تحول الجامعي المصري محمود شفيق إلى انتحاري بعد عام من خروجه من سجن الفيوم العمومي الذي قضى فيه 55 يوما بتهمة "الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وحيازة سلاح ناري وإطلاق عدة أعيرة نارية باتجاه الشرطة أثناء محاولتها فض تظاهرة للجماعة في فبراير/ شباط 2014"، وفقا لما جاء في أوراق القضية رقم 42709 لسنة 2014.
اختفى شفيق بعد خروجه من السجن وانقطعت أخباره عن عائلته وأصدقائه، عقب الإفراج عنه بقرار من النيابة على ذمة القضية، إلى أن كشفت الجهات الأمنية عن تنفيذه واقعة تفجير الكنيسة البطرسية، وفق ما روت والدته اعتماد حسين لـ"العربي الجديد"، قائلة بألم: "بعد خروج ابني من السجن تحول إلى شخص آخر"، تصمت قليلا، ثم تستدرك بصوت متهدج: "ابني كان متدينا، وممكن أن يكون متعاطفا مع الإخوان، إنما عمره ما ضرب، ولا عمره شال سلاح، كان طالبا متفوقا ويعمل على مساعدتي لتربية إخوته البنات، ولم يكن متشددا أبدا قبل أن يتم سجنه".
ما تعرض له شفيق داخل السجن من ضرب وتعذيب، كما تقول والدته، ويؤكده رفيقه في السجن، إسلام علي، الذي كان محبوسا معه في سجن الفيوم العمومي الذي يقع في منطقة صحراوية تبعد عن محافظة الفيوم قرابة 20 كيلومترا، في عام 2014، وخرج بعد شهرين من تنفيذ شفيق لحادث الكاتدرائية في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2016، جعل شفيق يسعى للانتقام، بحسب إسلام والذي قال لـ"العربي الجديد": "تعرض شفيق للذل في السجن، وكان الضابط بيعمل منه كرسي ويقعد على ظهره في الطابور"، مضيفا أنه "في صباح كل يوم كان الأمناء يأخذون المحبوسين سياسيا وينيمونهم على بطونهم أرضا، ويطلبون منهم أن يزحفوا لأكثر من 20 مترا، من دون وضع الأيدي على الأرض"، الأمر الذي يرى الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر وأحد المشاركين في مبادرة دار الإفتاء لـ"تشريح عقل المتطرف"، أنه يؤدي بمثل هذا الشخص إلى أنه "عندما يخرج من السجن يتحول إلى أعمى، لا يرى أمامه سوى الانتقام، لأنه يرى نفسه ضعيفا"، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أنه يبحث عن طرف قوي، وهم الإرهابيون من وجهة نظره، فينضم إليهم برغبته، دون أن يبذلوا جهدا في إقناعه.
اقــرأ أيضاً
صناعة التطرف في مصر
شفيق واحد من خمسة شبان حولهم السجن من متعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين، إلى عناصر مسلحة بعد خروجهم منه، فارتكبوا عمليات إرهابية أسفرت عن قتل وتفجير، بحسب أوراق التحقيقات والتحريات في آخر 5 حوادث انتحارية شهدتها مصر وثقها معد التحقيق.
ويشترك الانتحاريون الخمسة في أنه تم إلقاء القبض عليهم باتهامات تتعلق بالتظاهر، أو بدعوى النشاط الديني، قبل حوادث التفجيرات الإرهابية التي ارتكبوها، لكنهم خرجوا من السجن بعد فترة الاعتقال لينضموا إلى جماعات مسلحة وينفذوا عمليات إرهابية انتحارية، كما هو الحال مع ممدوح أمين البغدادي، الذي نفذ حادث تفجير كنيسة "ماري جرجس بطنطا" بحزام ناسف.
وطبقا لتحقيقات نيابة أمن الدولة العليا في القضية 321 لسنة 2017، فإن المتهم ألقي القبض عليه في مايو/ أيار من عام 2014 بسبب نشاطه الديني في المدرسة التي يعمل بها، وتقول شقيقته سناء إنه قضى 90 يوما في السجن بعد أن تم تعذيبه خلال التحقيقات ليخرج رافضا للاختلاط بالناس، "وكثيرا ما كان يبكي حتى اختفى قبل العملية"، فيما نفذ محمد فرج عملية انتحارية في معبد الكرنك بالأقصر في يونيو/ حزيران من عام 2015 بعد أن قضى أسبوعا فقط داخل قسم شرطة "أول المحلة الكبرى"، حسبما يقول شقيقه حسام، مضيفا لـ"العربي الجديد": "تم إلقاء القبض على أخي وصديقه في 2015 بتهمة الانضمام للإخوان، رغم أن أخي لم يشارك في أي مظاهره، فقط كان له نشاط عمالي، تعرض للضرب والتعذيب في قسم الشرطة وبعدها أخلت النيابة سبيله على ذمة القضية 5807 لسنة 2015، خرج من القسم غاضبا صامتا ثم اختفى حتى ظهر في حادثة الكرنك"، وتكرر الأمر مع محمود حسن مبارك، المتهم بتنفيذ تفجير الكنيسة المرقسية في إبريل/ نيسان 2017، إذ حبس على ذمة القضية رقم 6229 لسنة 2014 جنح الإسماعيلية لمدة عام وشهر بتهمة التظاهر، قبل أن يحصل على البراءة في مايو/ أيار 2015، بحسب رواية ابن عمه علي عثمان مبارك، والذي قال لـ"العربي الجديد"، في اتصال هاتفي: "بعد أن خرج محمود من السجن بقي لمدة أسبوعين في منزله، وبعدها اختفى حتى ظهر في تفجير الكنيسة"، وهو ما حدث للشاب محمد السيد منصور، الذي وجده والده ضمن أسماء المتوفين في أحداث عرب شركس بعد أن فجر نفسه في قوات الأمن أثناء مداهمة مقر للمسلحين بمحافظة القليوبية، والسبب الذي جعل من محمود متشددا، ثم منتحرا هو سجنه لمدة شهر بـ"أمن الدولة" (الأمن الوطني) في لاظلوغلي بعد القبض عليه بتهمة الاشتراك في أحداث مسجد الفتح، كما يقول والده.
تشريح عقول المتطرفين
في يوليو/ تموز الماضي، أطلقت دار الإفتاء المصرية مبادرة من أجل "كشف أسباب التطرف وكيفية إعادة تأهيل المتشددين"، إذ شكلت لجنة "تشريح عقل المتطرف"، والتي ضمت متخصصين في مجالات علم النفس والاجتماع، بالإضافة إلى ممثلين لكل من الأزهر والإعلام وقيادات سابقة في الجماعات الإسلامية، بحسب حسن محمد، مدير مرصد الفتاوى التكفيرية وعضو اللجنة عن دار الإفتاء.
وشارك القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، ناجح إبراهيم، والذي سبق سجنه منذ عام 1981 وحتى عام 2005، في أعمال المبادرة. ويلخص إبراهيم ما توصل إليه من أسباب في عمله على هذا الملف، قائلا "المظلوميات من أهم أسباب خلق التطرف في مصر، فالشاب الذي تعرض للتعذيب، أو شاهد زميله أمام عينيه يموت ظلما، سيتجه فكره نحو التشدد"، ويتفق العقيد حاتم صابر، المحاضر بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية العليا في "مجال الإرهاب الدولي وفن التفاوض مع الإرهابيين"، مع ما قاله إبراهيم من أن فكرة الانتقام للنفس هي أكثر ما يشغل المتهم بعد خروجه من السجن. ويضيف صابر: "لذا جاءت فكرة أن يتم التحقيق مع المتهمين السياسيين وهم معصوبو الأعين، حتى لا يتعرفوا على الضابط أو رجل الأمن تجنبا للانتقام منهم بعد الخروج من السجن".
ويعد السجن من أهم الأسباب التي تحول "المتعاطف" إلى "إرهابي متشدد"، وفقا لمذكرة "تشريح العقل المتطرف" التي تسلمتها دار الإفتاء المصرية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 من الخبراء والمتخصصين، وهنا يقول ناجح إبراهيم: "البعض ألقي القبض عليهم في مظاهرات لتعاطفهم مع جماعة الإخوان المسلمين، أو منتقدين لسياسة الدولة يخرجون من السجون منضمين إلى جماعات متشددة تحمل السلاح".
لكن كيف تحدث تلك التحولات القاتلة؟ يجيب القيادي الإسلامي إبراهيم: "الدولة كانت في السابق تلقي القبض على الإخوان وتحبسهم معا، وفي فترة سابقة كانت تلقي القبض على عناصر الجماعات الإسلامية وتحبسهم معا، لكن الآن الدولة تحبس متشددا مع إخواني، مع جماعات إسلامية، مع متعاطف، مع بريء، كلهم معا"، وتابع: "خطورة دخول شبان إلى السجن من المتعاطفين مع الإخوان المسلمين، تكمن في جلوسهم مع متشددين، وعناصر من داعش في السجن، ما يجعل المتشددين ينجحون في استقطابهم، مثلما حدث مع الشاب محمود شفيق، الذي فجر الكنيسة الكاتدرائية، وخرج من السجن منتميا لداعش. هناك فوضى عارمة في السجون الآن".
حلول ممكنة
للتخلص من هذه الإشكالية، لا بد من التوسع في فكرة تنظيم مناظرات داخل السجون مع المتهمين، بحسب ناجح إبراهيم، مثلما سبق أن حدث عام 1997 بعدما أطلقت قيادات من الجماعة الإسلامية مبادرة شاملة لوقف العنف بعد مراجعات فكرية داخلية، لكن ناجح إبراهيم، والذي شارك في تلك المبادرة ويشارك الآن في عمل لجنة تشريح العقل المتطرف، يشترط أن تتم الاستعانة بمتخصصين يتقبلهم المتهمون، قائلا "حتى تنجح المراجعات الفكرية، يجب الاعتماد على شخصيات قادرة على التأثير عليهم فكريا وتغيير وهز قناعاتهم"، مشددا على ضرورة السماح للمعتقلين بزيارات دورية ومعاملة محترمة لهم ولأسرهم أثناء الزيارات، وفصلهم عن العناصر المتشددة في السجون، وهو ما يؤكده حسن محمد، لافتا إلى ضرورة الفصل بين المتشددين والمتعاطفين والسماح بوجود تيار رشيد "معتدل يقبل التعاون مع الدولة، ولا يقاطعها" وعدم التوسع في الأحكام السياسية، والاستعانة بجهاز أمني متخصص لمواجهة هذه الأفكار، مشددا على أن الإحباط والمعالجة الإعلامية السيئة لهذا الملف من الأسباب التي أدت إلى تفاقمه، ما يقتضي تغيير تلك الحالة من أجل اقتلاع تلك الأفكار من مصر إلى الأبد.
رد الداخلية
يؤكد مصدر مسؤول في وزارة الداخلية المصرية وضعهم بعين الاعتبار عمل لجنة "تشريح عقول المتطرفين"، لكنه ينفي أن تكون السجون هي السبب في تحول المتهمين إلى متطرفين، مشددا على ما سماه بـ"تطور كبير في السجون من حيث الإعاشة والمعاملة والخدمات"، وهو ما يؤكده اللواء مصطفى الباز، مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون سابقا، قائلا لـ"العربي الجديد": "ما يحدث للسجناء يعتمد على سلوك القائم على تنظيم وإدارة السجن، لأنه الفيصل في المعاملة، فهناك ضابط يفرض الإجراءات بصرامة، وآخر يتعامل بروح القانون، وأعتقد أن السجين نفسه هو الذي يفرض على الضابط أن يختار أي من الطريقتين في التعامل"، الأمر الذي يتناقض مع شهادات أهالي الانتحاريين الخمسة التي وثقها "العربي الجديد"، والذين يؤكدون تعرض أبنائهم للتعذيب والمعاملة المهينة داخل السجون، وهو ما يتطابق مع ما جاء في تقرير "هنا نفعل أشياء لا تصدق": التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي" الصادر عن "هيومان رايتس ووتش" في سبتمبر/أيلول الماضي والذي أكد إن "ضباط وعناصر الشرطة و"قطاع الأمن الوطني" في مصر، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني بأساليب تشمل الضرب، الصعق بالكهرباء، وضعيات مجهدة، وأحيانا الاغتصاب".
اختفى شفيق بعد خروجه من السجن وانقطعت أخباره عن عائلته وأصدقائه، عقب الإفراج عنه بقرار من النيابة على ذمة القضية، إلى أن كشفت الجهات الأمنية عن تنفيذه واقعة تفجير الكنيسة البطرسية، وفق ما روت والدته اعتماد حسين لـ"العربي الجديد"، قائلة بألم: "بعد خروج ابني من السجن تحول إلى شخص آخر"، تصمت قليلا، ثم تستدرك بصوت متهدج: "ابني كان متدينا، وممكن أن يكون متعاطفا مع الإخوان، إنما عمره ما ضرب، ولا عمره شال سلاح، كان طالبا متفوقا ويعمل على مساعدتي لتربية إخوته البنات، ولم يكن متشددا أبدا قبل أن يتم سجنه".
ما تعرض له شفيق داخل السجن من ضرب وتعذيب، كما تقول والدته، ويؤكده رفيقه في السجن، إسلام علي، الذي كان محبوسا معه في سجن الفيوم العمومي الذي يقع في منطقة صحراوية تبعد عن محافظة الفيوم قرابة 20 كيلومترا، في عام 2014، وخرج بعد شهرين من تنفيذ شفيق لحادث الكاتدرائية في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2016، جعل شفيق يسعى للانتقام، بحسب إسلام والذي قال لـ"العربي الجديد": "تعرض شفيق للذل في السجن، وكان الضابط بيعمل منه كرسي ويقعد على ظهره في الطابور"، مضيفا أنه "في صباح كل يوم كان الأمناء يأخذون المحبوسين سياسيا وينيمونهم على بطونهم أرضا، ويطلبون منهم أن يزحفوا لأكثر من 20 مترا، من دون وضع الأيدي على الأرض"، الأمر الذي يرى الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر وأحد المشاركين في مبادرة دار الإفتاء لـ"تشريح عقل المتطرف"، أنه يؤدي بمثل هذا الشخص إلى أنه "عندما يخرج من السجن يتحول إلى أعمى، لا يرى أمامه سوى الانتقام، لأنه يرى نفسه ضعيفا"، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أنه يبحث عن طرف قوي، وهم الإرهابيون من وجهة نظره، فينضم إليهم برغبته، دون أن يبذلوا جهدا في إقناعه.
صناعة التطرف في مصر
شفيق واحد من خمسة شبان حولهم السجن من متعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين، إلى عناصر مسلحة بعد خروجهم منه، فارتكبوا عمليات إرهابية أسفرت عن قتل وتفجير، بحسب أوراق التحقيقات والتحريات في آخر 5 حوادث انتحارية شهدتها مصر وثقها معد التحقيق.
وطبقا لتحقيقات نيابة أمن الدولة العليا في القضية 321 لسنة 2017، فإن المتهم ألقي القبض عليه في مايو/ أيار من عام 2014 بسبب نشاطه الديني في المدرسة التي يعمل بها، وتقول شقيقته سناء إنه قضى 90 يوما في السجن بعد أن تم تعذيبه خلال التحقيقات ليخرج رافضا للاختلاط بالناس، "وكثيرا ما كان يبكي حتى اختفى قبل العملية"، فيما نفذ محمد فرج عملية انتحارية في معبد الكرنك بالأقصر في يونيو/ حزيران من عام 2015 بعد أن قضى أسبوعا فقط داخل قسم شرطة "أول المحلة الكبرى"، حسبما يقول شقيقه حسام، مضيفا لـ"العربي الجديد": "تم إلقاء القبض على أخي وصديقه في 2015 بتهمة الانضمام للإخوان، رغم أن أخي لم يشارك في أي مظاهره، فقط كان له نشاط عمالي، تعرض للضرب والتعذيب في قسم الشرطة وبعدها أخلت النيابة سبيله على ذمة القضية 5807 لسنة 2015، خرج من القسم غاضبا صامتا ثم اختفى حتى ظهر في حادثة الكرنك"، وتكرر الأمر مع محمود حسن مبارك، المتهم بتنفيذ تفجير الكنيسة المرقسية في إبريل/ نيسان 2017، إذ حبس على ذمة القضية رقم 6229 لسنة 2014 جنح الإسماعيلية لمدة عام وشهر بتهمة التظاهر، قبل أن يحصل على البراءة في مايو/ أيار 2015، بحسب رواية ابن عمه علي عثمان مبارك، والذي قال لـ"العربي الجديد"، في اتصال هاتفي: "بعد أن خرج محمود من السجن بقي لمدة أسبوعين في منزله، وبعدها اختفى حتى ظهر في تفجير الكنيسة"، وهو ما حدث للشاب محمد السيد منصور، الذي وجده والده ضمن أسماء المتوفين في أحداث عرب شركس بعد أن فجر نفسه في قوات الأمن أثناء مداهمة مقر للمسلحين بمحافظة القليوبية، والسبب الذي جعل من محمود متشددا، ثم منتحرا هو سجنه لمدة شهر بـ"أمن الدولة" (الأمن الوطني) في لاظلوغلي بعد القبض عليه بتهمة الاشتراك في أحداث مسجد الفتح، كما يقول والده.
تشريح عقول المتطرفين
في يوليو/ تموز الماضي، أطلقت دار الإفتاء المصرية مبادرة من أجل "كشف أسباب التطرف وكيفية إعادة تأهيل المتشددين"، إذ شكلت لجنة "تشريح عقل المتطرف"، والتي ضمت متخصصين في مجالات علم النفس والاجتماع، بالإضافة إلى ممثلين لكل من الأزهر والإعلام وقيادات سابقة في الجماعات الإسلامية، بحسب حسن محمد، مدير مرصد الفتاوى التكفيرية وعضو اللجنة عن دار الإفتاء.
وشارك القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، ناجح إبراهيم، والذي سبق سجنه منذ عام 1981 وحتى عام 2005، في أعمال المبادرة. ويلخص إبراهيم ما توصل إليه من أسباب في عمله على هذا الملف، قائلا "المظلوميات من أهم أسباب خلق التطرف في مصر، فالشاب الذي تعرض للتعذيب، أو شاهد زميله أمام عينيه يموت ظلما، سيتجه فكره نحو التشدد"، ويتفق العقيد حاتم صابر، المحاضر بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية العليا في "مجال الإرهاب الدولي وفن التفاوض مع الإرهابيين"، مع ما قاله إبراهيم من أن فكرة الانتقام للنفس هي أكثر ما يشغل المتهم بعد خروجه من السجن. ويضيف صابر: "لذا جاءت فكرة أن يتم التحقيق مع المتهمين السياسيين وهم معصوبو الأعين، حتى لا يتعرفوا على الضابط أو رجل الأمن تجنبا للانتقام منهم بعد الخروج من السجن".
ويعد السجن من أهم الأسباب التي تحول "المتعاطف" إلى "إرهابي متشدد"، وفقا لمذكرة "تشريح العقل المتطرف" التي تسلمتها دار الإفتاء المصرية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 من الخبراء والمتخصصين، وهنا يقول ناجح إبراهيم: "البعض ألقي القبض عليهم في مظاهرات لتعاطفهم مع جماعة الإخوان المسلمين، أو منتقدين لسياسة الدولة يخرجون من السجون منضمين إلى جماعات متشددة تحمل السلاح".
لكن كيف تحدث تلك التحولات القاتلة؟ يجيب القيادي الإسلامي إبراهيم: "الدولة كانت في السابق تلقي القبض على الإخوان وتحبسهم معا، وفي فترة سابقة كانت تلقي القبض على عناصر الجماعات الإسلامية وتحبسهم معا، لكن الآن الدولة تحبس متشددا مع إخواني، مع جماعات إسلامية، مع متعاطف، مع بريء، كلهم معا"، وتابع: "خطورة دخول شبان إلى السجن من المتعاطفين مع الإخوان المسلمين، تكمن في جلوسهم مع متشددين، وعناصر من داعش في السجن، ما يجعل المتشددين ينجحون في استقطابهم، مثلما حدث مع الشاب محمود شفيق، الذي فجر الكنيسة الكاتدرائية، وخرج من السجن منتميا لداعش. هناك فوضى عارمة في السجون الآن".
حلول ممكنة
للتخلص من هذه الإشكالية، لا بد من التوسع في فكرة تنظيم مناظرات داخل السجون مع المتهمين، بحسب ناجح إبراهيم، مثلما سبق أن حدث عام 1997 بعدما أطلقت قيادات من الجماعة الإسلامية مبادرة شاملة لوقف العنف بعد مراجعات فكرية داخلية، لكن ناجح إبراهيم، والذي شارك في تلك المبادرة ويشارك الآن في عمل لجنة تشريح العقل المتطرف، يشترط أن تتم الاستعانة بمتخصصين يتقبلهم المتهمون، قائلا "حتى تنجح المراجعات الفكرية، يجب الاعتماد على شخصيات قادرة على التأثير عليهم فكريا وتغيير وهز قناعاتهم"، مشددا على ضرورة السماح للمعتقلين بزيارات دورية ومعاملة محترمة لهم ولأسرهم أثناء الزيارات، وفصلهم عن العناصر المتشددة في السجون، وهو ما يؤكده حسن محمد، لافتا إلى ضرورة الفصل بين المتشددين والمتعاطفين والسماح بوجود تيار رشيد "معتدل يقبل التعاون مع الدولة، ولا يقاطعها" وعدم التوسع في الأحكام السياسية، والاستعانة بجهاز أمني متخصص لمواجهة هذه الأفكار، مشددا على أن الإحباط والمعالجة الإعلامية السيئة لهذا الملف من الأسباب التي أدت إلى تفاقمه، ما يقتضي تغيير تلك الحالة من أجل اقتلاع تلك الأفكار من مصر إلى الأبد.
رد الداخلية
يؤكد مصدر مسؤول في وزارة الداخلية المصرية وضعهم بعين الاعتبار عمل لجنة "تشريح عقول المتطرفين"، لكنه ينفي أن تكون السجون هي السبب في تحول المتهمين إلى متطرفين، مشددا على ما سماه بـ"تطور كبير في السجون من حيث الإعاشة والمعاملة والخدمات"، وهو ما يؤكده اللواء مصطفى الباز، مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون سابقا، قائلا لـ"العربي الجديد": "ما يحدث للسجناء يعتمد على سلوك القائم على تنظيم وإدارة السجن، لأنه الفيصل في المعاملة، فهناك ضابط يفرض الإجراءات بصرامة، وآخر يتعامل بروح القانون، وأعتقد أن السجين نفسه هو الذي يفرض على الضابط أن يختار أي من الطريقتين في التعامل"، الأمر الذي يتناقض مع شهادات أهالي الانتحاريين الخمسة التي وثقها "العربي الجديد"، والذين يؤكدون تعرض أبنائهم للتعذيب والمعاملة المهينة داخل السجون، وهو ما يتطابق مع ما جاء في تقرير "هنا نفعل أشياء لا تصدق": التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي" الصادر عن "هيومان رايتس ووتش" في سبتمبر/أيلول الماضي والذي أكد إن "ضباط وعناصر الشرطة و"قطاع الأمن الوطني" في مصر، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني بأساليب تشمل الضرب، الصعق بالكهرباء، وضعيات مجهدة، وأحيانا الاغتصاب".