عقب نهاية إحدى مباريات الحسم التي جرت في ملعب غانغون Gangwon ضمن منافسات دوري الدرجة الأولى الكوري الجنوبي، بين النادي المضيف غانغون إف سي Gangwon FC والضيف سيونغنام إف سي Seongnam FC المتصارعين على العودة بين الكبار في دوري المحترفين الكوري الجنوبي، بكى أحد أبرز نجوم وسط ميدان نادي غانغون، المحترف البرازيلي سيرجينيو، فرحا بالنتيجة التي أهلت فريقه إلى دوري المحترفين الكوري الجنوبي.
تلاعب المحترفين
ولا يزال سيرجينيو يمارس كرة القدم، إذ تواصل معد التحقيق مع ريكاردو ميرندا وكيل أعمال اللاعب البرازيلي عبر وكيل لاعبين يعمل في المنطقة العربية (طلب عدم الكشف عن هويته حتى لا يتضرر عمله)، وعرض عليه اللعب لأحد الأندية الآسيوية مستفيدا من جنسيته السورية، وهو ما رفضه معللاً السبب أن اللاعب لم يعد يرغب في اللعب كآسيوي لمشكلة واجهها في جواز سفره، وعقب مواجهته بأن جواز سفر اللاعب مزور، ادعى ميراندا أنه لا يملك أية صلة بسيرجينيو ولم يعد وكيل أعماله.
سيرجينيو كان قد شارك في الدوري الأوروبي مع نادي أومونيا نيقوسيا القبرصي ولعب في الدوري الإماراتي لصالح نادي اتحاد كلباء وما زالت أندية كثيرة تنظر إلى سجله الكروي الحافل ولا تعرف شيئاً عن سجله الجنائي، وهو ما جرى في حالة جوناتاس بيلوسو لاعب الشباب السعودي السابق والذي تحدث في مقابلة صحافية لموقع "آسيا سي او" الكوري الجنوبي في الرابع عشر من شهر فبراير/شباط من عام 2016 أنه يعتبر نفسه برازيليا ويريد تمثيل البرازيل رغم أصوله السورية.
ويحمل جوناتاس جواز سفر سوريا برقم إصدار 002-15- L026167، وسبق أن لعب لنادي غوانغون الكوري في موسم 2015 وشارك موسم 2016 مع نادي العاصمة سيئول آي لاند إف سي Seoul E-Land FC، ولا يزال قيده هو وسيرجيينو حتى اللحظة مسجلا باعتبارهما لاعبين سوريين في الموقع الرسمي للدوري الكوري الجنوبي، لكن معد التحقيق حصل على نسخة من جواز سفر جوناتاس السوري، وبعد التحقق من السلطات السورية المختصة أكد خطاب رسمي موثق من اللجنة الأولمبية السورية عدم صحته، فيما تجاهل اللاعب الرد على بريد إلكتروني رسمي أرسله معد التحقيق إليه في 21 مارس/آذار 2018.
مدينة السعادة
في مدينة بويرام التايلندية التي يعني اسمها مدينة السعادة، يبدو أندريس تونيز الفنزويلي الحاصل على الجنسية الإسبانية بعد أن لعب لنادي سيلتا فيغو سعيداً للغاية بعد أن قاد فريقه للفوز بهاتريك في المباراة الافتتاحية للدوري التايلندي الممتاز على نادي العاصمة بانكوك يونايتيد، وليس جديداً أن تتغنى الصحف بتألق لاعب منتخب فنزويلا تونيز نجم نادي بوريرام يونايتد حامل لقب الدوري التايلندي لموسمين متتاليين بعد مساهماته مع ناديه في تحقيق اللقب بشكل ملفت، لكن الجديد يتمثل في أن الفنزويلي أندريس أصبح السوري أندريس تونيز وبات لاعباً آسيوياً وضمن مكاناً له في النادي التايلندي، مستفيداً من قانون الاحتراف هناك في الدوري التايلندي 4+ 1 (في الدوري التايلندي قانون الاحتراف يسمح بلاعب إضافي أجنبي زيادة عن الدوريات الأخرى) بعد حصوله على جواز سفر سوري بزعم بقائه فترة من الزمن مع والده في سورية، بحسب ما حمل الخبر الذي نشرته الصحيفة الرسمية لمدينة بويرام التايلندية بويرام تايمز في السابع من مارس/آذار 2016. وأشار إليه موقع قناة الكرة الآسيوية نقلاً عن مصادر محلية، لكن اللجنة الأولمبية السورية أكدت لمعد التحقيق في خطابها الرسمي أن تونيز لا يحمل جواز سفر سوريا رسميا، بحسب البحث الذي أجرته السلطات المختصة وأن الجواز السوري الذي يحمله مزور ومزيف.
غيلسون آلفيس ومارسيلو تشافير
في السابع من شهر أغسطس/آب من عام 2017، نشر وكيل أعمال لاعبين برازيلي فيديو ترويجي على اليوتيوب للاعب برازيلي سوري يدعى غيلسون آلفيس، احتوى على مهارات المدافع آلفيس والذي لعب بالدوري التايلندي الممتاز موسم 2016 - 2017 مع نادي سوفان بوري إف سي Suphanburi FC التايلندي بحسب ما جاء في الفيديو الترويجي.
ويحمل غيلسون جواز سفر سوريا برقم إصدار 002-13-L099031 موقعا من العقيد عبود الخضر رئيس فرع الهجرة والجوازات في دمشق، وعبر تواصل معد التحقيق مع وكيل أعمال غيلسون آلفيس وهو محام برازيلي يدعى هيليو كامارغو بادعاء الرغبة في شراء اللاعب، أكد وكيله أن غيلسون جاهز للعب كلاعب سوري في مصر أو الدوريات الآسيوية بعد أن حصل العام الفائت على الجنسية السورية، مستفيداً من قرار حكومي فتح باب التجنيس للمواطنين الأجانب، لكن الوكيل البرازيلي يشير إلى أن غيلسون لا يستطيع اللعب للمنتخب السوري لأنه لم يكمل خمس سنوات من الحصول على الجنسية بعد!
ولدى مواجهته بأن اللاعب لم يحصل مطلقاً على الجنسية السورية ولم تصدر له أية وثيقة رسمية من سورية أو إحدى سفاراتها، ادعى أنه وقع ضحية لسماسرة من قلب النادي ورفض إعطاءنا أي وسيلة اتصال لأحد منهم، واللافت أن الفيديو الذي يعرفه باعتباره لاعبا برازيليا وسوريا وحمله معد التحقيق، تم حذفه من على اليوتيوب واستبداله بآخر يعرفه على أنه برازيلي فقط بعد ذلك الأمر.
مارسيلو كان قد صرح في السادس عشر من شهر يونيو/حزيران من عام 2016 لموقع بورت إف سي سانبيت الرياضي التايلندي بأنه يجيد التحدث ببضع عبارات عربية، وأنه سيكون جاهزاً للعب للمنتخب السوري في حال كان المنتخب الوطني السوري بحاجة له، لكنه رفض الرد على الاتهامات التي وجهناها له عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك رغم أنه شاهد رسالة معد التحقيق.
رقابة هشة
في أقصى شمال تايلاند، وتحديداً في مدينة شيانغ يبرز هداف من طراز رفيع، لعبت أهدافه دوراً حاسماً في كثير من المباريات، إذ بلغ سجل أهدافه حتى ساعة كتابة التحقيق 11 هدفاً، ويعتبر الهداف الثاني لنادي تشانجراي يونايتد الذي يصارع للحصول على مركز متقدم له في الدوري التايلندي الممتاز يؤهله للحصول على مقعد في البطولة الآسيوية للأندية العام المقبل، إنه رافاييل كويلهو لويز المحترف البرازيلي الذي يحمل جواز سفر سوريا مزورا رقم إصدار 002-12-L035399 الموقع من العميد فواز نايف الأحمد رئيس فرع الجوازات والهجرة في دمشق والذي حصلنا على نسخة منه، كما وثق معد التحقيق جنسيته السورية المدعاة عبر البروفايل التعريفي للاعب في الموقع الرسمي لناديه (تشانجراي يونايتد) وتجاهل كويلهو هو الآخر الرد على اتهاماتنا رغم مشاهدته الرسالة عبر الماسنجر الخاص بصفحته الرسمية.
ويبدو أن هشاشة الرقابة على الجوازات السورية المزورة في الدوريات الشرق آسيوية لم تغرِ فقط لاعبي دول أميركا الجنوبية لاستغلال الحرب في سورية من أجل استصدار جوازات سفر سورية مزورة بل فتحت الباب للاعب منتخب ليبيريا سيكو أوليش المحترف السابق لنادي سيسكا موسكو الروسي والذي شارك معه في دوري أبطال أوروبا ليحمل هو الآخر جواز سفر سوريا مزورا حصل معد التحقيق على صورة منه عبر وكيل أعمال لاعبين دولي برقم إصدار 002-15-L054458، والذي سعى من خلاله للتعاقد مع ناديي الخور والغرافة القطريين وأندية شرق آسيوية، بحسب ما أكد سعد الشمري نائب رئيس جهاز الكرة في نادي الغرافة والذي أكد أنه لم يكن مسؤولا في تلك الفترة. وبحسب ما علم من داخل النادي، فإن الصفقة لم تتم لشكوك في جواز سفر أوليش السوري.
200 دولار أميركي وتصبح آسيوياً
تقدمت سورية بشكوى رسمية للأمم المتحدة والإنتربول بعد انتشار عصابات لتزوير جوازات سفر في سورية، وقدمت أرقاما لجوازات سفر مسروقة للإنتربول لملاحقة حاملي هذه الجوازات بحسب ما ذكره رئيس فرع الهجرة والجوازات بدمشق العميد فواز الأحمد في تصريح صحافي لوكالة سبوتنيك في يوليو/تموز من عام 2017، ولا يعد الطريق للحصول على جواز سفر سوري مزور معقداً للغاية، فبعد خروج عدة مناطق شمال سورية عن سيطرة النظام السوري، باتت مباني الهجرة والجوازات بما تحويه من أجهزة وطابعات بيد تجار امتهنوا تزوير جوازات السفر السورية وفق ما قاله سمسار جوازات طلب تعريفه بأبو إياس، توصل إليه معد التحقيق عبر وكيل أعمال برازيلي لتسويق البرازيليين كلاعبين آسيويين عبر جوازات سورية مزورة، بعد بحث مطول استمر عدة شهور لتتبع خطوات اللاعبين البرازيليين السوريين بمساعدة وكيل أعمال لاعبين عربي يقيم في السعودية، توصلنا عبره إلى إحدى قنوات الاتصال التي يسلكها الوكيل البرازيلي للحصول على الوثائق المزورة للاعبيه من مدينة اعزاز على الحدود السورية التركية (48 كم) غرب مدينة حلب، إذ تتم عملية التزوير عبر سماسرة يمارسون هذه المهنة، لقاء 200 دولار أميركي فقط كافية ليصبح اللاعب البرازيلي آسيوياً سورياً تلهث وراءه أندية شرق آسيا لكونه يتمتع بمهارات برازيلية إضافة إلى جنسية آسيوية التي تتيح لهم التحايل على قانون الاحتراف.
وادعى السمسار أبو أياس أن بامكانه فعل أي شي واستصدار أي جواز، وليبرهن على ذلك قام باستصدار جواز سفر سوري للسويسري جياني انفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم وأرسل لمعد التحقيق عبر تطبيق "الواتساب" فيديو وصورة للجواز بعد طباعته.
ثمن التزوير
منذ البدء في التحقيق الاستقصائي قبل عامين، حاول معد التحقيق الحصول على رد رسمي من الاتحادات المحلية المعنية بتنظيم الدوريات والأندية التي وقعت حالات التزوير فيها عبر الفاكس والإيميل، إذ أرسلنا 8 إيميلات و8 فاكسات للسؤال عن ماهية الأسس التي تم بموجبها قبول تسجيل اللاعب البرازيلي أو غيره باعتباره آسيويا وهل تم التأكد من السفارات السورية أو اتحاد كرة القدم السوري، لكن حتى ساعة كتابة هذه السطور لم تصلنا أي ردود من الاتحادين الكوري الجنوبي والتايلندي، رغم تمديد مهلة الرد أكثر من مرة، فيما قال صلاح رمضان رئيس الاتحاد السوري السابق لكرة القدم (انتخب عام 2012 واستقال في مارس/آذار 2018) إنه لم يتلق أي اتصال أو أي بلاغ من الأندية أو الاتحادات الشرق آسيوية للاستفسار عن أوراق اللاعبين سالفي الذكر.
من جانبه، رد الاتحاد الآسيوي لكرة القدم على استفسارنا عبر بريد رسمي في 10 سبتمبر/أيلول من عام 2017، حول العقوبة المترتبة على عملية استخدام الوثائق المزورة في الأنشطة المتعلقة بكرة القدم والأطراف التي تتحمل المسؤولية وفقاً لمواده التي نصت على التالي: "وفقاً للمادة 61.1.3 من مدونة السلوك الأخلاقي والتأديبي، يعاقب اللاعب الذي يستخدم وثيقة مزورة بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دولار وإيقاف لستِّ مباريات على الأقل، وكذلك وفقاً للمادة 61.2 يغرم النادي أو الرابطة المشتركة في المسؤولية عن الجريمة بغرامة لا تقل عن 10 آلاف دولار، ويتم استبعاده من التصفيات أو المنافسة".
لكن كل تلك القوانين ما زالت حبراً على ورق ولم تنفذ أي عقوبات بحق اللاعبين الذين رصدهم التحقيق في البلدان الشرق آسيوية، والتي يعتبرها الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الواجهة الحضارية للاحتراف الآسيوي المنشود.
(ساهم في التحقيق مركز كوريكتيف للصحافة الاستقصائية في ألمانيا والصحافي حسام حمادة من السويد)