انعكاسات مقتل العدناني على آلة "داعش" الإعلامية

01 سبتمبر 2016
لم تُلغِ الحرب الإلكترونية ضد "داعش" وجوده (سيم أوزديل/الأناضول)
+ الخط -
اتّبع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) استراتيجية إعلامية مختلفة عن التنظيمات "الجهادية" عادةً. إذ لم يعتمد بصورة رئيسية على "كاريزما قادته" لحشد الأتباع ومخاطبة المتعاطفين، كما فعل تنظيم القاعدة مع الظهور المتكرر لزعيمه أسامة بن لادن، ثم أيمن الظواهري لاحقاً. حتى أن زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي لم يظهر إلى العلن إلا مرة واحدة، في الخطاب الشهير في جامع الموصل بعد إعلان "الخلافة" في 2014. 

كما أن الآلة الإعلامية للتنظيم لا ترتكز على المتحدث باسمه، أبو محمد العدناني، والذي قُتل في غارة أميركية، أمس الأول، لكن أهمية هذه التصفية قد تفوق الانتصار الرمزي، إذا صدقت التقارير التي تشير إلى لعب العدناني أدوارًا تتجاوز الجانب الإعلامي داخل "داعش".
في الوقت الذي لعب فيه سليمان أبو غيث (قُبض عليه في إيران بعد 2001 ثم أفرج عنه، لتعتقله السلطات الأميركية في 2013) دورًا محدودًا في دعاية القاعدة، في فترة التنظيم "الذهبية" ما بين استهداف السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام 1998 وأحداث سبتمبر/ أيلول 2001، لعب المتحدث العدناني، دورًا إعلاميًا مهمًا في ظل زعامة "الخليفة" صاحب الظهور الإعلامي اليتيم.

لكن خطاب السوري، طه صبحي فلاحة، أو أبو محمد العدناني، لم يكن إلا جزءاً من آلة إعلامية ضخمة للتنظيم، تمت إدارتها بشكل "مؤسساتي" إن صح الوصف. فـ"مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي" و"مجلة دابق" و"وكالة أعماق" كانت أذرعًا إعلامية للتنظيم، ولا تعتمد على أشخاص بأعينهم. حتى أن "الولايات" التي تقع تحت هيمنة "داعش" كانت تُنتج نصيبها من دعاية التنظيم، كما في الإصدار الأخير له الذي تولته "ولاية الجزيرة" الفراتية.
ساهم في هذا الوضع في إخفاء قادة التنظيم لهوياتهم، حتى أولئك الذين تولوا التواصل الإعلامي مع جمهوره والمتعاطفين معه. فـ"الذباح" جون البريطاني، لم يُظهر ملامح وجهه طوال الفترة التي شاغل فيها الإعلام الغربي، قبل تصفيته. كما أن العدناني عُرف بالتسجيلات الصوتية التي كان يبثها، أكثر من ملامح وجهه التي سربت صورها في وقت لاحق.

تنسيق مهام
تولى المتحدث باسم تنظيم "داعش" بالدرجة الأولى مهمة الخطاب الديني. فكانت خطاباته هي التي تعلن الفتاوى، وخاض بصورة واضحة جدالات فقهية وعقدية دفاعًا عن "الدولة" و"الخليفة"، أمام انتقادات المجموعات الجهادية الأخرى، ولا سيما تنظيم القاعدة وجبهة النصرة.
كما خاض العدناني السجالات التي أطلقتها خطوة زعيم جبهة النصرة (جبهة فتح الشام) أبو محمد الجولاني، برفضه أن يكون تابعاً للبغدادي، واحتكامه لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، والذي وقف في صف الجولاني.
العدناني هاجمهم جميعًا، وساهم خطابه الديني الجهادي في استمالة عدد كبير من مقاتلي جبهة النصرة الذين انشقوا عن الجبهة، وانضموا لتنظيم "داعش".
وعلى الرغم من أن العدناني لم يكن شخصية كارزمية ولا عالم دين، ما تكشف عنه حواراته مع مخالفيه داخل التيار السلفي الجهادي، إلا أنه كان يستفيد من توظيف "نجاحات" التنظيم على الأرض، وتفوقه الإعلامي في 2014 الذي منح العدناني "هالة" تفوق قدراته الذاتية، لذا كان من الواضح عجز العدناني عن إنقاذ التنظيم إعلاميًا، بعد التضييق على "أذرعه" منذ 2015.



متغيّرات عسكرية وإعلامية
منذ بدايات 2015، بدا وكأن نمو التنظيم وشعاره "باقية وتتمدد"، والذي يحيل إلى "دولة الخلافة"، لم يعد يعني شيئاً على الأرض. فالتنظيم منذ ذلك الوقت في انحسار، وتراجعاته على الأرض في سورية والعراق واكبتها هزائم إعلامية على الصعيد الإلكتروني.
فمواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثة التي استخدمها التنظيم لبث دعايته "البروباغندا"، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب وتيليغرام، باتت تغلق الحسابات التابعة للتنظيم
بصورة مستمرة، وتحذف أفلام الفيديو التي يبثها منذ أواخر 2014، حتى بات من الصعب إيجاد مصادر لأخبار "وكالة أعماق"، قناة التنظيم لبث أخباره اليومية، بينما كانت حسابات أعضاء التنظيم متابعة من مئات الآلاف في تويتر، وعشرات الآلاف من الأعضاء يدخلون في "المجموعات الإلكترونية" التي كان التنظيم ينشئها عبر "تيليغرام".
الحملة الإلكترونية ضد التنظيم، والتي عارضها في البداية "تيليغرام" ثم خضع لها، لم تلغِ التنظيم من الوجود في الفضاء الإلكتروني، لكنها ساهمت بصورة واضحة بتضييق نطاق تداول الدعاية التي يصدرها وتأثيرها. فالتعاطف معه بات أقل من السابق، كما أن قدرته على الحشد تضاءلت.

العدناني قائد أمني
تفيد التقارير التي تتناول تنظيم "داعش" (أبرزها ما كتبته نيويورك تايمز عن مصادر استخباراتية مطلع أغسطس/ آب)، بأن أبو محمد العدناني لعب خلال الفترة الماضية، أدوارًا
 أمنية تفوق نشاطه كمتحدث باسم التنظيم، حيث يقود مجموعةً أمنية تعمل كجهاز "استخباراتي" لـ"دولة الخلافة" ينسق عملياتها في الخارج. حتى أن هذه التقارير ربطت بين العدناني وهجمات "شارلي إيبدو" في فرنسا.
وفي غياب أي موشرات من داخل التنظيم على صحة هذا الأمر، لكنه يبدو منطقياً إذا أخذنا بعين الاعتبار ظروف مقتله ومحاولات تصفيته السابقة. فقد أفادت تقارير بأن العدناني تعرض لمحاولة تصفية في محافظة الأنبار العراقية، قبل قرابة الشهرين، بينما تمت تصفيته بهجمات نفذت عبر الطائرات من دون طيار الأميركية "درونز" في محافظة حلب السورية. فالتنقل بين أكثر من موقع داخل الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، خاصةً مع تضييق الخناق عليه بفعل المعارك على الأرض، أمر قد يفعله قيادي أمني يحتاج لهذه المخاطرة، ومن المستبعد أن يقوم به من يلعب أدوارًا إعلامية حصرًا.


ربما تضمن مقتل العدناني مفارقة طريفة، فهو صاحب الدعاء الشهير في إحدى تسجيلاته الصوتية: "اللهم إن كانت هذه الدولة دولة خوارج، فاقصم ظهرها واقتل قادتها وأسقط رايتها"، في إشارة إلى "دولة الخلافة". والآن وبعد مقتله، من غير المتوقع أن ينهار سريعًا، فقد قُتل قادة عسكريون أهم من العدناني بكثير، مثل أبو مسلم التركماني، وأبو عمر الشيشاني، وأبو العلاء العفري، لكن مقتله بالتأكيد خطوة أخرى إلى الأمام في الطريق الطويل لمواجهة التنظيم.