لو كان ثمة مرشح آخر غير إيمانويل ماكرون، أي في وضعية الأوفر حظاً، للفوز، كما كان عليه جاك شيراك، سنة 2002، لما جازف بقبول المناظرة الرئاسيّة التي أجريت، أمس الأربعاء، لأن مثل هذه المناظرات غالباً ما يستفيد منها الأقل حظاً، لأنه ليس لديه ما يخسره.
ولكن ماكرون، ليس في حالة شيراك، الذي كان يترأس حزباً سياسياً قوياً، وكانت التظاهرات العارمة في شوارع فرنسا ضد جان ماري لوبان، تصبّ في صالحه، بشكل أو بآخر.
قَبِلَ ماكرون بالمناظرة، لأنه يريد فوزًا كاسحًا، يهيئ له تشكيل أغلبية رئاسية مريحة، لتنفيذ برنامجه من أجل فرنسا. ولكن مارين لوبان شحذت أسلحتها، خاصة في الميادين التي تتقنها، كقضايا الهجرة، والتطرف الإسلاموي وأسبقية الفرنسي على من سواه، في كل الميادين، ودفعت بها إلى المناظرة، وكرّرتها أكثر من مرة، مُهمِلةً مواضيع أخرى تهُمّ الناخب والمواطن الفرنسي، خاصة في المجال الاقتصادي، وهو ما حاول ماكرون أن يركز عليه، لولا أن النقاش لم يكن عميقا.
Twitter Post
|
والحقيقة أن هذه المناظرة التي اعتبرها الكثيرون أسوأ مناظَرة في تاريخ الجمهورية، دفعت كثيرا من وسائل الإعلام إلى إبداء الأسف على إجرائها. ولعل نسبة 69 في المائة من الفرنسيين الذين لم تقنعهم مارين لوبان، مقابل 55 في المائة لم يستطع ماكرون إقناعهم، دليل آخَر على عدم جدوى هذه المواجهة التي شاهدها أكثر من 16 مليون فرنسي. وهو ما علق عليه موقع "أتلانتيكو" بالقول: "إنه نقاش من أجل ماذا؟".
ولكن النقاش الذي تحول إلى شتائم وطعنات وغمز ولمز، و"حوار طرشان" على الطريقة الأميركية، لم يَرُق حتى لجان-ماري لوبان، الذي رأى فيه "نقاشا بين زعماء أحزاب، وليس نقاشا بين مرشحين للرئاسيات".
كان ثمة شعور بالحرمان بعد هذا النقاش، وحتى ناتالي-سانت-كريك، أحد الصحافيين، اللذين قدّما المناظرة، عبّرت عن الحرمان، واعتبرت أنها "لم تقدّر كما يجب نقاشا مع حزب الجبهة الوطنية، لأنه حزب ليس كباقي الأحزاب، وهذا ما برهنت عليه مارين لوبان، مساء أمس"، واعترفت بأن "مارين لوبان لم تفعل سوى الهجوم، منذ البداية. وهو ما سيُدمّرها بشكل كبير".
صحيفة "لوباريزيان" رأت في المناظرة "أسوأ نسبة مشاهدة في تاريخ مناظرات ما بين الدورتين".
وكشفت أن أداء مارين لوبان أثار امتعاضا حتى بين أنصارها ومسؤولين سابقين في الحزب.
Twitter Post
|
وهو ما عبّرت عنه مجلة "فالور أكتويال"، اليمينية المتطرفة، حين رأت "أنه ليس من المؤكد، بعد هذه المناظرة، أن تنجح مارين لوبان في اللحاق بماكرون، من اليوم إلى الأحد"، وعزت المجلة الأمرَ إلى أن "مارين لوبان لم تَجِد، أبداً، الرنة الصحيحة ولا الحجج الجيدة، وهي تهاجم ماكرون بطريقة بالغة القسوة".
وتحدثت صحيفة "لوموند" عن المناظرة "العنيفة وغير المنظمة والتي ستترك نُدوباً" وكرّست افتتاحيتها لـ"مارين لوبان، وجه اليمين المتطرف". وكتبت: "ظهرت مرشحة الجبهة الوطنية، من بداية مناظرة مساء الأربعاء، بطلةَ تطرّف مستعدة للاستفادة من كل مظاهر الخوف، ومستعدة لحفر كل الفوارق وإذكاء كلّ الاستيهامات".
كما عددت الصحيفة 19 عشر مغالطة في خطاب مارين لوبان. واستعرضت الصحيفة مختلف ردود الفعل السياسية بعد المناظرة، وكانت في معظمها تتحدث عن "رداءة" النقاش. وطبعا نسب الموالون لمارين لوبان المسؤولية لماكرون.
ويقرّ فروبير مينار بأن النقاش "لم يكن في مستوى الرهانات"، ولكنه يتساءل: "من يستطيع القول بأن ماكرون أجاب على كل الأسئلة؟"، ويضيف: "لم يقل كلمة واحدة لإدانة تصريحات "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، لأنه لا يريد أن يعطي، عشية التصويت، ظهره لقسم من الجالية المسلمة". في حين أن فلوريان فيليبو، الرجل الثاني في الحزب اليميني المتطرف، يرى أن "مارين لوبان هيمنت على النقاش. ودفعت ماكرون إلى الزاوية".
ورأى الأب، جان ماري لوبان، أن "اللقاء انتهى بالتعادل". في حين امتدح آخرون، من بينهم سيغولين روايال وأوليفيي فور، "جدية وفعالية ماكرون". أما ألان جوبيه وإيريك سيوتي فتحدثا عن "رداءة هذه المناظرة"، وتساءل سيوتّي: "أين هم جيسكار وميتران وشيراك وساركوزي؟ لا شك أن البعض نادمٌ على تصويته في الدورة الأولى!".
Twitter Post
|
صحيفة "ويست فرانس"، فضلت التركيز على ضعف مارين لوبان في الجانب الاقتصادي، فعنونت صفحتها: "لا. يا مارين لوبان، الإيكو لم تكن عملة".
وفي مقال تحليلي، كتبت: "المناظرة الرئاسية: مارين تمّحي، ولوبان يعود!"، في إشارة إلى وَهْم حدوث تغير جذري في حزب الجبهة الوطنية بعد إقصاء الأب المؤسِّس. كما نقرأ: "مارين لوبان في نفس وضعية ترامب".
أما صحيفة "لاكروا"، فركزت على دعوة "يهود وبروتستانتيين ومسلمين للتصويت لصالح ماكرون"، بعد المناظرة. كما نقرأ، أيضا: "ماكرون- لوبان: الحوار المستحيل".
أما "ليبراسيون" اليسارية، فقد فضّلت وصف المناظرة من خلال ما كتبته عنها الصحافة الأجنبية: "مناظرة لوبان-ماكرون: الأكثر عنفا في تاريخ الجمهورية الخامسة". كما نقرأ أيضا عن "مارين لوبان، وحدود مرشحة"، و"مارين لوبان تُغرِق النقاش في عاصفة من المغالطات".
Twitter Post
|
أما موقع "ميديا بارت" الإخباري، فكتب عن المناظرة: "في مواجهة إيمانويل ماكرون، استحضرت مارين لوبان "ترامب" في مناظرة الدورة الثانية"، ونقرأ في المقال أن "لوبان استخدمت الاتهامات والهجمات والأكاذيب والأقوال الصادمة بشكل لا يخلو من عنف، من أجل إصباغ "روح ترامب" على النقاش، من دون محاولة كشف أي رؤية في مواجهة ماكرون".
وينتهي المقال بهذه الخلاصة: "وفي حقيقة الأمر، ويعد ساعتين ونصف، ظهر أن المرشَّحَين يتواجدان في كوكبين مختلفين. الأول يستخدم كل ما عنده من مبالغات وهجمات لا تتوقف وادعاءات، ويحاول أن يعزز ناخبيه، أما الآخر فيتجنب الفخاخ التي نصبت له، مع بعض المخاطرات. وفي انتظار الدورة الثانية، فإن إيمانويل ماكرون يدير الأمر جيدا".