يعيش الفرنسيون انتخابات رئاسية مثيرة غير مسبوقة في تاريخهم، وتُكشف كل يوم مفاجآت جديدة تمنحها تشويقاً، لكنه مصحوبٌ بقلق من الآتي غير المضمون.
وعلى رأس هذا الجديد، مشاكل المرشح فرانسوا فيون مع القضاء. وقد كان آخرها خبر استدعائه من قبل القضاء الفرنسي يوم 15 من مارس/آذار الجاري، في أفق توجيه اتهام له، وردود الفعل الغاضبة التي صدرت منه.
وقد تعامَل الإعلام الفرنسي مع الخبر، الذي سيكون له ما بعده حسب اختلاف الموقع السياسي والأيديولوجي لهذه الصحيفة أو تلك أو هذا المنبر الإعلامي أو ذاك.
ودافعت صحيفة "لوفيغارو" اليمينية عن فيون بقوة، فكتبت في صدر الصفحة الأولى "نداء إلى الشعب"، وهو نداء وجَّهَه المرشح لأنصاره للمشاركة في "التجمع الشعبي الكبير" يوم الأحد القادم، 5 مارس/آذار عند الساعة الثالثة بعد الظهر في ساحة تروكاديرو، بباريس، لإظهار دعمهم الذي لا يتزحزح.
كما كرّس المدير العام للصحيفة، أليكسي بريزي، افتتاحيته للموضوع بعنوان متحيز: "انتخابات مُصادَرَة". وقال فيه: "إنه إذا كان السياسيون ليسوا فوق العدالة، فإن القضاة، أيضا، ليسوا فوق الديمقراطية".
واعتبر أن "الهدنة القضائية" التي سَخِرَ وزير العدل من استحضارها وطالَبَ القضاةَ، علانيةً، بتجاهلها، ضروريةٌّ في الفترة الانتخابية. وحينها سينتهي الأمر بشيئين: "إمّا أن يُهزَم فيون في الرئاسيات، فتتابع العدالة في شهرَين سيرَها الطبيعي، وإما أن يُنتَخَب، وحينها يكون الفرنسيون قد عبّروا من خلال تصويتهم على أن الخطأ الأخلاقي الذي اعترف به فيون هو أخفُّ وزناً في أنظارهم من الفكرة التي يرسمونها عن مصلحة بلادهم".
ومن جهته، رأى صحافي "لوفيغارو"، غيوم تابارد، في تجمع تروكاديرو يوم الأحد المقبل "أول اختبار لشعب اليمين".
وكشف الصحافي أن "الامتحان محفوف بالمخاطر، ولكنه ليس مستحيلا". وأضاف: "ليس من المهم إعارة الانتباه للإدانة الآتية من اليسار ولا من هبّة الرئيس هولاند لنصرة القضاة"، ولكن "القلق يأتي من تخلي بعض مقربي فيون عنه. لأن هذا التخلي سيكون كابحا".
كما لم تخف الصحيفة إصرار فيون على الاستمرار في حملته، عبر إصراره على قضاء ثلاث ساعات في زيارته لمعرض الفلاحة، الممرّ الضروري لكل المرشحين لشرح برنامجهم من المسألة الزراعية وللاقتراب من العالَم القروي ومن أصوات الفلاحين. وفي صفحة كاملة حيّت "صموده في مواجهة القضاة".
النبرة في صحيفة "ليبراسيون" مختلفة، بل هي على النقيض. فقد وصفت فيون في صفحتها الأولى بصورة رجل في قمة التهيج وفاقد لأعصابه.
وفي قلبٍ مقصود لتصريحاته التي اتهم فيها، أمس، القضاء بمحاوله اغتياله، سياسيا، كتبت الصحيفة أن "فرانسوا من خلال "فضيحة بينيلوبي" يغتال العدالة"، وقارنت الحالة التي يعيشها فيون بحالة تيتانيك الشهيرة.
كما رأى مدير الصحيفة، لوران جوفران، أن الأمر يتعلق بشخص "له ميول انتحارية"، وهو بصدد "جرّ الآخرين إلى قرار البحر". وتساءل، في دفاع عن العدالة: "كيف يمكن تبرير أن السياسيين، في حملة انتخابية، يجب أن يفلتوا منها، بشكل طبيعي؟".
ورأى في غضبة فيون العنيفة ضد القضاء: "نزعاً لشرعية القانون، في الوقت الذي يطالب فيه كثيرون، أغلبهم من اليمين، باحترام القانون الجمهوري".
ولم تكن صحيفة "لومانيتيه" مختلفة في نبرتها عن "ليبراسيون"، إذ كتبت: "فرانسوا فيون أو إستراتيجية الشخص المتهيج والفاقد لأعصابه".
ورأت أن "الشخص الذي كان يقتدي بمثال الجنرال ديغول، في نظافة اليد، اختار اقتفاء طريق ترامب"، مذكرة بتحذير الرئيس هولاند أمس من كل مساس بالقضاة وبالعدالة: "إن الترشح للرئاسيات لا يسمح بتوجيه اتهامات خطيرة ضد العدالة وضد مؤسساتنا".
وحتى صحيفة "لاكروا" تناولت هجوم فيون العنيف على القضاة. ورسمت الصحيفة بورتريه للمرشح فرانسوا فيون وهو "يُواجه الجميع". ثم تطرقت الصحيفة لمؤاخذات فيون ومعه اليمين على القضاء الفرنسي: ومنها سرعة اشتغاله بملف فيون، خلافا للبطء الشديد التي عرفته كثير من القضايا الأخرى، ثم إن التحقيق يبدو وكأنه اتهاميٌّ بشكل مباشر لفيون ولا يبحث عن الحقيقة، وأيضا قرينة البراءة للمُتهم لم تؤخذ بعين الاعتبار، ثم اختيار تاريخ 15 مارس/آذار، أي قبل يومين فقط، من انتهاء إيداع ملفات الترشيح.
ورأت الصحيفة أن "القضاة كان بإمكانهم تعليق تحقيقاتهم فترة الانتخابات، ولكنهم لم يفعلوا، ولا شيء قانوني يلزمهم بذلك".
أما موقع "ميديا بارت" الإخباري فلفت إلى أن "فيون مرشحٌ رغم أنوفهم"، أي رغم استدعاء القضاء له ورغم إلحاح نواب يمينيين كثيرين على ضرورة انسحابه.
لكن "ميديا بارت" رأى أن "فرانسوا يستطيع أن يجيب دعوة القضاة مع استمراره في حملته الانتخابية". ولكننا في هذه الحالة، نكون إزاء: "مرشح متهم في قضايا خطيرة يتقدم أمام الناخب الفرنسي، وهي سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة".
فرانسوا فيون، حسب القانون "يستطيع المضيّ قُدُما في حملته، حتى وإن اتُّهِم بشكل فعلي. إلا إذا رُفِعت عنه الحصانة، بشكل نهائي، من خلال حكم قضائي، ونحن لا نزال بعيدين عن هذه الاحتمال". وفي حال انتخابه رئيسا للجمهورية، فإن "الحصانة التي يتمتع رئيس الجمهورية ستُوقِف سيرَ التحقيق، طيلة ولاية الرئيس"، في حين أن "العدالة ستواصل عملها فيما يخص زوجة الرئيس وابنيه وكل من له دور في القضية".