ولما كان الرئيس هولاند يستحضر نموذجه في السياسة الفرنسية، فرانسوا ميتران، فلن تغيب عن المراقبين صورة الرئيس فرنسوا ميتران، سنة 1986، وهو يزور عائلة الطالب الجزائري الفرنسي، مالك أوسكين، الذي قتل بسبب التعذيب الذي تعرَّض له من قبل الشرطة، بعد أن شارك في تظاهرات طلابية ضد قانون لإصلاح التعليم. حينها انتقد الرئيس ما تعرّض له الطالب الراحل وأعلن تضامنه مع عائلة الضحية. وبعدها، أيضاً، تحرك الرئيس الفرنسي ميتران، إلى أحد جسور باريس، لإلقاء وردة في نهر السين، في ذات المكان الذي أغرق فيه ناشطون يمينيون بعد انفلاتهم من تظاهرة لجان ماري لوبان، في أول مايو، المواطن المغربي إبراهيم بوعرام.
بعد صمت رئاسي امتد أربعة أيام على
حادثة الاعتداء والاغتصاب التي تعرّض لها الشاب تيو، تحدّث الرئيس الفرنسي، صباح يوم الثلاثاء 7 فبراير/شباط، وأعلن، في ما يُشتمّ منه رغبة في تهدئة الأمور قبل أن تنفلت، خصوصًا أن فرنسا على موعد انتخابي وكاميرات العالم مسلّطة عليها، أن القانون سيُطبَّق حتى على رجال الشرطة إذا خالفوا أخلاقيات المهنة. ولكن تبيَّن للرئيس ومساعديه أن هذه الكلمات الطيبة لم تعد تكفي، فقد ملّوا من سماعها، بدون طائل. فقرر زيارة الضحية تيو، في المستشفى الذي يعالج فيه، وظل إلى جواره وأفراد من عائلته، نصف ساعة. وامتدح الرئيس الفرنسي ردّ فعل الضحية المسؤول على ما جرى له، ووعد بأن "الأمر في يد القضاء، ويجب وضع الثقة في القضاء، وأن هذا القضاء سيسير تحت نهايته، وأنه بدأ يتخذ قرارات". وفي المقابل، حصل الرئيس هولاند على غايته، حين أعلن الضحية تيو ثقته في القضاء، وناشَد الشبابَ الغاضبين "ألا يقوموا بالحرب"، وأن "يظلوا متحدين".
موقع "change.fr" الذي أطلق حملات توقيع كثيرة سابقة، أثَّرَت بقوة على المزاج السياسي الفرنسي وعلى صناع القرار، ومنها "الحملة ضد قانون الشغل"، ثم الحملة التي أدت إلى "قرار منح الجنسية لكل القناصة السنغاليين في الجيش الفرنسي"، أطلق حملة توقيعات موجهة إلى مؤسسة "المدافع عن الحقوق"، كُتب فيها: "لا للوحشية! من أجل كرامة تيو الذي تم اغتصابه من قبل "قوات الأمن".
وعلى وقع اليوم الرابع من الاشتباكات بين الشباب الغاضبين والشرطة التي أطلقت رصاصاً حيّا في الهواء مع كل مخاطر هذا الإجراء، وهو ما يعتبر الترجمة الجديدة لحق الدفاع عن النفس، الذي حصلت عليه الشرطة بعد مظاهراتها وبعد الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا، مؤخرا، ثمة معارك واشتباكات في الشبكات الاجتماعية، وعلى "فيسبوك" و"تويتر" استعادة لتاريخ العنف البوليسي الطويل. وإذا كان الرئيس الفرنسي يَزور تيو ويَعِد بتسريع القضاء، فهو لم يفعل شيئا حين قتل أفراد الدرك الشاب أداما تراوري، ولا يزال القضاء مترددا بطيئا، وفي كل مرة يتم تغيير القضاة.
فكتبت صفحة "حزب أهالي الجمهورية" على فيسبوك: "تيو وأداما يذكّرانك لماذا كان زياد وبونا يَجْريان.."، في إشارة إلى الفتيَين زياد وبونا، اللذين ماتا صقعا بالكهرباء بعد لجوئهما إلى مولّد كهربائي هرباً من مطاردة بوليسية غير مبررة، ولم تتم إدانة المسؤولين.
كما حظي قرار مارين لوبان بعدم انتقاد العنف البوليسي باهتمام وانتقاد واسعَيْن في فيسبوك، خاصة بعد أن كرست مجلة "ليبراسيون" مقالا بعنوان: "مارين لوبان لا تدين العنف البوليسي ضد تيو في اولناي-سو-بوا". وكُتب في أحد التعليقات عليه، لشخص اسمه ثيري كومباس: "مارين الكراهية تكشف وجه اليمين المتطرف الحقيقي، وجه حزب لا ينكر التعذيب والعنصرية، الوجه الذي يحب الشرطة حين لا تكون الشرطة جمهورية، ولكن فقط فاسدة".
ولأن المعركة الانتخابية تخاض على الشبكة أيضا ويمكن أن تكون الشبكة حاسمة، علّق الكثير من السياسيين، عبر تغريدات في تويتر، مثل جان-لوك ميلينشون الذي كتب "دعم لتيو وعائلته"، وبونوا هامون: "أفكاري من أجل تيو وعائلته... والشرطيون يمثلون الجمهورية، ويجب استعادة الثقة بشكل عاجل". كما أن الحزب الشيوعي علّق على الأمر، عبر صورة لرئيسه مع شعار "العدالة لتيو"، وهو اسم وسم "
#justicepourtheo" الذي تصدّر الترند الفرنسي لأكثر من يومين.
ولم يكن "يوتيوب" غائباً عن المشهد، ففي فيلم قصير، تجاوز عدد مشاهديه 100 ألف مشاهد، تتدفق سيارات الشرطة على حي 3000 في مدينة أولناي –سو-بو، قبل أن تقوم الشرطة بمصادرة الهاتف الذكي الذي كان يصوّر المشهد.
ويأتي هذا الاعتداء البوليسي في وقت تستعد فيه كثير من المنظمات والجمعيات الحقوقية للمشاركة في "المسيرة من أجل العدالة والكرامة"، يوم 19 مارس/آذار المقبل في باريس، كتقليد سنوي من أجل "مكافحة الاحتقار والإهانة والعنصرية والعنف البوليسي".