في السنوات العشرين الأخيرة، شهد التطوّر التكنولوجي السريع تقلّص حجم المنتجات التكنولوجية لتصبح خفيفة الوزن، وقابلة للحمل أينما كان المستخدم. الأمر يشمل أوّلاً الهواتف، والتي كانت في البداية تتيح الاتصال والرد، لتصبح ذكية شيئاً فشيئاً بمزايا قد لا تنتهي في يومنا هذا. أيضاً شمل التطوّر أجهزة تخزين المعلومات، والتي كانت بحجم قبضة اليد، منذ عشرين عاماً، وبسعة لا تتجاوز الـ128 كيلوبايت، لتصبح اليوم بحجم حبّة العدس، وبسعة تصل إلى مئات الغيغا بايتس.
الأمر لم يقتصر فقط على السعات، بل طاول الكاميرات وعدساتها والتي تنبّأت بها الأفلام، أبرزها أفلام العملاء السرّيين، والذين غالباً ما امتلكوا أجهزة فائقة التطوّر تتيح الاتصال عبر ساعة ذكية، تسجيل الأحاديث عبر مذياع صغير خفي مدمج في قلم أو علبة محارم، والتقاط صور ومقاطع مصوّرة عبر جهاز هاتفي صغير. كل هذه الأجهزة باتت في عامنا الحالي متوّفرة وبأسعار متوسطة الثمن، خاصة للماركات غير التجارية.
وإذا ما راقبنا الهواتف الذكية الحالية أو التي توشك على الصدور، يمكن ملاحظة سعي شركات التصنيع سنوياً إلى الاستغناء عن الأزرار بشكل كامل وتكبير مساحة الشاشة عبر الاستغناء عن أي مساحة غير قابلة للمس في مقدّمة الهاتف، عوضاً عن إضافة بعض المليمترات في عرض وطول الهاتف.
يهدف ذلك بالطبع إلى خلق مساحات جديدة في أي جهاز، من دون الحاجة إلى تكبيره وتعريضه. وكنوع من الأجهزة المكمّلة للهواتف الذكية، بدأ استعمال بعض الأجهزة القابلة للارتداء كالساعات الذكية، والتي كانت شركة "سامسونغ" أولى الشركات التي طوّرت قدرتها للتحوّل إلى مساعد للهاتف الذكي. قدّمت "سامسونغ" ساعتها كثورة في عالم جهاز تكنولوجي يمكن ارتداؤه، يتّصل بالهاتف الذكي عبر البلوتوث، يأتي بمعالج رئيسي بسرعة 800 ميغا هرتز وذاكرة عشوائية 512 ميغابايت (RAM) وكاميرا رئيسية 1.9 ميغابيكسل. إذاً يمكن التصوير عبر الساعة، الرد على المكالمات الهاتفية، مراقبة نبضات القلب، النشاطات اليومية، تصفّح التطبيقات، كتابة الرسائل، تبادل الرسوم التعبيرية وغيرها. قلبت "سامسونغ" معادلة الأجهزة المحمولة ورفعت سقف المنافسة، الأمر الذي أجبر شركة "آبل" على خوض غمار تجربة الساعات الذكية بعد عامين تقريباً بساعة "آبل ووتش"، والتي تحوّلت في غضون عام ونصف العام إلى ثاني أكثر ساعة مباعة عالمياً بعد ساعات "روليكس" الفاخرة.
هناك عدد كبير جداً من عشّاق الأجهزة القابلة للارتداء وسوق تلك الأجهزة يكبر يوماً بعد يوم. هذا ما دفع بشركاتٍ عديدة لمحاولة تطوير ساعاتها بداية، والتحوّل لخلق احتياجات جديدة عبر أجهزة يمكن حملها. طوّرت شركة "فيتبيت" سوارها المحمول، حيث بات أكثر ذكاءً، دقةً وتحمّلاً للمياه. كما أنّ بطاريته باتت تعمل لأيام عدّة بشحن واحد. وبسبب ما شهده سوق الساعات الذكية من تطوّر ملحوظ في نسبة الشراء، قرّرت الشركة مؤخراً إنتاج ساعات "فيتبيت" ذكية بمزايا متطوّرة عن تلك الموجودة في ساعتي "آبل" و"سامسونغ".
وفي خانة الأساور والساعات الذكية، هنالك عدد لا يستهان به من الشركات التي طرحت منتجات لقياس النشاط اليومي، نبضات القلب، إعطاء الوقت، التذكير بالمواعيد وغيرها. نذكر منها: "مِس فيت"، "ماي زون"، "غارمين" وغيرها.
في سياق متّصل، شهد عالم النظارات تطوّراً عبر ظهور نظارات ذكية، تحديداً من شركة "سناب تشات" والتي أطلقت عام 2016 مؤخراً نظارات "Spectacles". تتيح هذه النظارات تصوير مقاطع ڤيديو مدّتها عشر ثوان لتستخدم على تطبيق "سناب تشات" الشهير بتراسل الصور والقصص، وذلك ضمن خاصية "ميموريز". المقاطع تُرفع تلقائياً عبر تقنية البلوتوث لأجهزة iOS، وتُنقل عبر الـ WIFI أو بيانات شريحة الهاتف للأجهزة العاملة بنظام "أندرويد". ولعلّ أهم تطوّر للنظارات هو في تقنية الأفلام والألعاب ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي والذي طرحته شركتا "سامسونغ" و"غوغل" في نظارات VR. لكن حتى اليوم، لا يمكن التحرّك بحرية تامة أثناء ارتداء تلك النظارات بسبب اتّصالها بأسلاك طويلة بالمشغل. ولا يُمكن للمستخدم التحرّك بها في نطاق الغرفة الواحدة، وعليه توّخي الحذر لأن النظارة ترسم واقعاً مغايراً للواقع في ما يخص مجال رؤية وإدراك المستخدم للواقع المحيط به، كما أنّها تشكل خطراً على حياته في حال تواجده في مكان قريب من شرفة أو طريق عام. إلى جانب "سامسونغ" و"غوغل"، دخلت مؤخراً شركة "فيسبوك" عالم نظارات الواقع الافتراضي، وذلك في سعيها لخلق تجربة متكاملة وفريدة للمستخدمين بين تطبيقي "إنستاغرام" و"فيسبوك".
الأمر لم يتوقّف عند النظارات، بل طاول العدسات اللاصقة للعين. فارتداء العدسات لم يعد يقتصر فقط على ضعاف البصر أو من يريد تغيير لون عينيه، ليصبح ضرورة لمن يريد تصفّح معلومات وحقائق بسريّة تامة ومن دون الحاجة للحركة. وبرغم صغر ورقّة العدسات اللاصقة الذكية، فإنّها قد تحتوي وتخزّن ملايين المعلومات. ولعلّ العقبة الوحيدة فيها هي ثمنها الباهظ جداً، الأمر الذي يجعلها فقط متاحة للعملاء السريين والعاملين في النطاق الأمني.
أيضاً تطوّرت أحزمة الخصر، بحيث أطلقت شركة "بلتي" حزام "سمارت بلت" والذي يتكيّف ويعدّل تلقائياً درجة التفافه وقوّتها على الخصر وفقاً لكمية الطعام التي أكلها المستخدم، التوقيت في النهار أو في الأعياد، وغيرها من العوامل. كما شهد سوق الخواتم محاولات معدودة في تطوير تلك الخواتم لتصبح ذكية بمزايا بسيطة كتحديد المكان على الخريطة لمعرفة مكان تواجد المستخدم، إضاءة الخاتم، وتحرّكه في حال وصلت أي رسالة إلى الهاتف الذكي.
ولعل أكثر محاولة لجهاز يمكن ارتداؤه يمكن التنبؤ بأنّه سيغيّر معادلة جميع الأجهزة المحمولة ويعد بمستقبل مختلف جداً لها، هو سوار "Cicret" والذي طرح بداية عام 2014 كفكرة عبر مقطع مصوّر تصوّري لمزايا السوار، يمكن تطويره، ولكن الأمر معتمد على المستثمرين ومدى اهتمامهم بفكرته. السوار يتخلى بالكامل عن فكرة الشاشات الزجاجية البلاستيكية أو أي شاشة صلبة قابلة للمس، وذلك عبر تقنية ضوء يعرض المحتوى الخاص بالهاتف الذكي على أي سطح أملس. وبما أنّه سوار متّصل باليد، فإن الإعلان الدعائي يُظهر الضوء وهو يعرض محتوى الهاتف الذكي على ذراع المستخدم، والذي يصبح متوافراً بمجرّد هزّة بسيطة للمعصم من قبل المستخدم. ويتيح السوار أهم مزايا الهاتف الذكي، ومنها: تصفّح الخرائط، الاطلاع على الأحوال الجوية، الرد على الرسائل، الاتصال الصوتي والمرئي، والأهمّ من ذلك قدرة السوار على تحمّل المياه، لذلك يمكن الاستحمام أو السباحة به والاستفادة من مزاياه كاملة. السوار لا يعوّض عن الهاتف، بل يستخدم معظم مزاياه ليسهّل حياة المستخدمين ويبعدهم عن حمل هواتفهم المحمولة وتفقّدها طوال الوقت.
يعمل سوار "Cicret" بثمانية أجهزة استشعار طويلة المدى، والتي تتعرّف على التطبيق أو الخانة الجغرافية التي يضغط عليها المستخدم في مساحة شاشة الهاتف، عبر تحديد مكان تقاطع إصبعه مع أحد الخطوط الطويلة للجهاز. هذا وقد تُرجمت مزايا الجهاز عام 2017 بسوار مشابه لذاك الذي عُرض عام 2014 ولكن بحجم أكبر، غير تجاري ربّما، لكنّه ترجم كل قدرات الجهاز إلى الواقع ممّا يعد بظهور عدد أكبر من الأساور المعتمدة على تكنولوجيا مستشعرات الضوء في السنوات المقبلة.
وللملابس حصة أيضاً في تحوّل بعضها لثياب تكنولوجية بعدد من الوظائف المتطوّرة. منها، سترة Vest والتي هي سترة مبطّنة بمستشعرات مدمجة لرصد العقبات وذلك عن طريق الاهتزازات والإرشادات الصوتية والتي من شأنها توجيه الضرير للطريق. هذا ويمكن تلقّي الإرشادات الصوتية بواسطة سمّاعات فائقة الجودة داخل السترة، كما أنّها تُصدر إنذارات تتعلق بالطاقة المتبقية في البطارية عند قرب نفاذها.
ومن الأجهزة المحمولة أيضاً أجهزة مساعدة تحمل أشياء المستخدم الثمينة، وفي نفس الوقت تتعقّبها في حال فقدانها كالمفاتيح وغيرها من الأجهزة.
وقد تطوّرت تلك التقنية وباتت تستعمل على الحيوانات ومنها جهاز "Whistle" والذي يُعلق كطوق على الحيوان الأليف، ليسمح بتحديد الأنشطة اليومية للكلب أو القطة مثلاً وذلك وفقاً لعمر الحيوان، وزنه، نوعه وغيرها من المعلومات التي يبدأ الجهاز بجمعها يوماً بعد يوم عنه.
وفي عالم الأحذية أيضاً تطوّر استخدام أحذية الرياضة، تحديداً الركض لتصبح قابلة لتعقّب المستخدم وجمع البيانات عن مدى نشاطه اليومي وعدد السعرات الحرارية المحروقة ضمن التمرينات اليومية. وقد وصل التطوّر في الأحذية الذكية لقدرتها على مقاومة الألغام الأرضية وحماية مرتديها من المتفجرات المزروعة على الطريق. نتحدّث هنا عن "الحذاء المضاد للألغام" والذي طُرح مؤخراً في منتدى "الجيش-2017" العسكري الدولي في روسيا، والذي يحافظ على حياة الجنود أقلّه في حقول الألغام.