وتشغل محمية وادي الكوف التي أنشئت عام 1978 مساحة 8 آلاف هكتار من أصل 100 ألف هكتار لمساحة الوادي الكلية، وهو الرابط بين بنغازي غربا والبيضاء والمرج شرقا، ويضم بين جنباته 4 وديان رئيسية، بالإضافة لسلسلة جبلية تمتد إلى أقصى شرق البلاد، مطلة على البحر وتعيش فيها حيوانات برية مثل الثعلب والقط البري الليبي، والنمس، والوشق، والظربان الليبي، الأرنب البري، وابن آوى، والغزال، كما توجد أعداد من الطيور المهاجرة والمستوطنة، مثل الحوام، الحجل، الصقر الحر، الحباري، والعصفور النوري، ناهيك عن تمتعها بغطاء نباتي من أشجار البلوط، والصنوبر والسرو بأنواعه، بحسب إفادة سليم بوعزة رئيس جمعية الواحة الناشطة في مجال البيئة.
تعطيل الجهات الحكومية
عمد الحاكم العسكري في شرق ليبيا الذي تسيطر قوات حفتر على معظم أجزائه ماعدا مدينة درنة، إلى تعطيل عمل الجهات الحكومية، ومنها قسم المحميات، والمتنزهات التابع لوزارة الزراعة، بحسب إبراهيم بوحلفاية رئيس إدارة المراعي والغابات بوزارة الزراعة والثروة الحيوانية والبحرية في الحكومة المؤقتة التابعة لبرلمان طبرق، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن الأصول والمباني، والإنشاءات الواقعة داخل المحميات والمتنزهات، ومنها منشآت محمية وادي الكوف التي يشرف عليها قسم المحميات والمتنزهات، صارت تحت تصرف الحاكم العسكري عبد الرزاق الناظوري، الذي منح رخصاً لمسلحي عملية الكرامة تمكّنهم من استغلال أغلب أجزاء الوادي".
وتعتبر قرارات الحاكم العسكري بعد تكليفه نافذة وسارية بدل أي سلطة مدنية، أو أمنية كانت، وفقا لمصدر في إدارة دوريات الشرطة الزراعية التابعة لحكومة البرلمان (فضل عدم ذكر اسمه) والذي أكد لـ"العربي الجديد" أن قوات حفتر أنشأت بوابة على الضفة الشرقية من الوادي تمنع المرور داخل الوادي وتحدد طريق سير المسافرين، إذ استخدمت تلك القوات، الجزء المتاخم للبحر من الوادي معسكرات لتدريب المسلحين الجدد، ويتم الوصول إلى ذلك الجزء من بوابة برسس شرق بنغازي، ناهيك عن توسيع منشآت معتقل قرنادة الواقعة في الجبل الأخضر، ليشمل أجزاء كبيرة من البلدة الواقعة بالقرب من الوادي، وأنشأت فروعا للمعتقل داخل الوادي بلغ عددها ثلاثة سجون محصنة.
ويتفق معه بوعزة، مضيفا لـ"العربي الجديد" أن وجود قوات عسكرية في محمية وادي الكوف يشكل خطرا عليها، إلى جانب خطورة الصيد الجائر، والتلوث البيئي الحاد، والتعدي بالجرافات للبناء داخل المحميات ومنه محمية وادي الكوف".
محميات اختفت وأخرى تقاوم
محمية وادي الكوف ليست الوحيدة التي تضررت من نشاط حفتر العسكري، فإلى شرق مدينة البيضاء بنحو 25 كم تقع محمية الحنية التي أبدى أهاليها انزعاجهم من السفن التي ترسو قبالة ساحلها لتفريغ حمولتها، والتي يعتقد أنها عتاد عسكري على متن زوارق تقلها إلى شاطئ المنطقة، محدثة تلوثا كبيرا في مياهها وفقا لما أوردته منظمة الحياة لحماية الكائنات البرية والبحرية على صفحتها في فيسبوك، والتي رصدت نفوق دلافين على ساحل المنطقة وسلاحف بحرية متضررة في ديسمبر/كانون الأول 2016، مرجعة أسباب نفوق الدلافين إلى مرور السفن بشكل مستمر، ناهيك عن إنشاء قوات حفتر لأبراج اتصالات بالقرب من بحيرة القصيباية في يونيو/ حزيران 2017 تسببت في انقطاع الطيور المهاجرة عن المرور في البحيرة كما جرت العادة قبل انشائها، فيما اختفت محمية جزيرة حبري شمال أجدابيا شرق البلاد البالغ مساحتها 840 متر مربع والتي يعيش فيها طائر الخطاف المتوج والمسجل باعتباره طائرا بحريا ليبيا نادرا، ما تسبب في هجرة طيورها النادرة بسبب تلوث مياهها نتيجة لوقوعها بالقرب من موانئ النفط أولا، ثم تحول الجزيرة كمركز للمراقبة الجوية التابعة لقوات حفتر حاليا كما يقول بوعزة.
اختفاء الطيور والحيوانات
أدى استغلال المحميات لأغراض عسكرية إلى اختفاء الحيوانات والطيور النادرة، إلى جانب أسباب أخرى مثل استخدام أسلحة الحروب في الصيد الجائر ما تسبب بهجرة الكثير من الطيور، وعلى رأسها طيور الحجل والعصفور النوري والحبارى والحوام من واحة الجغبوب الواقعة جنوب شرق ليبيا على الحدود المصرية، إذ انتقلت إلى واحة سيوة المصرية، حسبما يقول بوعزة، مضيفا إلى أنه لا يمكن للحيوانات النادرة كالثعلب الأحمر، والقط البري الليبي، والضربان الليبي، وابن آوى والغزال، ناهيك عن طيور الحباري والحجل والعصفور النوري نادر الوجود التي تعيش في مرتفعات المحمية، أن تعيش وسط ضجيج التدريبات العسكرية، والرصاص العشوائي والقذائف.
وتعدد منظمة الحياة لحماية الكائنات البرية والبحرية أسباب أخرى تهدد المحميات في البلاد منها مخاطر الجرف لغرض البناء من خلال نشرها صورة جوية للغطاء النباتي لمدينة البيضاء كنموذج لعشرات المدن بالجبل الأخضر أظهرت تلك الصور تضاءل وتراجع كبير للغطاء النباتي حول المدينة خلال المدة من 2 فبراير/ 2011 وحتى 4 يونيو/حزيران 2016 جراء جرف الغابات والزحف العمراني، محذرة من غياب الغطاء النباتي بحلول عام 2025 بالكامل.
في مطلع مايو/أيار 2017 أعلنت المنظمة ذاتها عن قرب انقراض بعض الأنواع البرية مثل حيوان الودان (الضان البري) والغزال والأرنب الصحراوي وصيد الليل، بالإضافة لبعض أنواع الطيور كالقطا الأحمر والحبارى والكروان، في حال استمرار الصيد الجائر باستخدام بنادق وأسلحة الحروب في الصيد.
قانون غير مفعل
وصلت مساعي المستشار القانوني بهيئة حماية البيئة جمال هيبلو من أجل إحياء "اللجنة الفنية للأحياء البحرية، والمحميات الطبيعية والمتنزهات" إلى طريق مسدود في ظل عدم تفعيل القوانين البيئية كما يقول.
وتنص المادة 72 من قانون حماية البيئة وحماية المراعي والغابات رقم 15 لسنة 1982 على أن "يعاقب بغرامة لا تقل عن ألف دينار، ولا تتجاوز خمسة آلاف دينار كل من قام بقطع أشجار الغابات بدون ترخيص أو ألحق الضرر بالمساحات الخضراء أو أضرم فيها النيران بأي شكل كان، أو قام بتغيير أو إخفاء أماكن العلامات المحددة للغابات"، غير أن الدكتور جمال هيبلو المستشار القانوني بالهيئة العامة للبيئة يرى ضرورة تكوين فريق مشترك بين الهيئة ووزارة الزراعة والثروة الحيوانية للنظر في وضع مقترحات لتطوير القانون، لأن العقوبات التي نص عليها القانون تجاوزها الزمن، ولا تشكل رادعا قويا كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن الوضع القانوني للمحميات والبيئة بصفة عامة أكثر حصانة، وحماية لكنها تحتاج لتطوير أكثر بالتناسب مع الانفلات الأمني الحالي ووضع روادع قانونية أكثر صرامة عبر الاتفاقيات الدولية التي وقعت ليبيا بالموافقة عليها، ودعوة الخبرات الدولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وتابع "لكن جهات الاختصاص مثل مجلس الوزراء يرى أن أعمالنا هي من نافل القول"، مضيفا أن التعديلات الوحيدة على قانون حماية البيئة الصادر في عهد النظام السابق كان في قانون الإدارة المحلية في عام 2012 فقط، ونص على قانون إنشاء المحميات من دون أن يتحدث عن روادع حمايتها والعقوبات حولها.
صوت السلاح هو الأعلى
تعاني الجهات البيئية الليبية المختصة من صعوبة دراسة ما آلت إليه أوضاع تلك المحميات، ووضع نسب للدمار، والأضرار التي لحقت بها، بعد أن تعطل عمل تلك الجهات بسبب قرار الحاكم العسكري بحسب بوعزة، وهو ما يؤكده بوحلفاية بالقول: "وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والبحرية بحكومة البرلمان، لم تنفذ أيا من الدراسات والزيارات الميدانية المقترحة واللازمة لحصر الأضرار التي لحقت بقطاع البيئة"، مشيرا إلى عدم وجود أي حصر للأحياء البرية، وتصنيفها وتحديد الأحياء المنقرضة، أو المعرضة للانقراض، وهو ما يؤيده الدكتور جبريل والذي تقدم باعتراضات متكررة إلى الحكومة الليبية على بناء منشآت عسكرية تابعة لقوات حفتر داخل المحميات، على اعتبار أن القانون المحلي والدولي لا يسمح بذلك، لكن قرارات الحكم العسكري شرق البلاد لا تلغيها القوانين والتشريعات، "إذ إن صوت السلاح والحروب هو الأعلى في ليبيا، في ظل تجاهل حكومي" كما يقول.