خسر المزارع التونسي حسونة الماجري 30 ألف دينار تونسي (9834 دولارا أميركيا)، جراء الحريق الذي أتى على ثمانية هكتارات من أرضه التي تبلغ مساحتها 17 هكتارا في منطقة السرس بمدينة الكاف الواقعة شمال غرب تونس، إذ ضاعت ثمرة شقاء الستيني الماجري، التي انتظرها طيلة أشهر قضاها في العمل والسقي والعناية في أرضه، بعد أربع سنوات ماضية من الجفاف لم تشهد حرائق مماثلة، واقترض خلالها 15 ألف دينار (4938 دولارا) لتسيير أموره كما يقول لـ"العربي الجديد".
وطاولت الحرائق التي اندلعت في مناطق "سليانة والقيروان والكاف وباجة" 600 هكتار (الهكتار الواحد يساوي 10 آلاف متر مربع)، من القمح الصلب والليّن والشعير، وفق تأكيد محمد رجايبية عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، المكلف بالزراعات الكبرى (منظمة نقابية فلاحية أسست في 1920).
ويقدر حجم الخسائر التي تسببت بها الحرائق التي اندلعت في يوم 4 يونيو/حزيران الماضي والمستمرة بـ 6 ملايين دينار (1.975 مليون دولار)، علما أن المساحة المبذورة لموسم 2018 / 2019 حوالي 1.224 مليون هكتار، موزعة على ولايات الشمال 849 ألف هكتار و375 ألف هكتار بولايات الوسط والجنوب وفق تأكيد نائب مدير حماية الغابات بالإدارة العامة للغابات بوزارة الفلاحة، سمير بالحاج لـ"العربي الجديد".
خيبة أمل الفلاحين
وتوقعت الحكومة التونسية أن يصل إنتاج الحبوب لهذا الموسم إلى 2.1 مليون طن هذا العام، وهو ما يزيد عن الموسم الماضي الذي وصل فيه حجم الإنتاج إلى 1.43 مليون طن، ويشمل المحصول 1.1 مليون طن من القمح الصلد و118 ألف طن من القمح اللين و700 ألف طن من الشعير، ما يعد إنتاجا قياسيا بحسب تصريحات صحافية لوزير الفلاحة سمير الطيب، أثناء انطلاق موسم الحصاد، في الأول من يونيو/حزيران الماضي.
لكن 10 فلاحين، من "باجة وعمدون وتستور وبنزرت بالشمال التونسي والكاف وسليانة في الشمال الغربي"، ومنهم الماجري، يشعرون بخيبة أمل كبيرة بعد توالي الحرائق التي نشبت بحقول القمح والشعير، وفق إفادتهم لـ"العربي الجديد".
غير أن بالحاج يقول: "رغم وقع الحرائق الكبير على الفلاح، إلا أنها تمثل نسبة ضئيلة على المستوى الوطني، لكن المشكلة أنها ما تزال مستمرة، إذ أتى حريق في 22 يونيو الماضي على 90 هكتاراً من محاصيل القمح الصلب والشعير والأعلاف، في باجة شمالي تونس، قبل أن تتم السيطرة عليه بصعوبة، بحسب تأكيد الناطق الرسمي باسم الديوان الوطني للحماية المدنية (الدفاع المدني)، معز تريعة، والذي أكد لـ"العربي الجديد" إطفاء 594 حريقا اندلعت في محاصيل زراعية وأشجار غابية وأعشاب جافة خلال الفترة الممتدة من 4 وحتى 13 يونيو الماضي، مقابل 338 حريقا خلال نفس الفترة من الموسم الماضي 2017 /2018، مشيرا إلى أن وحدات الدفاع المدني تدخلت لإخماد الحرائق وتقديم المساعدة اللازمة للمواطنين والتنسيق مع بقية الهياكل الجهوية المعنية.
ويحمل أربعة من الفلاحين العشرة، الذين وثقت إفادتهم معدة التحقيق، وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية، المسؤولية لأنها لم تعتن بالمسالك الفلاحية، ما عقد وصول الدفاع المدني إلى أراضيهم، وساهم في انتشار النيران، وهو ما أكد عليه رجايبية، محملا المسؤولية لوزارة التجهيز التي عليها أن تتدخل بسرعة عند نشوب الحرائق، وتنظيف المسالك الزراعية، ومسح الطرقات الريفية، لكي يتمكن الفلاحين من الوصول إلى مراكز التجميع ونقل إنتاجهم.
بيد أن وزير التجهيز نور الدين السالمي، أكد في مؤتمر صحافي عقد في 13 يونيو الماضي أن وزارته قررت مسح حواشي (جانبي) الطرقات الرئيسية، والمسالك الفلاحية على امتداد 44 ألف كلم بميزانية تقدر بـ 2.8 مليون دينار، و40 ألف كلم من المسالك الفلاحية بقيمة 1.8 مليون دينار، بعد توالي حرائق القمح.
مخاطر الحصاد المبكر
يسارع المزارعون إلى جمع المحاصيل قبل موعدها، ما قد يتسبب في تردي نوعية الإنتاج كما يقول عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة فلاحية)، قريش بلغيث، موضحا في إفادته لـ"العربي الجديد" أن الحبة يجب أن تحصد عندما تكون يابسة وتنخفض الرطوبة داخلها ما يضمن إنتاجية جيدة.
وبحسب بلغيث فإن تونس لم تعرف حرائق في حقول القمح عندما كان الوضع السياسي مستقرا، أي بعد انتخابات 2014، ولكن خلال هذا العام وبحكم قرب الانتخابات وفي ظل وجود مؤشرات بموسم واعد وحصاد استثنائي اندلعت الحرائق في حقول القمح، ولم يستبعد أن تكون محاولة من بعضهم لإرباك المشهد السياسي لتصفية بعض الحسابات بين بعض الخصوم قبيل الانتخابات.
ويجهل سبعة من الفلاحين الذين وثقت معهم معدة التحقيق، أسباب الحرائق التي اندلعت بحقولهم، فيما رجح ثلاثة منهم أن تكون الأسباب، ناجمة عن أخطاء بشرية.
ويؤكد رجايبية أن الحرائق التي تضاعفت بنسق غير مسبوق خلال هذه الفترة، تعزز مخاوفهم بأنها تمت بفاعل فاعل، ويقف وراءها عصابات إجرامية تسعى إلى ابتزاز الفلاحين قبيل موسم الحصاد، أو خلافات وأحقاد عائلية بين بعض الفلاحين.
وتوجد مؤشرات تدل على أن بعض الحرائق حدث بفعل فاعل، وتقف خلفه أعمال إجرامية، لأنها تنشب ليلا وفي اتجاه الريح، في محاولة لتشتيت جهود الدفاع المدني، وهو ما حصل على سبيل المثال في مدينة سليانة الواقعة شمال غرب تونس، إذ أتلفت 250 هكتارا، وكذلك 90 هكتارا في مدينة باجة شمال غرب تونس، وهذا لا يمكن أن يكون بمحض الصدفة، كما يقول بلغيث، مشيرا إلى عدم وجود مسبّبات طبيعية، لاندلاع هذه الحرائق، كالارتفاع الكبير في درجات الحرارة، مقارنة بدول الجوار (المغرب والجزائر) اللتين لم تندلع فيهما حرائق مماثلة، رغم أنهما تشهدان ظروفاً مناخية مشابهة لتونس، حسب قوله.
لكن بالحاج، يقول إن المناخ المتوسطي وانحباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة تجعل النباتات في حوض المتوسط سريعة الاشتعال، ما يتسبب في اندلاع الحرائق، مؤكدا وجود أسباب بشرية أيضا، تحدث بدون قصد وأخرى عن قصد لدواعٍ إجرامية، ولكنها حالات نادرة يتم التحقيق بخصوصها في القضاء.
يوافقه الناطق الرسمي باسم الديوان الوطني للحماية المدنية (الدفاع المدني)، والذي أكد أن الأسباب البشرية للحرائق، تتمثل بعدم صيانة المعدات وآلات الحصاد وعدم اتخاذ إجراءات وقائية.
ويصعب كشف الجهة التي تقف وراء حرائق حقول القمح، لأن المسألة كما يقول سفيان الزعق الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية: "تتطلب إثباتات ووجود شهود، أو القبض على الشخص متلبسا، وهو ما يفسر أن أغلب الحرائق تسجل ضد مجهول، مضيفا في حديثه لـ"العربي الجديد" أن 4 في المائة من الأسباب طبيعية، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة و90% لأسباب بشرية بعضها عن غير قصد، نتيجة الإهمال، والتقصير، والسهو، و6% عن قصد بعدما ثبت ضلوع متهمين في حرق الحقول.
هل تنجلي حقيقة الظاهرة؟
لا يستبعد بلغيث، وجود لوبيات مختصة بتوريد الحبوب من الخارج، مستفيدة من حرائق الحبوب.
وتستورد تونس 30% من القمح الصلب (صنف جيد يخصص لصناعة المكرونة). فيما تنتج منه حوالى 70% بحسب تأكيد الخبير الاقتصادي والعضو المكلف بالملفات الاقتصادية في حزب حراك تونس الإرادة، محمد الصادق جبنون، والذي قال لـ"العربي الجديد": "كلما كان الإنتاج جيدا، وتم جني الصابة (الإنتاج) ونقلها وتخزينها في ظروف طيبة، فإن ذلك سيقلص من عجز الميزان التجاري الغذائي في تونس نسبيا، والذي سجل عجزا بقيمة 364.8 مليون دينار (حوالي 120 مليون دولار)، ما يمثل 5.7% من إجمالي عجز الميزان التجاري خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الجاري"، مشيرا إلى أنّ قطاع الحبوب يستحق تشجيع الفلاحين، في ظل هذه الحرائق، التي من بين أهم أسبابها تقادم آلات الحصاد، كما يقول.
واستوردت تونس 576363 طنا من القمح الصلب خلال عام 2017 وزادت الكمية المستوردة في عام 2018 إلى 617213 طناً، فيما بلغت كمية القمح اللين المستوردة 1141040 طنا خلال عام 2017، فيما بلغت الكمية المستوردة خلال عام 2018 نحو 1119505 أطنان بينما تم استيراد 571231 طنا من الشعير في 2017 وزادت الكمية إلى 641328 طنا خلال عام 2018، بحسب الموقع الرسمي لديوان الحبوب التابع لوزارة الفلاحة.
وألقت عناصر مركز الحرس الوطني بسليانة شمال غربي تونس يوم 1 يوليو/تموز الجاري القبض على شاب ثلاثيني، تسبب في إتلاف 11 هكتاراً من القمح، بحسب الصفحة الرسمية للنقابة الأساسية لإقليم الحرس الوطني بلسيانة.
وتبين أن المتهم من أصحاب السوابق العدلية وقد عمد إلى إضرام النار في الحقل في عمادة الجامة بمدينة سليانة، ولاذ بالفرار، قبل أن يقع في قبضة الأمن الذين يقومون بحملات مكثفة بعد تواتر عمليات حرق هكتارات عدة من حقول القمح، وفق المصدر ذاته.
وخلال يونيو الماضي، ألقي القبض على شخصين بمدينة سليانة شمال غربي تونس بشبهة إضرام النار في حقلي قمح بالمنطقة، بحسب الزعق، مبينا أن التحريات الأمنية لا تزال مستمرة معهما حاليا. وحول ما تردد بأن تنظيم داعش وراء بعض حرائق حقول القمح في تونس، أجاب الزعق بأنه لم يثبت إلى حد الآن أي علاقة لهذا التنظيم بالحرائق المندلعة في تونس، كما أن الشخصين اللذين قبض عليهما لا انتماءات إرهابية لديهما.
إجراءات وقائية
شرع الدفاع المدني، في 29 يونيو الماضي في حملات تحسيسية (توعية) نموذجية في أربع محافظات، هي "باجة وجندوبة وبنزرت والكاف" لحث الفلاحين على اتخاذ إجراءات وقائية من خطر الحرائق، وتقديم النصائح الضرورية لهم وفق ما قاله تريعة، لافتا إلى أن الدفاع المدني استعان بفرق متنقلة، سيتم تدعميها بخمس فرق إضافية بهدف تدعيم العنصر البشري والاستعانة بمعدات ووسائل إطفاء جديدة، لمجابهة الحرائق وقت نشوبها.
ومن بين أهم الإجراءات التي تم اتخاذها في وزارة الفلاحة، هي التعريف بإجراءات الوقاية من الحرائق في الغابات والمزارع وصيانة المسالك والتهيئة وتوفير وسائل الإطفاء وتدعيم دور أبراج المراقبة التي تتولى الإبلاغ عن الحرائق، للتدخل والسيطرة عليها، بحسب ما قال كاهية (نائب مدير) حماية الغابات في الإدارة العامة للغابات بوزارة الفلاحة، سمير بالحاج، مضيفا أن عملها يبدأ من 1 مايو/أيار إلى نهاية الصيف 31 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بهدف التدخل سريعا والتبليغ المبكر عن الحرائق.
وتتطلب عملية صرف التعويضات تدقيقا ومعاينة وتقديرا للأضرار من قبل مختصين، تتولى وزارة الفلاحة إرسالهم إلى الضيعات (الأراضي الزراعية) المتضررة، بحسب تأكيد المسؤولة عن الإعلام في وزارة الفلاحة، عايدة فهري لـ"العربي الجديد"، مضيفة أن المسألة قد تستغرق بضعة أشهر لصرف التعويضات.