عرض المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، اليوم الأربعاء، دراسة حول المقاتلين التونسيين في بؤر التوتر، وكيفية الاستقطاب والتجنيد، والخطر الذي يشكلونه، وكيفية الوقاية من التطرف، اعتمادا على مقابلات مع 82 إرهابيا داخل السجون التونسية.
وقال رئيس المعهد، ناجي جلول، لـ"العربي الجديد"، إن "عوامل نفسية واجتماعية استغلتها الجماعات الإرهابية لاستقطاب الشباب، وبينها الشعور بخيبة الأمل والتهميش والحيف الاجتماعي، وهي أسباب دفعت آخرين إلى المخدرات أو الهجرة غير الشرعية".
وأكد جلول أنّ "هناك اليوم جدل حول الأعداد. بعض الأرقام تصنف تونس كأكبر بلد مصدر للإرهابيين، لكن الدراسة تدحض ذلك، إذ إن الأرقام تقارب 3 آلاف عنصر، كما أن تونس كبّدت داعش خسائر كبيرة، وأصبحت تمتلك خبرة في محاربة الإرهاب".
وبين أن "الجماعات السلفية ساهمت في استقطاب الشباب عن طريق استغلال تدني معدلات التدين قبل الثورة، واستخدمت الخيام الدعوية والإحباط والشعور بالخيبة والتهميش والحيف الاجتماعي".
وأكدت رئيسة فريق البحث بالمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، آمنة بن عرب، لـ"العربي الجديد"، أن "الدراسة انطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بالتعاون مع مركزي بحث هولندي وأميركي، وتهدف إلى فهم سياقات انتشار التطرف، والعوامل التي أدت إلى التحاق الشباب التونسي ببؤر التوتر"، مبينة أن تواجد المقاتلين التونسيين في التنظيمات الإرهابية كان تواجدا كميا ونوعيا.
وأضافت أن "أغلب الإرهابيين من الشباب، وتراوح الأعمار بين 25 و29 سنة، و90 في المائة من أنصاف المتعلمين ومن غادروا مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية أو الثانوية، وظروف أغلبهم الاجتماعية غير مستقرة"، مؤكدة أنه تمت زيارة كافة السجون التونسية، والقيام باستجوابات فردية ومحادثات جماعية ومحاورة العائدين من بؤر التوتر، فضلا عن مقابلات مع كوادر أمنية ومديري سجون وأخصائيين نفسانيين.
ولفتت بن عرب إلى سيناريوهات لتوجيه العائدين من بؤر التوتر إلى بؤر جديدة في ليبيا والقوقاز، أو سيناريو العودة إلى أوطانهم، وهو الأخطر، باعتبار أن هؤلاء اكتسبوا قدرات قتالية، وتفاعلوا مع الخلايا النائمة.
وقالت إنه "لوحظ أن 74 في المائة من الإرهابيين المسجونين ليسوا متزوجين، ما ينفي المسؤولية العائلية، ونظرتهم للمستقبل تقوم على التخوف من الإقصاء والمعاملة الاجتماعية والأمنية، وخاصة أن أغلبهم سيكون تحت المراقبة عند مغادرة السجن".
وبينت الباحثة أن "نظرة عينة البحث للإسلام تعتبر أن العنف الذي تعتمده الجماعات المسلحة هو عنف مشروع، ونظرتهم للمرأة هي نظرة محافظة ومتشددة، ومكان المرأة بالنسبة إليهم هو البيت لإنجاب وتربية الأطفال، أما اللباس المحبذ فهو النقاب واللباس الشرعي، كما أن نسبة كبيرة منهم تؤيد تعدد الزوجات".
وكشفت نتائج الدراسة عن اعتقاد المسجونين بأن "الثورة تمثل العصر الذهبي للحرية، ولكن هذه الحرية ضربت حقهم في التنظم بعد أن عادت الدولة لممارسة العنف ضدهم، في حين أن نظرتهم للغرب تقوم على نظرية المؤامرة، وأن مشاكل العالم الإسلامي ناتجة عن الغرب (الكافر)، وأن الولايات المتحدة تقود المؤامرة ضد الإسلام لفائدة إسرائيل".
وأكد الناطق باسم إدارة الأمن الوطني، وليد حكيمة، لـ"العربي الجديد"، على أهمية الدراسة، قائلا: "الحديث عن الإرهاب عادة ما يركز على الناحية الأمنية، ولكن المقاربة الأمنية غير كافية، والدراسة تناولت الجانب الاجتماعي والأسري والاقتصادي، ما يجعل الصورة أوضح، ومن شأنها أن تساعد في مكافحة الإرهاب".
وقال المحامي المختص في قضايا الإرهاب، سيف الدين مخلوف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدراسة تنقصها الأرقام التي تهم القضايا والموقوفين والمفرج عنهم، وكان يمكن أن تكون أعمق لو وفرت تلك الأرقام. كان من الجيد لو تم بحث أسباب العلاقة الصدامية بين الإرهابيين والمجتمع، ولماذا تحتوي بعض العائلات ذويها من الإرهابيين، لكن هذا لا ينفي أن الدراسة سلطت الضوء على الظاهرة".