بعد تقدّم كبير أحرزه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مخيّم اليرموك وسيطرته تقريباً على المخيم بأكمله، ضاق الحال أكثر فأكثر بالنسبة إلى ما يُقدّر بعشرة آلاف شخص ما زالوا يسكنون في هذا المخيّم الذي كان يضجّ يوماً بالحياة. يُذكر أنّ أكثر من مليون شخص كانوا يأهلونه، 160 ألفاً منهم من اللاجئين الفلسطينيين.
منذ أكثر من ثلاث سنوات، يرزح مخيّم اليرموك جنوب دمشق تحت حصار خانق فرضه النظام السوري وتنظيمات فلسطينية موالية له، لتنقطع انقطاعاً كاملاً كل الطرقات الواصلة بينه وبين المناطق المجاورة بالتزامن مع انقطاع التيار الكهربائي. كذلك، فإنّ المياه مقطوعة منذ نحو 600 يوم على التوالي.
في الاشتباكات الأخيرة التي تقوم هناك ما بين تنظيم داعش وجبهة النصرة، قُتل وأصيب عديد من المدنيين في المخيّم من جرّاء القصف والقنص، فيما يتردّى الواقع الصحي الذي هو متردّ في الأساس نتيجة غياب الكوادر الطبية والأجهزة والمواد الصحية. تجدر الإشارة إلى أنّ هجوم داعش على المخيّم في العام الماضي، دفع الكوادر الطبية إلى الخروج من اليرموك. ويفيد ناشطون بأنّ شوارع المخيّم تحوّلت إلى أقسام وقطاعات تفصل ما بينها الشوادر، لحماية المسلحين أنفسهم من رصاص القناصة، وذلك وسط تبادل القنص بين طرفَي القتال وانتشار القناصة على أسطح المنازل وتوجيه رصاصهم إلى الشوارع والأزقة.
إلى ذلك، رفع بعض المدنيين لافتات في شوارع المخيّم يحثّون فيها المتقاتلين على تجنّب استهداف المدنيين في اشتباكاتهم الدائرة، لا سيّما بعدما منعت الفصائل الموجودة في بلدة يلدا المجاورة دخول أي شخص إليها من جهة المخيّم بحجة الدواعي الأمنية، بالإضافة إلى رفض تلك الفصائل إدخال مواد إغاثية إلى المخيّم بحجة الخشية من وصولها إلى داعش.
ويوضح ناشطون أنّ الأهالي بمعظمهم يحجمون عن النزوح في اتجاه البلدات المجاورة للمخيّم مثل يلدا وببيلا وبيت سحم، بسبب المضايقات التي يتعرضون لها عند حواجز الفصائل المسلحة الموجودة في تلك المناطق المهادنة للنظام منذ نحو عامَين، فضلاً عن خوفهم على منازلهم من التعرّض للسلب والحرق إن هم غادروها. تجدر الإشارة إلى أنّ مئات العائلات الفلسطينية كانت قد نزحت من المخيّم إلى البلدات المجاورة على أثر اقتحامه من قبل عناصر داعش مطلع أبريل/ نيسان من العام الماضي، بالتنسيق مع عناصر جبهة النصرة فيه.
في الاشتباكات الدائرة حالياً في اليرموك، يشكو السكان خصوصاً من شحّ المياه، إذ إنّ آبار المياه موجودة في مناطق ساخنة. وخلال الأيام الأخيرة، لم تتمكّن إلا صهاريج مياه قليلة من الوصول إلى السكان المحاصرين في مناطق الاشتباكات. إلى ذلك، نقل المكتب الإغاثي في المخيّم عمله من شارع المدارس إلى مقهى الزين بالقرب من سوق الخضار لتمكين الأهالي من استلام بطاقات الخبز، فيما أعلنت مؤسسة "أمل اليرموك" الخدمية والتنموية أنها عمدت إلى تغذية ستّ نقاط في المخيّم بالمياه، وهي حيّ العروبة ومنطقة الإعاشة ومنطقة جامع فلسطين ومنطقة في حيّ الجاعونة.
في السياق، أصدر الأهالي بياناً طالبوا فيه الأطراف المتقاتلة التقيّد بهدنة لساعات عدّة حتى يتسنى للمدنيين العالقين في أماكن الاشتباكات الخروج إلى أماكن آمنة، وحتى يتمكّن الأهالي المحاصرون من التزوّد بما يحتاجونه. كذلك طالبوا النظام السوري والفصائل الفلسطينية الداعمة له بإعادة ضخّ المياه إلى المخيّم وعدم استغلال المياه كسلاح ضد المدنيين الأبرياء، لأنّ هذه السياسة لم تؤثّر إلا على هؤلاء الباقين في المخيّم. وطالبوا أيضاً منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" التابعة للأمم المتحدة بتحمّل مسؤولياتها إزاء معاناة الأهالي، بعد التزامها الصمت حتى الآن حيال المستجدات الأخيرة في المخيّم.
يُذكر أنّ الاشتباكات أدّت إلى تدمير واحتراق عشرات المنازل في المخيّم، فيما يلجأ المسلحون إلى فتح ممرات آمنة لتحركاتهم من داخل البيوت عبر هدم جدرانها الداخلية تجنباً لعمليات القنص. ووفقاً لمعطيات فلسطينية ودولية، يزيد عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين قتلوا في مخيّم اليرموك منذ بداية الأزمة السوريّة عن 1200 شخص، من أصل أكثر من 3200 فلسطيني قتلوا في سورية خلال هذه الفترة ، منهم نحو 436 قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري و186 ضحايا الجوع والحصار.
قبل الثورة السورية، كانت إحصائيات وكالة الأونروا تشير إلى أنّ عدد اللاجئين الفلسطينيين في سورية، يبلغ نحو 560 ألفاً، بينما كانت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين التابعة للحكومية السورية تقدّرهم بحدود 620 ألفاً. إلى ذلك، تلفت المعطيات الأخيرة المتوفّرة إلى أنّ أكثر من 200 ألف لاجئ فلسطيني باتوا اليوم خارج سورية موزّعين على بلدان الجوار أو في أوروبا.