبة الجزائرية لفلسفة بناء الهوية الوطنية باعتبارها متغيرة ومتحركة ومتفاعلة مع التاريخ والجغرافيا، إذ إن علماء الاجتماع يعتبرون الهوية مساراً مفتوحاً يتشكل عبر الزمن ويتطور في الحاضر، وقد ينمو في المستقبل وفق الفرص والتحديات التي يفرضها الواقع المحلي والإقليمي والدولي، وهو ما يبدو في تمسك العديد من النخب الأمازيغية بهويتها اللغوية، وجعلها أهم مكونات هويتها الخاصة، عندما وجدت أن لغتها مهددة ومُهملة بعد الاستقلال نتيجة عدم اعتراف الدولة بلغتهم الأم، في حين أنهم أثناء الاحتلال الفرنسي كانوا يعتبرون أن الهوية الإسلامية هي الواجب إبرازها لأن المحتل كان يستهدفهم.
في الختام يتضح أن دولة الاستقلال لم تنحج في تقديم حلول ناجزة لتحديات الهوية في الجزائر بما يمكن من حشد المجتمع والدولة في مسيرة البناء والتنمية، بسبب الدور التقسيمي الذي لعبه المحتل، لذلك لا بد من مراجعة أفكار وتصورات النخبة الجزائرية حول بناء الهوية من أجل بناء جزائر المستقبل التي يفخر كل مواطن جزائري بالانتماء إليها، سواء كان من العرب أو الأمازيغ.
وانطلقت عملية التعريب بالجزائر في 5 يوليو/تموز 1963 على يد الرئيس الرئيس أحمد بن بله والذي رفع شعار "التعريب ضروري ولا اشتراكية بدون تعريب ولا مستقبل لهذا البلد إلا في العروبة" ، ثم واصل الرئيس هواري بومدين (1965-1978) تطبيق السياسات الخاصة بالتعريب إذْ وقع مرسوما يوم 26 إبريل/نسيان 1968 يلزم كل الموظفين الجزائريين بأن يكونوا على "معرفة كافية باللغة الوطنية العربية عند توظيفهم، كما أصدرت الدولة قرارا بأن تكون كافة الرسائل الرسمية السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذلك الاتصالات والمباحثات باللغة العربية، وتم تعريب أسماء المدن الأمازيغية، كما منعت السلطات الجزائرية التسمي بأسماء غير عربية في عام 1971 وفق الباحثة في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، في جامعة الجزائر عبير شليغ، ونتج عن هذا التوجه العروبي للنخبة الحاكمة عديد الاعتراضات الاجتماعية والثقافية والسياسية من طرف المكون الوطني الأمازيغي والذي يُمثل حوالي ثلث السكان في الجزائر ويتحدثون باللغة الأمازيغية والتي تبلغ نسبة المتحدثين بها في الجزائر قرابة 45.35% من السُكان ويتوزع الأمازيغ جغرافياً على عدة مجموعات منفصلة على رأسها القبائل في منطقة القبائل (شرقي العاصمة)، الشاوية في منطقة الأوراس (جنوب شرقي العاصمة)، المزاب (المجموعة الأمازيغية الوحيدة ذات المذهب الإباضي) في منطقة غرداية (500 كلم جنوب العاصمة)، الطوارق (أقصى جنوب البلاد)، الشناوة في منطقة شرشال (90 كلم غرب العاصمة)، وهناك مجموعة أمازيغية أخرى قرب مدينة ندرومة على الحدود مع المغرب.
محطات التوتر الستّ
نتج عن اعتماد السلطة الجزائرية الحاكمة للمشروع العروبي في مرحلة ما بعد الاستقلال العديد من التوترات الاجتماعية والثقافية وفق التالي:
أولاً: في عام 1980 شُكلت حركة احتجاجية في منطقة القبائل إذ خرجت مظاهرات طلابية في جامعة تيزي وزو، رداً علي منع السلطات الكاتب مولود معمري إلقاء محاضرة في الجامعة حول "الشعر القبائلي القديم" بالإضافة إلى منع إقامة حفل موسيقي لفرقة أمازيغن إيمولا، وأصبحت ذكرى هذه الأحداث تعرف بـ"الربيع الأمازيغي"، والذي كان المطلب الأبرز فيه هو الاعتراف باللغة والثقافة الأمازيغية باعتبارها جزءاً من الهوية الوطنية الجزائرية.
ثانياً: منع تسمية السلطات الجزائرية للمواليد الجدد بأسماء أمازيغية في عام 1981 رداً على ظهور الحركة الأمازيغية الثقافية، والتي سعت السلطة الجزائرية إلى كبح انتشارها في المجتمع، حسبما يذكر الباحث حمزة كحال.
ثالثاً: ازدادت موجة الاحتجاجات في منطقة القبائل؛ فقام الرئيس اليمين زروال بإدخال اللغة الأمازيغية في التعليم بفتح قسمين للغة الأمازيغية بجامعتي تيزي وزو وبجاية عام 1990، كما أنشأ "المحافظة السامية للأمازيغية". وسمح بتقديم نشرات إخبارية في التلفزيون باللغات الأمازيغية الرئيسية، كما قام زروال بإضافة البعد الأمازيغي باعتباره أحد المقومات الأساسية للهوية الجزائرية إلى جانب الإسلام والعروبة، وأدرجه في الدستور.
رابعاً: شهدت منطقة القبائل إضرابا مدرسيا ما بين عامي 1994-1995 احتجاجا على قانون تعميم استخدام اللغة العربية، والذي تم إنهاؤه بموجب اتفاق إبريل/نيسان 1995 بين السلطة والحركة الثقافية الأمازيغية.
خامساً: في عام 2001 أشعلت وفاة الطالب ماسينيسا قرباح يوم 18 إبريل في مقر الدرك الوطني بعد اعتقاله خلال تظاهرة احتفالية بذكرى الربيع الأمازيغي، موجة من الاضطرابات في ولاية تيزي وزو شرق الجزائر العاصمة ثم توسعت المظاهرات لتعم كل أنحاء منطقة القبائل وارتفع عدد ضحاياها إلى 123 قتيلا ومئات الجرحى، واستمرت تلك التظاهرة حتى أكتوبر/تشرين الأول، وأدت تلك الأحداث إلى انسحاب حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD الحزب الثاني في منطقة القبائل ذي القاعدة الشعبية الأمازيغية من الحكومة في مايو/أيار 2001، وبروز تشكيل تنظيم شعبي جديد عرف باسم "تنسيقية العروش" نجح في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة يقضي بإخلاء الدرك لمنطقة القبائل، ومعاقبة المتسببين في الأحداث، وتلبية المطلب الأمازيغي بكل أبعاده الهوياتية والحضارية واللغوية والثقافية دون استفتاء إذ قرر الرئيس بوتفليقة في مارس/آذار 2002 ترسيم الأمازيغية لغة وطنية.
سادساً: اندلاع مواجهات عنيفة بين العرب أتباع المذهب الإسلامي المالكي والأمازيغ أتباع المذهب الإباضي في ولاية غرداية، إذ خلفت اشتباكات جرت في مارس/آذار من عام 2008 ثلاثة قتلى، ثم تجددت المواجهات في عام 2015 وسقط فيها 22 شخصاً وجرح ما يزيد عن 700 فرد، بينهم عشرات من قوات الشرطة، ويمكن القول إنه وإن كانت أسباب هذه الاشتباكات ترجع إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية إلا أن البعد الخاص بأزمة الهوية الجزائرية حاضر فيها بقوة.
وبسبب تفاقم أزمة الهوية الجزائرية ودخول أطراف دولية لاستغلال الأحداث وإثارة القلاقل في منطقة القبائل تبنّى البرلمان الجزائري، يوم الأحد الموافق 7 فبراير/شباط 2016 بغالبية ساحقة مراجعة دستورية تنصّ على اعتبار الأمازيغية "لغة وطنية ورسمية" في البلاد، فيما اللغة العربية هي "اللغة الوطنية والرسمية" وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة إلا أن بعضهم يعتبرها غير كافية، فما زالت في نظرهم اللغة الأمازيغية على المستوى القانوني غير متساوية مع اللغة العربية التي يعتبرها الدستور اللغة الرسمية للدولة.
مسارات بناء الهوية الجزائرية الجامعة
بناء علي ما تقدم يمكن للنخب الجزائرية السياسية والثقافية من كل الأطراف تجاوز إشكاليات الهوية الوطنية، والتحرك نحو بناء الهوية الداخلية الجامعة، إذا تعاملوا مع ملف الهوية وفق المسارات الثلاثة التالية:
أولاً: تحديد الهدف من فتح النقاش حول ملف الهوية داخل المجتمع والدولة، بحيث يكون التناول رافعة للبناء والاستقرار والنهوض، بعيداً عن الاشتباك والصراع الأيديولوجي والديني؛ فالتعاطي مع قضايا الهوية باعتبارها بوابة لبناء الجسور بين مكونات المجتمع الجزائري سيوفر الجهد ويقلل من حجم التوتر والانفعال؛ إذ إن الأمازيغ والعرب مكونان للمجتمع انصهرا سوية، والاثنان شكلا معاً وجه الجزائر الحضاري المُقاوم للاستعمار والداعم لقضايا التحرر في المنطقة، وعلى رأسها قضية فلسطين.
ثانياً: اعتبار الهوية الجزائرية مضماراً ذا مسافات متعددة (ثقافية واجتماعية وسياسية) إذ إنه من الخطأ قصر الحديث فيها على البعد اللغوي فقط أو التاريخي؛ ولا بد من تناولها من حيث جميع المجالات الإنسانية والمجتمعية من تراث وتاريخ وجغرافيا واقتصاد وفنون وموسيقى جزائرية داخلة فى مدار الهوية ومؤثرة فيه، ولذلك يُعد الإسلام فرصة تاريخية لإنتاج خيط ناظم يجمع شتات الهوية الجزائرية؛ وبالتالي عندما يُفتح النقاش حول الهوية لا بد أن يفتح من الباب الواسع الذي يُرحب بفحص واعتبار كل السياقات وعدم قصر مناقشة قضايا الهوية في الإطار الاحتجاجي والسياسي والقانوني فقط.
ثالثاً: فهم النخبة الجزائرية لفلسفة بناء الهوية الوطنية باعتبارها متغيرة ومتحركة ومتفاعلة مع التاريخ والجغرافيا، إذ إن علماء الاجتماع يعتبرون الهوية مساراً مفتوحاً يتشكل عبر الزمن ويتطور في الحاضر، وقد ينمو في المستقبل وفق الفرص والتحديات التي يفرضها الواقع المحلي والإقليمي والدولي، وهو ما يبدو في تمسك العديد من النخب الأمازيغية بهويتها اللغوية، وجعلها أهم مكونات هويتها الخاصة، عندما وجدت أن لغتها مهددة ومُهملة بعد الاستقلال نتيجة عدم اعتراف الدولة بلغتهم الأم، في حين أنهم أثناء الاحتلال الفرنسي كانوا يعتبرون أن الهوية الإسلامية هي الواجب إبرازها لأن المحتل كان يستهدفهم.
في الختام يتضح أن دولة الاستقلال لم تنحج في تقديم حلول ناجزة لتحديات الهوية في الجزائر بما يمكن من حشد المجتمع والدولة في مسيرة البناء والتنمية، بسبب الدور التقسيمي الذي لعبه المحتل، لذلك لا بد من مراجعة أفكار وتصورات النخبة الجزائرية حول بناء الهوية من أجل بناء جزائر المستقبل التي يفخر كل مواطن جزائري بالانتماء إليها، سواء كان من العرب أو الأمازيغ.