حملة بيانات للشجب والإدانة، أطلقتها عدة روابط علمية في مصر، خلال الساعات الماضية، ضدّ تركيا، مدفوعةً بتوجّهات سياسيّة مناوئة لتركيا في الدوائر الرسميّة والسياسيّة المصريّة، والمتّبعة منذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.
وأتى ذلك عقب تداول وسائل إعلام مصرية خبرًا أرجعته لصحيفة "الزمان" التركية مفاده أن "سردار بالانتابه"، القنصل التركي في الإسكندرية، يراقب صفحات "فيسبوك" الخاصة بأساتذة الجامعات المصرية، وأنه تقدم بشكوى لرئيس جامعة الإسكندرية، يشكو من تعمُّد أستاذة جامعية تُدعى سميرة عاشور، توجيه سباب وشتائم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عبر حسابها بـ"فيسبوك".
وهاجم المتحدث باسم "النقابة المستقلة لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية" محمد كمال، القنصل التركي بالإسكندرية.
وقال كمال، في بيان صحافي، الأحد: "أرفض وبشدة تجاوز القنصل التركي بالإسكندرية وتقديمه شكوى لأحد رؤساء الجامعات لقيام أحد الأساتذة بها بانتقاد الرئيس التركي".
وتابع: "أؤكد أن حرية التعبير حق أساسي يحميه الدستور المصري، وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية ينتقدون كل ما يرون أنه يتعارض مع ما يرونه صحيحًا". واعتبر كمال أن "أساتذة الجامعات في مصر ينتقدون المسؤولين المصريين أنفسهم في إطار حرية التعبير".
واستكمل: "على القنصل التركي الاهتمام بشؤون رعايا دولته، وألا يتجاوز حدود عمله الدبلوماسي، وأن يراجع حكومته بشأن آلاف من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات التركية تم القبض عليهم وفصلهم بعد تمثيلية الانقلاب الفاشلة التي قام بها أردوغان، لكن من يرتضي سحل جنود جيش بلاده في الشوارع وقتلهم على أيدي ميلشيات النظام الحاكم لا ينتظر منه إلا أن يكون بوقاً لمثل هذا النظام"، بحسب البيان.
فيما أعلن أمين المجلس الأعلى للجامعات أشرف حاتم، رفضه ما أقدم عليه القنصل التركي، قائلاً: "آراء الأساتذة على فيسبوك تقع في نطاق الحرية الشخصية".
وتابع، في تصريحات صحافية، أن "الجامعات مستقلة بنص كل دساتير العالم، وأنه ليس من حق أحد التدخل في عملها أو آراء أساتذتها الأكاديمية"، قائلاً: "ليس من حق أحد التدخل في الجامعات المصرية، كما ليس من حق مسؤولي الجامعات المصرية التدخل في شؤون أي جامعات بدول أخرى".
وفي السياق ذاته، أصدرت، أمس الإثنين، رابطة "علماء مصر"، بياناً ضد القنصل التركي.
وكانت رئيس قسم اللغات الشرقية بجامعة الإسكندرية د. سميرة عاشور، قد نشرت صورة تتضمن فيها "دجاجة" بدون ريش وعلى وجهها صورة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوصفه، ودوّنت عليها عبارة "اللي عرى جيشه ربنا ينتقم منه"، مما أثار غضب القنصل العام التركي بالإسكندرية "سردار بالانتابه"، وهو ما دفعه لتقديم شكوى رسمية ضدها لرئيس جامعة الإسكندرية الدكتور عصام الكردي.
وقالت رئيسة قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية الدكتورة سميرة عاشور، إن "قنصل تركيا ليس من حقه مراقبة الحساب الخاص بها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وإرسال خطاب وشكوى لرئيس جامعة الإسكندرية، قائلة "طالما الانتقاد على "فيسبوك" يرد على "فيسبوك" وليس بشكوى".
وأضافت عاشور في تصريحات صحافية، أمس الإثنين، أنها "مستاءة من تدخل تركيا في الحريات بمصر من خلال قنصلها العام بالإسكندرية ومراقبة ما يقوله أعضاء هيئة التدريس بالجامعة".
وأشارت الأكاديميّة إلى أن "تركيا رئيسها وحكومتها هي من تعتدي على هذه العلاقات لاحتضانها جماعة الإخوان، ولبثها أخباراً كاذبة وتحريضية من الأراضي التركية لسب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووصف "ثورة 30 يونيو" بالانقلاب والتدخل في الشأن المصري بلا وجه حق"، بحسبها.
ويأتي ذلك، في الوقت الذي تتصاعد فيه حملات القمع والانتهاكات ضد حريات التعبير والإنترنت في مصر، وفق تقارير حقوقية. وبحسب مؤسسة "حرية الفكر والتعبير"، فإنّ وزارة الداخلية أصدرت دفتر شروط لإجراء ممارسة محدودة برقم 22 لسنة 2013/2014 تحت عنوان "مشروع رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي"، وفقًا لأحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998، وأن المشروع سيتم من خلاله استخدام أحدث إصدارات برامج نظام رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي، و"التعرف على الأشخاص الذين يمثلون خطرًا على المجتمع وتحليل الآراء المختلفة التي من شأنها التطوير الدائم للمنظومة الأمنية بالوزارة"، أي رقابة مواقع التواصل.
كما اعتبرت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، في تقريرها السنوي الرابع عن حالة حرية التعبير في مصر، أن سنة 2016 هي الأكثر انتهاكًا لحرية الإبداع في مصر.
ورصد التقرير "78 انتهاكاً تعرّض له المبدعون في مصر مقارنة بـ 46 انتهاكًا في 2015 و21 انتهاكًا في 2014، وهو ما يوضح انتقال حالة حرية الإبداع من السيئ إلى الأسوأ" بحسب التقرير.
وفيما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام؛ فقد رصد التقرير الصادر مطلع 2017، 438 حالة انتهاك في نطاق 22 محافظة، وجاء الصحافيون في مقدمة الفئات الأكثر تعرضًا لانتهاكات حيث تعرّض 164 صحافيًا لانتهاك مباشر بينما تعرض الإعلاميون لـ62 انتهاكًا مباشًرا.
وقد توزعت الانتهاكات بين عدة أشكال، على سبيل المثال وثَّقت المؤسسة المنْع من أداء العمل الصحافي والإعلامي (193 حالة) بينما احتجز ما لا يقل عن 62 صحافيًا وإعلاميًا دون اتخاذ إجراءات قانونية ضدهم، كما تم استيقاف 7 عاملين بالإعلام لفترة محدودة قبل صرفهم، بينما رصدت المؤسسة التعدي بالضرب على 43 صحافيًا و17 حالة انتهاك تتعلق بمنع بث حلقات برامج تلفزيونية ووقف إصدار جريدة أو مصادرتها أو منع مقالات.
وتنوعت الانتهاكات التي رصدها التقرير بين المنع والرقابة على الأعمال الفنية وحذف مشاهد من مسلسلات تلفزيونية والمنع من السفر أو دخول مصر (4 حالات) وحبس المبدعين على خلفية نشرهم لأعمال فنية، وجاءت الانتهاكات على خلفية تعاطي الأعمال الفنية مع السياسة الذي يعد السبب الرئيسي للانتهاكات، حيث رصد التقرير 44 حالة، بخلاف انتهاكات تتعلق بتنافي الأعمال الإبداعية مع الأخلاق والآداب العامة (15 حالة انتهاك) أو الأديان (6 حالات انتهاك).
بالإضافة لرصد الانتهاكات المتعلقة بالحقوق الرقمية، حيث رصدت المؤسسة ما لا يقل عن 57 انتهاكًا لحق الأفراد في التعبير الرقمي، حيث وثّقت المؤسسة 28 حالة تم القبض فيها على مواطنين بسبب إداراتهم لصفحات على فيسبوك و9 حالات بسبب كلام منسوب لهم على حساباتهم الشخصية.
كما رصد التقرير 18 حالة انتهاك قامت بها جامعات مصرية للتضييق على الحركة الطلابية وحقوق وحريات الطلاب على خلفية نشر الطلاب لآرائهم على شبكات التواصل الاجتماعي.
فيما تزايدات الانتهاكات للحرية الأكاديمية وتزايد التدخلات في العمل اﻷكاديمي، وجاء مشروع قانون التعليم العالي ليهمش مشاركة المجتمع الأكاديمي في مناقشة مشروع القانون، والتعديلات المقترحة لبعض مواد قانون تنظيم الجامعات والتي تعطي دورًا أكبر لوزير التعليم العالي، وقرارات السلطة التنفيذية والإدارات الجامعية المؤثرة على الحرية الأكاديمية، كشرط الموافقة الأمنية للسماح للأكاديميين بالسفر، وتوجيهات وزارة التعليم العالي للجامعات الخاصة والأهلية بعدم الإساءة للدول الشقيقة في الأبحاث.
وبمقارنة تلك الأوضاع والانتهاكات بما جرى، يُلاحظ للمتابع، تسييس السلطات المصرية الأمر، الذي لم يتعد سوى شكوى، كإجراء قانوني تكفله المواثيق لأي شخص طبيعي أو اعتباري.
كما يقبع في السجون المصرية الآلاف من المصريين بسبب مجرد تعبيرهم عن انتقاد للسلطات المصرية، بلا مراعاة للحريات والحق في التعبير الذي يتحدث عنه الأكاديميون المصريون، اليوم.