ويواجه حسن ورفاقه ظروفا قاسية نتيجة عدم العمل كما يروي لـ"العربي الجديد"، قائلا: "ليس لدي ولا دينار واحد، منذ توقفي عن العمل أواخر فبراير، وكل من تراهم في البناية لا يملكون أي شيء، نحن عمال مياومة، حتى الصابون والمنظفات الضرورية انتهت، وليس لدينا أموال لنشتريها. الفول طعامنا اليومي، منذ شهر كامل، صباحا ومساءً غداؤنا وعشاؤنا".
ويرتبط دخل عمال المياومة بمهام مؤقتة يمارسونها في مجالات ترتبط بإنجاز ما يطلبه منهم مشغلوهم مثل البناء والحدادة والنجارة والحرف اليدوية الأخرى، أو البيع في الأسواق غير النظامية المنتشرة في مناطق الوافدين، وهؤلاء جميعا يدخلون ضمن إحصاء العمالة غير الكويتية والتي يبلغ عددها 1.7 مليون عامل، بنسبة 82.1% من إجمالي العمالة في الكويت، وتأتي العمالة الهندية في المرتبة الأولى بإجمالي 577.613 عاملا، ثم العمالة المصرية بإجمالي 475.526 عاملا، وفقا لبيانات الإدارة المركزية للإحصاء الحكومية في الكويت، الصادرة في 31 مارس/آذار 2018.
مواجهة مع الجوع والعنصرية
وثق معد التحقيق معاناة 4 عمال مصريين توقفوا عن أعمالهم في الكويت، ومنهم الحاج أيمن والذي طلب تعريفه بهذا الشكل خوفا من تبعات حديثه كما قال لـ"العربي الجديد" مضيفا: "منذ أول يوم لتوقفنا عن العمل ونحن نعلم أن مصيرنا أسود، نعيش على اليومية، المبلغ الذي أجنيه يوميا يتراوح بين 5 إلى 7 دنانير كويتية (من 16 دولاراً أميركياً وحتى 22 دولاراً) في أحسن الأحوال، أقسمه لأربعة أجزاء بالتساوي، جزء مخصص لأكلي وشربي ومعيشتي وجزء مخصص لإيجار الغرفة التي أتشاركها مع زملائي، وجزء أخصصه لأهلي وأرسله لهم بعد ما أدخر ما يمكن إرساله، وجزء أخصصه لتاجر الإقامات الذي جلبني للكويت على كفالته بعد أن دفعت له مبلغاً طائلاً من المال".
ودفعت معاناة أيمن وحسن وآخرين، من عدم القدرة على توفير طعام لائق، إلى تدخل جمعيات خيرية كويتية وزعت عليهم سلالاً غذائية مكونة من الأرز وبعض المعلبات والطحين، إضافة إلى خضروات مجمدة وأخرى جافة كما يقول مصطفى. وتابع بحزن: "لولا تدخل هذه الجمعيات الخيرية لمتنا من الجوع". لكنه يتخوف من نفاد هذه الكميات من الطعام. حينها لا يعلم كيف سيتصرفون، خاصة أن الحكومة المصرية، لم تقدم لهم الدعم المطلوب أو تساعدهم في العودة إلى بلدهم.
ومن بداية إبريل/نيسان، بدأت جمعيات خيرية، بتوزيع سلال غذائية ووجبات ساخنة تُعد في مطابخ مركزية بعد أن تعاقدت معها لتوفير احتياجات العمالة التي فقدت مصدر رزقها، لكن عثمان الشمري، ممثل جمعية الإصلاح الاجتماعي، (أهلية تنشط في جوانب اجتماعية وثقافية وخيرية) يؤكد أن عدد العمالة التي تعاني من الاحتياج كبير، ويصل إلى 700 ألف عامل، ما يصعّب العمل على تلبية جميع الاحتياجات وفق قوله لـ"العربي الجديد".
إضافة إلى ما سبق يبدي الشيخ الباكستاني، إحسان أحمد، والذي يعمل مؤذناً وإمام مسجد، من تأثير الدعوات العنصرية التي يطلقها بعض المحرضين على الوافدين، واصفا اياها بالقول: "هذه دعوات مؤلمة، الناس تشعر بالخوف عندما يقرأون ويشاهدون مثل هذه التصريحات المتكررة من بعض الشخصيات".
وتمنى إحسان الذي يعيش في الكويت منذ طفولته التأكيد والتركيز على التصريحات الإيجابية التي أطلقها وزير الصحة الكويتي الشيخ باسل الصباح، مطالبا فيها الجميع بعدم العنصرية و"اتقاء الله في الكويت"، بالإضافة إلى ما قاله بعض الوجوه الإعلامية الرافضة لتلك التصريحات مثل عبدالله بوفتين (مقدم برامج حوارية وسياسية) والذي تحدث على التلفزيون الرسمي في برنامج "ظرف استثنائي" المخصص لتغطية تطورات انتشار فيروس كورونا في البلاد، بأن الوافدين شركاء في الوطن ولا ينبغي التعدي عليهم بأي شكل من الأشكال، كما يقول إحسان لـ"العربي الجديد".
"سلّم نفسه للشرطة بحثاً عن الطعام"
من أجل تفعيل الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، أصدرت وزارة الداخلية الكويتية في 30 مارس/آذار الماضي، قراراً يقضي بالسماح لمخالفي قانون الإقامة بمغادرة البلاد دون دفع أي غرامات مالية مترتبة عليهم، نتيجة مخالفتهم قانون الإقامة، إضافة إلى عدم تحملهم تكاليف السفر وتذاكر الطيران مع إمكانية عودتهم للبلاد مرة أخرى وعدم منعهم من دخولها، بهدف ترحيل أكبر عدد ممكن من مخالفي الإقامة الذين وصل عددهم إلى 120 ألف وافد، أغلبهم من ضحايا تجار الإقامات وفق إحصائية حصل عليها معد التحقيق من الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان (هيئة غير حكومية).
واستفاد العامل المصري أبو صفيّة كما عرف نفسه، من القرار السابق، إذ سلم نفسه للسلطات الكويتية في إحدى المدارس التي خصصت لاستقبال المخالفين، بعد فقدانه عمله اليومي غير النظامي بسبب وقف كافة النشاطات التجارية.
وسافر أبو صفية إلى الكويت في عام 2018 بعدما دفع 1400 دينار كويتي (4487 دولارا) جمعها من إخوته، لتاجر إقامات كي يرسل له تأشيرة دخول إلى الكويت، خاصة أنه وعده بالعمل في إحدى شركاته، لكن عند مجيئه فوجئ بأن هذه الشركة واجهة لتجارة الإقامات كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه فشل في دفع قيمة تجديد إقامته بعد سنة من وجوده في الكويت فاضطر للعمل باليومية متخفياً عن الشرطة، في محاولة منه لدفع الدين الذي عليه لأخوته حتى صدر قرار وزير الداخلية الذي يقضي بترحيل المخالفين مع إمكانية عودتهم للبلاد.
لكن مصطفى حسن والحاج أيمن غير مشمولين بهذا القرار، لأن إقامتهما لا تزال سارية المفعول، وجوازي سفرهما في يد الكفيل الذي يرفض إعطاءهما لهما وفق تأكيدهما. ويروي الحاج أيمن قصة أحد زملائه العمال من ضحايا تجار الإقامات، الذي لا تزال إقامته سارية المفعول كما يقول، مضيفا أن قرار الترحيل المجاني للحكومة الكويتية، لم يشمله، فاضطر إلى كسر ساعات حظر التجول الجزئي المفروض في البلاد أمام أعين الشرطة الموجودة في أحد الشوارع الكويتية من أجل الزج به في السجن، لكي يحصل على الأكل والشرب والنوم مجانا حتى يحين موعد ترحيله وفق قانون إقامة الأجانب رقم 17 لسنة 1959، الذي يمنح وزير الداخلية صلاحية ترحيل أي وافد يقوم بأعمال مخالفة للقانون خارج السلطة القضائية. وتنص الفقرة الثالثة من المادة 16 من القانون على أنه "يجوز لرئيس دوائر الشرطة والأمن العام أن يصدر أمراً مكتوباً بإبعاد أي أجنبي، ولو كان حاصلاً على ترخيص بالإقامة، إذا رأى أن إبعاد الأجنبي تستدعيه المصلحة العامة أو الأمن العام أو الآداب العامة".
ولا ينوي عامل النظافة البنغلاديشي، أبو الكلام محمد الاستفادة من المهلة الممنوحة لمخالفي الإقامة، بحسب ما قاله لـ"العربي الجديد"، مضيفا: "ما دام الإيجار غير مطلوب مني، يمكنني تدبر أموري عبر الأكل من الجمعيات الخيرية التي توفر الغذاء لنا بين فترة وأخرى، لكن ما أتمناه ألا أصاب بفيروس كورونا بسبب هذه الاكتظاظ الكبير في عدد السكان"، مضيفا أنه يواجه ظروفاً صعبة بسبب عدم مقدرته على جني أي مبلغ حالياً.
وقرر صاحب البناية التي يسكن فيها أبو الكلام وعمال مصريين وبنغلاديشيين وهنود، إعفاء ساكنيها من دفع الإيجار لمدة ثلاثة أشهر، مراعاة لظروفهم المادية والصحية السيئة وفق العامل الذي كان يعيل أسرته عبر أجره الذي يتقاضاه من إحدى الشركات التي تم إغلاقها بسبب تلاعبها بملفات العمالة، فاضطر للبحث عن عمل باليومية بعد أن وجد نفسه في الشارع قبل عامين.
القنصلية المصرية تتنصّل من العمال
يشتكي العمال المصريون من تخلي قنصلية بلادهم في الكويت عنهم، رغم مناشداتهم المستمرة عبر مواقع التواصل لمسؤوليها والمطالبة بإخلائهم وإعادتهم إلى بلادهم، لكن الردود التي تلقاها بعضهم كانت بأن عملية الإخلاء التي قررتها وزارة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج مخصصة لمن لديهم تأشيرة زيارة أو سياحة، أما العمال والموظفون فإن إخلاؤهم لا يعد أولوية الآن، لأنهم مستقرون ولديهم سكن وعمل "نظرياً" بعكس من دخلوا بتأشيرة الزيارة، بحسب ما أكده العمال المصريون الذين التقاهم معد التحقيق، ومن بينهم أبو همام (اسم مستعار خشية من تعرضه للضرر على يد موظفي القنصلية المصرية) والذي قال في إفادته لـ"العربي الجديد"، حاولت الشرح للقنصلية بأننا قد نموت جوعا أو عبر فيروس كورونا أيضا. فكل العمال تقريباً يعيشون في غرف يتراوح عدد سكانها ما بين 6 و9 أشخاص بسبب الظروف المالية، ما يعني أنه إذا أصيب أحدهم في المبنى الذي يعيش فيه، فإن الجميع معرض للإصابة.
خوف أبو همام من الإصابة بفيروس كورونا زاد بعد اكتشاف وزارة الصحة الكويتية إصابة 20 شخصا من الجنسية الهندية في أحد المباني المجاورة للمبنى الذي يعيش فيه كما يقول، مضيفا أن بقية سكّان البناية لا يزالون في الحجر الصحي بانتظار التأكد من حالتهم.
وتزيد معاناة العمال بسبب عدم توفر فرصة للذهاب إلى المستشفيات في حالة التعب المفاجئ، بحسب مصطفى الذي أكد أن حظر التجول الكامل الذي فُرض على منطقة جليب الشيوخ صعّب تنقلهم، نتيجة وضع حواجز وأسلاك شائكة حول المنطقة.
"فزعة للكويت"
للتخفيف من وطأة معاناة عمال المياومة، دشنت الحكومة الكويتية حملة تبرعات شعبية بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والجمعيات الخيرية الكويتية التي بلغ عددها أكثر من 41 جمعية.
وأُطلق على الحملة الوطنية للجمعيات الخيرية الهادفة إلى حشد الجهود في مواجهة فيروس كورنا المستجد "فزعة للكويت" بعد خطاب ألقاه أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح في يوم 22 مارس الماضي. وقالت الوكيلة المساعدة لشؤون قطاع التنمية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية، هناء الهاجري لـ"العربي الجديد" إن الحملة التي قامت بها الجمعيات الخيرية ووزارة الشؤون استطاعت جمع 9 ملايين دينار (حوالي 28.8 مليون دولار) من 198 ألف متبرع. وجرى توجيه المبالغ نحو دعم الأسر والأفراد المتضررين من أزمة وباء كورونا، ودعم العمالة التي فقدت مورد رزقها بسبب الأزمة، ومساندة الجهود الحكومية الإنسانية في مواجهة الوباء وفق ما تؤكده الهاجري.